بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين



حرية العقيدة



الإنسان حر في اعتناق عقيدة ما دون قيد أو شرط، وحر في إظهار

العقيدة التي يؤمن وحر في

الدعوة للعقيدة ونشرها بين الآخرين أو التبشير بها، وقد أشار

القرآن الكريم لهذه الحريات إذ يقول

تعالى في محكم كتابه:


(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، وقوله: (فمن شاء

فليؤمن ومن شاء فليكفر)

، بل إن هناك قول صريح بنفي الإكراه في العقائد وأن الإنسان حر في إظهار ما يؤمن به (ولو

شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)


وفي مورد آخر يشير رب العباد إلى عدم جواز فرض الإيمان على الإنسان وأن واجب الرسول

التذكير والتوضيح والإبلاغ والإرشاد وتبقى الحرية مناطة للبشر كي يختاروا ما يشاءون (فذكر

إنما أنت مذكر* لست عليهم بمصيطر)

إن تحقيق العدالة في النسيج الاجتماعي يتطلب تطبيق التعددية الدينية وتجنب حرمان الناس عن

حقهم في الاختيار العقيدي مما قد تخلق هيمنة دينية وفرض شعائر وتنمو حالة الاستعداء الديني

والمذهبي. وقد قيل أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال ذات مرة في مسجد المدنية: (من آذى

إنجيلياً فقد آذاني) وهو القائل: (لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لحكمت في أهل التوراة بتوراتهم

وفي أهل الإنجيل بإنجيلهم وفي أهل القرآن بقرآنهم حتى تركت كل كتاب ينطق عن نفسه) وكذا في

عهده إلى نصارى نجران إذ يقول: (لا يُضاموا ولا يُظلموا ولا يُنقص حق من حقوقهم)

إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان الذي يثبت بها وصف إنسان، فالذي يسلب إنساناً حرية

الاعتقاد إنما يسلبه إنسانيته ابتداءً. والإسلام وهو ينادي بأن (لا إكراه في الدين) برغم كونه من

أرقى التصورات للوجود والحياة يمنع أتباعه من إكراه الناس عليه، والتعبير هنا يرد في صورة

النفي المطلق أي نفي الجنس كما يقول النحويون أي نفي جنس الإكراه كونه ابتداءً، فهو يستبعده

من عالم الوجود والوقوع وليس مجرد نهي عن مزاولته والنهي عن صورة النفي أعمق إيقاعاً

وآكد دلالة كما يشير إليه سيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن)


إن حرية العقيدة تؤكد على حقيقة رفض أي نوع من أنواع التعصب والتزمت والتشنج في التعامل

مع أتباع العقائد الأخرى فليس من حق أحد أن يقف على بوابة الإسلام لكي يدخل من يشاء ويمنح

صكوك الغفران لمن أحب أو يطرد من يشاء وكأنه يملك وكالة التوحيد لله!! فالحقيقة ملكية عامة

لكل الناس. يقول الإمام علي (عليه السلام): (أدنى ما يكون به الرجل كافراً أن يتدين بشيء فيزعم

أن الله أمره به عما نهى عنه ثم ينصبه فيتبرأ ويتولى ويزعم أنه يعبد الله الذي أمره به)

إن الإسلام حينما يلغي العصبيات الجاهلية إنما ينطلق من اعتبارها نبتاً شيطانياً فاسداً ينخر بكرامة

الأمة حيث تبث الفتن وتقوض أسس التكامل والرقي الإنساني. يقول رسول الله (صلى الله عليه

وآله): (من كان في قلبه حبة خردل من عصبية بعثه يوم القيامة مع أعراب الجاهلية) ويقول

الإمام الصادق (عليه السلام): (من تَعصّب أو تُعصِّب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه).

إن التعصب جهل وسفاهة وانتهاك لكرامة النفس البشرية وهو تشويه لوجه الحياة، يقول الإمام

علي (عليه السلام): (لقد نظرت فما وجدت أحداً من العاملين يتعصب لشيء من الأشياء إلا من

علة تحتمل تمويه الجهلاء أو حجة تليط بقول السفهاء)

يقول (لانبول) وهو مستشرق غربي: (في الوقت الذي كان التعصب الديني بلغ مداه جاء الإسلام

يهتف: (لكم دينكم ولي دين)، وكانت هذه مفاجأة للمجتمع البشري الذي لم يكن يعرف حرية

التدين وربما لم يعرفها حتى الآن وسار محمد على هذا المنوال مسيرة لم تعرف التردد).



تحياتي للجميع