أحب أشير للمقدمه المختصره أولاً
ملخص قصة إسماعيل عليه السلام
وقد أشارلها الله تعالى في محكم كتابه
فبعد ولادة إسماعيل أمر الله سبحانه وتعالى خليله إبراهيم بأن يترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا زاد فيه ولا ماء. فاستجاب إبراهيم لأوامر ربه.


أنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء لا يكفي يومين. ثم استدار وتركهما وسار.

أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟

لم يرد عليها سيدنا إبراهيم.. ظل يسير.. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه.. أدركت أن الله أمره بذلك وسألته: هل الله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم عليه السلام: نعم.

قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا. وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ

لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في هذه التصرفات الغامضة، فقد كان إسماعيل الطفل الذي ترك مع أمه في هذا المكان، كان هذا الطفل هو الذي سيصير مسؤولا مع والده عن بناء الكعبة فيما بعد.. وكانت حكمة الله تقضي أن يمتد العمران إلى هذا الوادي، وأن يقام فيه بيت الله الذي نتجه جميعا إليه أثناء الصلاة بوجوهنا.

ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء وعاد راجعا إلى كفاحه في دعوة الله.. أرضعت أم إسماعيل ابنها وأحست بالعطش. كانت الشمس ملتهبة وساخنة وتثير الإحساس بالعطش. بعد يومين انتهى الماء تماما، وجف لبن الأم.. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش.. كان الطعام قد انتهى هو الآخر.. وبدا الموقف صعبا وحرجا للغاية.

بدأ إسماعيل يبكي من العطش.. وتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا".. فصعدت إليه وراحت تبحث بهما عن بئر أو إنسان أو قافلة.. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه.. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود.. ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث.. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.

وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.. وفار الماء من البئر.. أنقذت حياتا الطفل والأم.. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله.. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة.. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.

وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود* وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجٍّ عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير* ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق{(97) .

الحجّ هو الهجرة إلى المحبوب ، وهو رحلة الفرد إلى الله تعالى . . رحلة مادية عبر السفر إلى بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمناً . . . ورحلة معنوية عبر هجر الأهل والأحباب والشوق إلى لقاء الله وتجديد البيعة عند بيته العتيق . . وشاءت الإرادة الإلهية أن تكون هذه الدعوة السماوية المسبوقة بالأذان هي رحلة المسلمين من كلّ الأمصار والأقطار والألوان والوجوه . . رحلة جماعية تتوافد فيها الجماعات الإنسانية المختلفة اللغات والقوميات ليكون الحج ملتقى لهم . . ولم يدعُ تعالى }الذين آمنوا{ فقط لأداء هذه الفريضة الإلهية بل إنه دعا الناس جميعاً إلى بيته }ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً{(101) .
ليكون هذا التجمّع البشري الإسلامي المصغّر عن الاُمّة الإسلامية العظيمة }كنتم خير أمّة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله{(102) ; مؤتمراً لتجديد البيعة وإحياء ذكريات انطلاقة الإسلام الأولى في واد غير ذي زرع .

وعلى هذا فالحج هو أروع وسيلة تربوية تتناسب فيها الأقوال والأفعال والذكريات والمتاعب مع أيّام الله وبيت الله ليعود الحاج إلى وطنه مغفوراً له مشحوناً بشحنات الدين والجهاد ومملوءاً بالعزيمة والقوّة; ليكون ثورة على الاستكبار والطواغيت .
الحج مدرسة روحية ومحطّة تربوية لتربية الفرد على الطاعة والتسليم وتقوية الشعور بالعزّة والقوّة عن طريق شدّ العلائق مع مصدر القوّة الأصلي وهو الله تعالى . . وللحج منافع وفوائد ـ كأي فريضة عبادية اُخرى ـ نذكر منها الشيء اليسير:
أوّلاً: ـ الحج يمهِّد للقاء المسلمين من مختلف أرجاء المعمورة ، وهذا اللقاء يتيح لهم التواصل وتقوية العلاقات بعضهم مع بعض ، ودراسة أوضاعهم السياسية والاجتماعية والعالمية والتباحث في إيجاد الحلول لمشكلاتهم المختلفة ، فالموج البشري الذي ينطلق من الميقات المحدّد لمسيرته نحو الكعبة مع فوران القلوب واهتزاز الروح; ليلتقي حول البيت الحرام كالأنهار التي جاءت من مصادر عديدة; لتلتقي عند البحر الكبير مع رحمة الله تعالى المطلّة على هؤلاء الذين جاءوا متعلّقين بأستار بيته طلباً للرحمة والغفران .
وقبل الميقات كان الكثير منهم يعيش حالة التفاخر والرفعة والكبرياء ، ويجادل بعضهم بعضاً ويخشى الضعيف منهم بطش القوي ، ومع انطلاقة الميقات تغيب كل هذه الصور ، فهي المساواة المطلقة وهي الأمان المطلق عند البيت الآمن ، وهي تجاوز كلّ صنوف التوتر الأخلاقي التي قد تزيد العداوة والبغضاء بين المسلمين . . ولعلّ هذا هو ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: }وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً{(103) .
والمثابة هي المحل الذي يثوب إليه الناس ويرجع إليه المسلمون . . وإذا أردنا أن ندرج بعض فوائد هذا المؤتمر الإسلامي العظيم فنقول:
1 ـ ان الحج يؤدّي إلى اجتماع المسلمين والتعارف فيما بينهم ، وهذا التعارف هو من أهداف رسالة الإسلام ودعوة الأنبياء }يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم{(104) .

2 ـ المساواة المطلقة بين الجميع: الغني والفقير والأسود والأبيض والقرشي والهندي . . من خلال طوافهم حفاةً حول الكعبة ، ومن لباسهم البسيط البعيد عن كلّ أشكال الزينة
.
3 ـ إنّ الحرم هو عينة صغيرة لنموذج الحياة المنشودة في الإسلام ، الحياة الآمنة المطمئنة التي يأمن فيها الإنسان على دمه وماله وعرضه ، وهذا الشعور الأمني هو بغية الإنسان في كلّ مكان خاصة في وقتنا الحاضر إذ يعصف التيّار اللاأمني بالناس جميعاً ، فترى التوتر والقلق والخوف يسيطر على البشرية كلّها(105) . . والفرد يعيش هواجس الخوف من أخيه وصاحبته وبنيه ودوماً تتطاير في السماء نذر الحروب والقتل والدمار خصوصاً للمسلمين . . ولكنه في مكة لو رأى قاتل أبيه لما تعرّض له بل إنه لا يسحق النملة ولا يصطاد الطيور; لأنه ليس الإنسان لوحده يعيش الأمن والأمان ، بل حتى الطيور والحيوانات ، وتكاد تكون صفة الأمان هي مرتجى البشرية الحاضرة .

4 ـ الحج الذي هو مؤتمر إسلامي كبير يربي عند الإنسان المسلم الشعور الديني والانتمائي بأنه جزء من أُمّة كبيرة ، وهو واحد من الجموع المليونية الموحّدة لله والمتناثرة في الأصقاع ، وهؤلاء الطائفون حول الكعبة هم صورة مصغّرة لتلك الاُمّة العظيمة . . والحاج يؤدّي مناسكه من طواف وسعي ووقوف عند المشعر وعرفات والذبح يؤدّيها جماعة مع الآخرين ، بل إنّ القرآن الكريم ليدعو الحاج إلى أن لا يفيض بمفرده إنّما من حيث يفيض الناس }ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ان الله غفور رحيم{(106) .


يقول الإمام الخميني(رحمه الله) حول الطواف:
آ«إنّ الطواف حول بيت الله يعلمكم أن لا تطوفوا حول غير الله ، وأنّ رجم الشيطان رمز لرجم شياطين الإنس والجن . . حين ترجمون الشيطان عاهدوا ربّكم على طرد كل شياطين الإنس والقوى الكبرى من بلادكم العزيزةآ» .
إنه يعلِّم المسلمين أنّ هذه الشعائر ليست عملاً أجوف ، فمثلاً الطواف حول البيت يذكّر المسلم بالطواف حول الله تعالى أي أن تكون أعماله مقصودة لوجهه تعالى وتكون حركته منه وإليه ابتغاء مرضاته ، وبذلك يبتعد عن الشرك الظاهر والشرك الخفي . . وحتى رجم الشياطين تمنح الفرد المسلم القوّة والايمان لمواجهة شياطين الإنس والجن ، وإنّما ذكر شياطين الإنس كي يذكّر الجموع المسلمة أن الطواغيت الذين يطوفون حولهم هم أولى بالرجم من غيرهم