ثمَّ التحقتُ بالمدرسةِ الدينيةِ في جدحفصٍ وكان مديرُها الأستاذ جواد السرور خطيب ورجل دين درازي ، كان على علاقة وثيقة جداً مع الشيخ عيسى احمد قاسم - أسالُ اللهَ لهُ الشفاءَ العاجِلْ - درَّسنا مواضيع متعددة ، الفقه ، المنطق ، العقائد ، النحو ، التجويد ، وكُلَّ الُمقدِّماتِ التي يحتاجُها المُثقَفُ الصغيرُ آنذاكٍ .



ولي أساتذة أعتزّ فيهم وكنت أحافظ على الحضور ويبدأ الدوام الساعه 3 أربعة أيام اسبوعياً .. هذا الجانب شجعني أن أكون طالب علوم إسلامية و هو من المحفِّزات وليس البدايات.
كبرنا وكبر حبنا للتدريس .. كنت أدرِّس في مشروع تعليم الصلاة بعض أحكام الفقه الميّسر مِنْ كتابِ الفقهِ الميسَّر ونحضر عند بعض علماء القرية .. في 1989 قررت أن أكون طالب علوم إسلامية من خلال علاقتي بصديق عزيز جدا هو الشهيد الشيخ رضا الشهابي ، من خلال هذه العلاقة الحميميَّةِ جِداً ولأنَّي صديقهُ الحميم عرض علي مواصلةَ دراستنا في النجف وكان الموضوعُ بالِّنسبةِ لي اسطور .. بأن أكون مع الفقهاءِ الذين نسمع عنهُم وكان اِنشدادُنا لمدينة قمٍّ المقدسة وقتها أكثرُ من أي مكانٍ آخر وللظروف الأمنيةِ والسياسية كان التواصل مقطوع مع إيران، فاستشرنا العلماء شيخ عيسى احمد قاسم والشيخ عباس الريس رحمة الله عليه وشجعونا وذهبنا بمباركة خاصة جداً من الشيخ عباس الريس برسالة لأساتذتِه والوالد أيضاً كتب ليَ رسالةً لِأُستاذه اللي درس عنده في النجف.



سماحة الشيخ حسين الأكرف مع زميليه الشيخ حميد العرادي (في الوسط) و الشيخ حسن الصيبعي (اليسار) في انتظار الأستاذ الميلاني في قاعة دار العلم التي يلقي فيها السيد الخوئي بحثه الخارج




في ليلةٍ خاصَّةٍ وجدتُ نفسي إنساناً مختلفاً جداً ، من قميص وبنطلون ولبس الشباب والشعر الكبير .. لحظة شفت روحي شعري مثل الآن ولابس الثوب لأول مرة في حياتي ، والغترة لما لبستها في النجف كنت أَحِّسْ نفسي ما أشوف من اليمين واليسار ما أشوف إلا قِدَّام .. كل هالتحول بلطف خاص من الله وتوجهنا للنجف الخامسة إلا ربع عصراً بالتحديد أقلعتِ الطائرةُ وكنتُ لأول مرة اركب طائرة .


كيف استطعت أن توفِّقْ بين الدراسة والمشاركة في خدمة أهلِ البيت عليهمُ السلام ؟

عندما قررت أن أكون طالب علوم إسلامية كانت نفسي تنازعني بين أن أكون طالب علوم إسلامية، ورادوداً في نفس الوقت لأنَّهُ لم يكن أمامي نموذج عملي بأن هناك طالب علوم إسلامية رادود ، كنت أتصور أنَّ بمُجرَّد أن أكون طالب علوم إسلامية فان حلمي كرادود سيتوقف وذلك أهمني ، وفي المطار كنت حزين ولم يكن لدي حالة من الفرحة والبهجة للالتقاء بالنجف والتحول من رادود إلى طالب علوم إسلامية لأن ذلك يعني أنه يلزمني تجميد دوري كرادود والتوجه لأصبح طالب علوم إسلامية وكنت أنا هنا في منعطف خطير جداً تقسمت فيه نفسي تقسم فضيع.

ولما وصلت النجف لم يكن هناك طالب علوم إسلامية رادود في الوقت ذاته إلا حسين الأكرف والشهيد الشيخ رضا الشهابي فكلما مر موسم محرم الطاغوت صدام على رأسنا ، المخابرات تسكن معنا في نفس الحوزات ، في الشوارع ، مخابرات في المكتبة ، في الخباز في كل مكان مخابرات ، عندما يتحدث أحمد مطر في قصائده في كل مكان مخابرات فهذا شي واقع ليس بخيالي .

أتذكر وأنا هناك نقلوا لي قصة أنَّ الحكومة العراقية البعثية أعدمت رب العائلة لأنَّ طفل ابن هذا الرَّجُل - وهو جارنا في النجف - راح المدرسة أول يوم في الإبتدائي منذ أن دخل الصف كانت صورة صدام معلقة فقال للأستاذ : أستاذ أبي كل ما يرى هالصورة يبصق عليها ! والأستاذ بعثي .. فبلغ على أب الصبي وأُعدم !.

و كانَ أَحدُ الخُطباءِ يقرأُ المنبر ونحضر معه كل يوم ولم يتطرق لشأن سياسي فقط قال رافعا يده اللهم اشغل الظالمين بالظالمين فكل من الحضور هناك خاف على الرجل .. بعد شهر من محرم زرت آية الله الشيخ محمد أمين زين الدين رضوان الله تعالى عليه وجدت ذلك الخطيب مكسر مقعد .. شالسالفة سيدنا ؟!! قال : ذاك اليوم طلعت قلت اللهم اشغل الظالمين بالظالمين خلصت وخبطتني سيارة بطلعتي وكل ما ابتعد عن السيارة هي وراي ركبت الرصيف ، ركبت وهي تلاحقني وداس فوق رجلي!!