كيف اهتديت:
سافرت إلى بيروت لمناقشة بحث قدمته للجامعة اللبنانية عن رئاسة دولة الخلافة في الشريعة والتاريخ وهو تقليدي من جميع الوجوه ويحمل وجهة نظر العامة ومعتقداتها في هذا المجال وأثناء وجودي في بيروت قرأت بالصدفة كتاب أبناء الرسول في كربلاء لخالد محمد خالد ومع أن المؤلف يتعاطف مع القتلة ويلتمس لهم الأعذار إلا أنني فجعت إلى أقصى الحدود بما أصاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوة وأصحابهم وكان جرحي النازف بمقتل الحسين هو نقطة التحول في حياتي كلها وأثناء وجودي في بيروت قرأت كتاب الشيعة بين الحقائق ولأوهام لمحسن الأمين وكتاب المراجعات للإمام العاملي وتابعت بشغف بالغ المطالعة في فكر أهل بيت النبوة وأوليائهم لقد تغيرت فكرتي عن التاريخ كله وانهارت تباعا كل القناعات الخاطئة التي كانت مستقرة في ذهني وتساءلت إن كانت هذه أفعال الظالمين بابن النبي وأهل بيته فكيف تكون أفعالهم من الناس العاديين؟
لقد أدركت بأن الدولة التاريخية وهي دولة عظمى قد سخرت جميع مواردها ونفوذها من خلال برامجها التربوية والتعليمية لغايات قلب الحقائق الشرعية وتسخير الدين الحنيف لخدمة وقائع التاريخ وإضفاء الشرعية على تلك الوقائع وإظهار الدين والتاريخ كوجهين لعملة واحدة .
وأن الناس قد انطلت عليهم هذه الخطة فأشربوا ثقافة التاريخ متصورين بحكم العادة والتكرار وتبني الدولة لهذه الثقافة بأن ثقافة التاريخ هي ثقافة الدين .
وبهذا المناخ الثقافي حملت الدولة التاريخ على أهل بيت النبوة ومن والاهم وصورتهم بصورة الخارجين على الجماعة الشاقين لعصا الطاعة المنحرفين عن إسلام الدولة وتقولت عليه ما لم يقولوه ونسبت إليهم ما لا يؤمنون به وصدقت العامة دعايات الدولة ضد أهل بيت النبوة ومن والاهم وتبنى الأبناء والأحقاد ما آمنت به العامة دون تدقيق أو تمحيص ولا دليل لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله لقد صارت كلمة الشيعة في أذهان العامة مرادفة لكلمات الانحراف والكفر والخروج على الشرعية وتلك ثمرة من ثمرات الحملة التاريخية الظالمة التي شنتها الدولة على أهل البيت عليهم السلام عامة وعلى شيعتهم بشكل خاص عندما أخذت الحقائق تتكشف رويداً رويداً خففت الدولة من حملتها على أهل بيت النبوة ولكنها ضاعفت وكثفت حملتها على شيعة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام .
لقد تبين لي أن أهل بيت النبوة ومن والاهم موالاة حقيقية هم المؤمنون حقاً وهم الفئة الناجية وهم شهود الحق طوال التاريخ وأن الاسلام النقي لا يفهم إلا من خلالهم فهم أحد الثقلين وهم سفينة نوح وهم باب حطة وهم نجوم الهدى ولولاهم لضاع الإسلام الحقيقي ولما بقي للحق من شهود لقد رفعوا لواء المعارضة طوال التاريخ وتحملوا في سبيل الله فوق ما يتحمله البشر حتى أوصلوا لنا الدين الحنيف بصورته النقية الكاملة المباركة وباختصار شديد لقد اهتديت وعرفت أن لأهل بيت النبوة قضية عالمية عادلة وعاهدت ربي أن أدافع عن هذه القضية ما حييت فكانت كل مؤلفاتي مرافعات ومدافعات عن عدالة هذه القضية واستنهاضات للعقل المسلم خاصة وللعقل البشري عامة لينتقل من التقليد الأعمى إلى الإيمان المستنير المبدع .
أنا وأهلي والمجتمع لقد اهتديت وأولادي والحمد لله فصارت أفراح أهل البيت أفراحنا وأتراحهم أتراحنا وأنا على بينة من ربي ولست معنياً بما يتقوله المجتمع عني لقد وصفت الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمعات القديمة كلها الرسل والأنبياء الكرام بالمجانين واتهمتهم بالسحر والكهانة والشعر والكذب ولم يسلم خاتم النبيين من هذه الأوصاف الظالمة لقد بلغ العرب المدى عندما قالوا بأن القرآن أساطير الأولين ولكن بوقت طال أم قصر سقطت أكاذيب الأكثرية من أبناء المجتمعات وحصحص الحق وبقيت الحقيقة الخالدة التي نادى بها النبيون المطلوب أن أنجو بنفسي ولا يضيرني عند الله إن ضل ابني أو تنكر لي مجتمعي ليقولوا أنني كافر وأنني رافضي إلخ هم يعرفون أنني أصلي وأحج وأبكي من خشية الله لقد كنت خطيبهم و إمامهم في الصلاة ورئيس بلديتهم فكيف يمكن التوفيق بين هذه الاتهامات وبين حقيقة الواقع .
تلك طبيعة المجتمع البشري إن فرعون كان يعتقد أن حكمه وطريقته وعقيدته الفاسدة هي المثلى وأنه كان يخشى أن يذهب موسى بطريقتكم المثلى كان يعتقد أن دينه هو الصحيح وهو يخاف من موسى أن ينجح بتبديل دين المجتمع أن يبدل دينكم كان يعتقد أنه مصلح ويخشى أن يظهر موسى في الأرض الفساد لكن من يصدق اليوم أن فرعون مصلح وأن طريقته هي المثلى وأن موسى مفسد حاشاه ؟!! من يصدق اليوم أكاذيب العرب بأن القرآن أساطير الأولين ؟!! بوقت يطول أو يقصر ستسقط كل الأكاذيب وتزول كل الأصباغ الزائفة وتظهر الحقائق الشرعية المجردة والخاسرون هم الذين يكذبون على أنفسهم وعقولهم ويسجنون أنفسهم وعقولهم في كهوف التاريخ ومغره .
لقد أدمنت العامة على ثقافة التاريخ وبتعبير القرآن الكريم أشربوا في قلوبهم العجل واختلطت بدمهم ولحمهم وهم يعتقدون بأنهم على الحق لأنهم الأكثرية وأن موالي أهل بيت النبوة على الباطل لأنهم الأقلية ونادراً ما ينفع الجدل معهم لأنهم قد اكتسبوا معتقداتهم بالوراثة والعادة طبيعة ثانية وابطال مفاعيلها يحتاج لعون من الله ورغبة بالتغيير وجهد عقلي منظم وهم ليسوا على استعداد ليبذلوه لقد ساق القرآن الكريم نماذج رائعة من خلال ملأ الأقوام لأنبيائهم ورسلهم وفي هذه النماذج عبرة .
المفضلات