صورة تجمع من اليمين الشيخ علي اللبناني، الشيخ حسين الأكرف، الشيخ عبد الشهيد الحوري، الشيخ سلمان الشاخوي
مثل هذا الوضع كان مخيفاً والناس في نفس الوقت بحاجة أن تعيش الشعائر ، أنا سافرت بعد رمضان وكلها 3 أشهر ويعود محرم .. أنا وشيخ رضا قررنا أن نشارك والشيخ رضا كان على درجة من الجرأة وكان يكبرني سناً بعامين أو ثلاثة ، ما يهم أنّا رتبنا لقراءة القصائد وقررنا القراءة في غرفنا بالسر وطلبنا من أحدهم أن يراقب فوق السطح وكنا نعزي في غرفة خاصة أو بالسرداب .. ولم يكن هناك رد فقط لطم ونحن نقرأ اللطميات بهمس .. حتى إنَّ الشيخ رضا ألقى القصيدة " زهراء يا مدد الشهادة " للرادود علي المحرقي قرأها في السنابس في وفاة الزهراء وكنا انتقلنا لمدرسة أخرى وأقبلت ذكرى وفاة الزهراء والأوضاع كانت في تحسن نوعاً ما بعد وقوف الحرب بين إيران والعراق فقال: لنكسر الحاجز " زهراء يا مدد الشهادة القتل للاحرار عادة " ، فصدر قرار اليوم الثاني بفصل الشيخ رضا وطرده من المدرسة بتهمة أن القتل للأحرار عادة كيف تقول ذلك كيف تنطق بالشهادة ؟! تريد تطير رووسنا؟؟
فوجدت أن كوني طالب علم لا يمنع أن أكون رادوداً في الوقت نفسه ووجدت أن جهادي وأمري بالمعروف وكسري لحاجز المنكر في ظل هذه الضغوطات الأمنية هو في ظل بقائي كرادود وهذا هو الجهاد الأكبر في ظل هالظروف القاهرة .. وجدت أن كوني رادوداً ليكون لي زكاةً لما أتعلمه من أحكام الإسلام لأن زكاة العلم تعليمه ، بالتالي اقتنعت أنه لا يمكن فصل الدورين رادود وطالب علم .. كلاهما خط واحد ورسالة واحدة وبالعكس كوني طالب علوم إسلامية كثيراً دعمني لأكون رادود من ناحية خيارات الفكرة وأصالة الفكرة التي اطرحها ومعرفتي بانتماءها لمصدر أصيل من رواية ونص قرآني أوخطاب إسلامي أصيل ، ساعدني لأن اختار الصحيح من الأفكار وأن اختار السيرة الصحيحة ولأني طالب علوم إسلامية اعرف أن هناك الغث والسمين في السيرة الكربلائية يجب أن تنقح فليس كل ما بالتاريخ صحيح ، فلا أطرح فكرة إلا واعرف أن لها مصدراً وهذا مطلوب .
الرادود مطالب بأن يكون على ثقافة في العقيدة والتاريخ واللغة . أعتقد أن الرادود إذا لم يكن مثقفاً فهو نصفُ رادود .. مجرد صوت يردد كلمات الآخرين .ولا أقصد الثقافة المنطلقة عن قراءة فقط بل يجب أن يدرس عند الأساتذة ويجلس في مجالس العلم ، الثقافة تأتي بالتعلم بالتربية لا القراءة فقط .. تربية العلم التدريس والتعلم أنت تتروض عندما تجلس وتدرس .. آمل أن يكون لنا مشروع يكمل النصف الآخر لنا كرواديد .. مشروع يثقفنا ،،
كم دامت فترة اقامتك بالنجف في ظل هذه الظروف الصعبة ؟؟
سنتين بقيت في النجف على فترتين .. الفترة الأولى كانت مهمة جدا بالنسبة لي .. وصلنا النجف ليلاً 12:30 او 1 وخرجنا من بغداد وكنا لا نريد أن نسلم على احد من الأئمة إلا علي (ع) نبتدأ بعلي مع أن الكاظم والجواد (عليهما السلام ) أقرب لنا كلها نصف ساعه ونصل ولكن هناك همّ وشوق وحنين كبير لموضوع النجف وعلي أمير المؤمنين "ع" فقلنا " كلنا في الفضل سواء و علي وشأنه " وصلنا النجف وكانت الأبواب مقفلة إذ تقفل في العاشرة فطفنا على قبر الإمام وضريحه سبعة أشواطٍ وكان كفُّنا الأيسر إلى الجدار ، كنا نطوفه لأنه الكعبة الحقيقية ، لأنه محط الولاية الحقيقية ، طفنا عليه سبع مرات ، ونحن نقبل الجدران بتأثر وببكاء .. سكنا في فندق أبو الفضل العباس في شارع الشيخ الطوسي ليلةً واحدةً فقط وبقينا في الفندق ليلاً.
بدأتُ أحلقُ شعري ، ومعنا السيد عدنان هاشم الدرازي والشهيد الشيخ رضا الشهابي والشهيد الشيخ محمد جواد المصلي ، كنا أربعة وأقمنا في الليل ، ولم ننم ولم يكن سفري بثوب بل ببنطلون وقميص وشعر طويل ، فأخرجت المكينة ولعبوا بشعري وأنا صامد لا اعرف لتغير مظهري أي مصير ، وبدأت أكوي الغترة البيضاء و الثوب ولبست الثوب والغترة والقحفية ، ولم أكن أعرف المشي بالغترة تارة أرميها يمين أخرى يسار وتارة للخلف في ربكة ولبست المداس لأول مرة وكان وضعي جدا مختلف وكنت امشي بحذر كأني آلة وليس بإنسان.
وصلنا في الصباح لأمير المؤمنين ودخلنا وكان وضع جداً روحي ومؤثر .. وجدت العلماء يصلون والمجتهدين ، والناس الخواص هم الذين يأتون الفجر لأمير المؤمنين وصلنا الضريح طفنا تزودنا منه ثم ذهبنا نتفطر واخترنا حوزة قوام الدين وكانت بجانب قبر الشيخ الطوسي وهو المكان الذي يدرّس فيه الشهيد محمد باقرالصدر البحث الخارج ، واستقريت في هذه المدرسة فترة من الزمن وانتقلت بعدها لمدرسة أخرى في نفس المنطقة تسمى اليزدي الصغرى وكانت مهجورة حدثت لي فيها مواقف كثيرة .. كان هناك قبر لأحد العلماء صدر قرار بتهديمه قبر قديم لا اذكر من هذا العالم منذ 300 سنه .. عندما هدم القبر اخرجوا الجثة طرية ليس فيها شيء مكفنة وكنا وقوف في هذه المنطقة وهناك كثير من القصص الشيقة في النجف والوقت يضيق عند ذكرها
بعد ذلك انتقلت لمدرسة الآخوند الكبرى .. حياتي في النجف كانت أكثرها في هذه المدرسة إلى أن حدث الغزو على الكويت وأنا كنت قررت أن أعود البحرين في الثاني من محرم ، رجعت وفي 11 محرم حدث الغزو على الكويت وكنت حقيقة قد رجعت لأجل تجهيز المهر للزواج في النجف وكنت قد اخترت لي زوجة وهي أخت صديقي الشهيد المرحوم السيد محمد صالح الخلخالي حفيدة الفقيه الشهيد مرتضى الخلخالي كلهم أعدموا واستشهدوا وهي الآن شهيدةٌ رحمها الله تعالى.
خطبتها من أخيها ومهد لي الأمور على أن أرجع وأخطبها رسمياً من والدها .. والدها أحد العلماء الكبار مسؤول استفتاءات السيد الخوئي رحمة الله عليه ولكنها مضت شهيدة رحمة الله عليها .. تأثرت كثيراً بالطبع و لكن هنيئاً لها و لعائلتها الشهادة.
ماذا بعد النجف؟
بعد النجف حصلت لي ارهاصاتٌ نفسية كثيرة ، الذي أصاب النجف في الإنتفاضةِ الشعبانية وأصحابي وجيراني وأساتذتي ، حطم حلماً كبيراً في نفسي حطم أشياء كثيرة كنت متعلق بها ، أشياء ذهبت بلا عودة ، سببت يأساً عميقاً كنت في حالة نفسية متعبة جداً ، لا أعرف أين أذهب ما هي وجهتي ، هذا الذي حدث ربما كان سيكلفني التوقف عن طلب العلم لولا لطف الله و وقوف الصحبة والعلماء والأساتذة في البحرين ، الذين وقفوا بجانبي في المحنة مثل الشيخ عباس الريس أستاذنا والدنا شاعرنا أديبنا خطيبنا .. كان أباً وأخاً وكل شيء .. يعالج نفسك بسكوت من دون أن يقول لك أنك متعب نفسياً هو يعالجك .. في كنف هذا الأب الكبير رحمة الله عليه وجدت نفسي مجدداً وعادت إليّ طموحاتي مجدداً وواصلت الدراسة بعد أربع شهور من هذه المنحة وواصلت مشروع طالب العلم واخترنا درساً عند الشيخ عباس الريس و السيد جواد الوداعي ودرسين عند سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري عافاه الله وبالمناسبة نحن آخر مجموعة درسنا عند السيد جواد الوداعي بعدها لم يدرّس احداً قط وحوزة الشيخ الجمري آنذاك كانت متواضعه بعدد من الطلاب يعد على الأصابع .
واصلت مشروع الدراسة مع هؤلاء العلماء الأفاضل لسنة ثم قررت الذهاب إلى قم المقدسة . قم المقدسة قلت إنَّ الطموح في البداية كان لها وذهابي لقم تحقيق لحلمي الأول ، رغم تعلقي بالنجف واني لا استعيض عن النجف بأي مكان آخر ولكن قم المقدسة هي مرفأ فكري كبير وواسع ويكفي أنني اكتشفت حبي وانتمائي للفلسفة والعقيدة هناك في قم وكنت متأسف جداً لأنني لم استطع أن أدرس الفلسفة في النجف واني لم استطع التخصص فيه لأن النجف مدرسة تقوم على رفض أو عدم التفاعل مع الفلسفة أما قم فتنفتح انفتاحاً تاماً على الفلسفة فقم في الحقيقة تعلمت فيها الكثير ، تربيت فيها روحياً عقلياً سياسيا ثقافياً وليس فقط فقه وأصول ، كل المعارف والأجواء تراها في قم ، كل الإشكاليات نتطارحُها في قم ، كل الهموم تجدها هناك ، المغتربون من كل أطياف العالم من امريكا ، افريقيا ، أوروبا ، آسيا . هناك وجدت نفسي في عالم واسع وعملاق.
إلى أي مرحلة حوزوية وصلت ؟ وما هو تخصصك ؟
الحمد لله الآن وصلت لمرحلة البحث الخارج في الفقه والأصول لمدة سبع سنوات ، ولكن دراستي للفقه أكثر من دراستي للأصول لان دورة الأصول دورة قصيرة ولكن أبواب الفقه واسعة جداً أما على مستوى المعارف الإسلامية في الحوزة فأنا مختص في جانب الفلسفة والعقيدة واختصاصي في هذا الجانب على يد الأستاذ الكبير السيد كمال الحيدري الذي أدين له بكل معنى الكلمة وأدين له بالفضل والجميل في احتضانه لنا وتربيته الفكرية والفلسفية وهو من تلامذة الشهيد الصدر وهو اهتم كثيراً بنا حتى على المستوى الشخصي ، دائما يحثني على الاهتمام بالكتابة والبحث والقراءة في الفلسفة والعقائد .
أين سماحة الشيخ من المنبر الحسيني ؟؟
المنبر الحسيني طموح لا زال يروادني وخطوت خطوات في طريق المنبر الحسيني وقرأت عاشوراء عام 1994 في مأتم الإمام الرضا في طشان قرأت العشرة كاملة كأي خطيب من الخطباء وقرأت مجالس عرضية هنا وهناك ولا زال الناس يتصلون يحاولون أن اقرأ مجالس حسينية ولكن أجد أن الخطابة تحتاج إلى تفرغ كما أن المشروع الذي اطمح له في عمل متميز ومركّز يحتاج لتفرغ فلا استطيع أن أكون خطيبا وفي الوقت ذاته رادوداً هذا بحاجة لموازنة . ربما عندما أجد مستقبلاً أني لا استطيع الخدمة كرادود أتوجه للخطابة ..
كونك معمم لماذا لا نرى العمة تعتلي رأسك؟
يجب أن أبين شيئاً في موضوع العمامة ، فالعمامة هي كزيّ ومظهر هي لا تعتبر شهادة علمية ولا تعتبر شهادة من أي نوع آخر فهي زي للإنسان الذي يدرس علوم إسلامية يستطيع أن يلبسها في اليوم الأول كما يسمى أي شخص يدرس لأول يوم بـ(شيخ) والمسألة باختيارك أنت تستطيع أن تلبس وتستطيع أن تخلع العمامة وليس هناك قرار في الحوزة يقول إن فلان الآن نشهد له باستحقاق لبس العمامة إنما عملك ومستواك الثقافي والعلمي وخدمتك الإجتماعية وموازنتك للمصالح والمفاسد هي اللي تخليك تقيم نفسك هل أنت فعلاً تحتاج تلبس عمامة ، هل المجتمع يحتاج لبس عمامتك ؟ هل أنا استحق أن ألبس العمامة وهل سأوفي حق هذا المظهر اللي ناس يقولون عنه (شيخ) ؟ فكوني معمم لا يعني شيء فأنا تعممت منذ النجف عندما كان عمري 16 سنة ، لبستها تشجيعاً من سماحة الشيخ المرحوم آية الله محمد أمين زين الدين باعتبار أنه يرى أن طالب العلم عندما يلبس عمامة يتشجع لطلب العلم و أيضا العمامة تشجع طالب العلم أن يلتزم بسلوكيات طالب العلم فواصلت لبس العمامة أيضاً في قم ولكن بعد ذلك وجدت من نفسي أنني لا احتاج لمحفز في كوني طالب علم فأنا اعشق هذا المجال بعمامة أو بدون عمامة.
المفضلات