>>>>>>تابع
وإنّ التاريخ بالرغم من كتابة أكثر فصوله بأقلام كانت تداري حكام الجور الذين كانوا يبغضون علياً وبنيه(عليهم السلام) قد ذكر أفعال يزيد وشخصيته، ولكن مع ذلك نجد هناك بعض ممن في قلبه مرض حاول الدفاع عن يزيد ولم يجوّز لعنه!!.
فقد قال ابن كثير بعد ما نقل عن أبي الفرج الحنبلي تجويز لعنه: " ومنع من ذلك آخرون، وصنفوا في ذلك أيضاً لئلاً يجعل لعنه وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ماصدر منه من سوء التصرفات على أنّه تأوّل ذلك وأخطأ، وقالوا: إنّه مع ذلك كان إماماً فاسقاً، والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدم الحرام... وأمّا ما ذكره بعض الناس من أنّ يزيد لمّا بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرّة من مسلم بن عقبة وجيشه، فرح بذلك فرحاً شديداً، فإنّه يرى أنّه الإمام وقد خرجوا عن طاعته، وأمرّوا عليه غيره، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة "(1).
" وإن عشت أراك الدهر عجباً " فالخروج على السلطان الجائر المستحل لحرام الله المؤدي إلى وقوع الهرج وسفك الدم الحرام غير جائز!! وبقاء الحاكم الذي عمّ بظله الهرج والمرج، وسفك بأمره دم آل رسول الله(عليهم السلام)وهدم بأمره بيت الله و... كل هذا جائز (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)!(2).
___________
1- البداية والنهاية: 8 / 157.
2- الصافات: 154.
=================
وقال الذّهبي عن لعنه: " ويزيد ممن لا نسبّه ولا نحبّه، وله نظراء من خلفاء الدولتين، وكذلك ملوك النواحي، بل فيهم من هو شرّ منه، وإنّما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بتسع وأربعين سنة، والعهد قريب، والصحابة موجودون، كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجدّه "(1).
فالذّهبي لا يسبّه لوجود نظراء سوء مثله، ولا يحبّه لأنّ ابن عمر أولى بالأمر منه!، ولهذا عظم الخطب عنده، لا لقتله سيد شباب الجنّة وريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا لقتله المسلمين وهتكه للأعراض في المدينة المنورة، ولا لهدمه الكعبة المشرفة!!.
وزعم أبو بكر ابن العربي المالكي (عليه لعنة الله) أنّ الحسين قتل بسيف جدّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يجوز لعن يزيد لذلك(2)!!.
واستحسن ابن حجر الهيثمي ما ذهب إليه الغزالي والمتولي بعد أن نقل قولهما في كتابه الصواعق: " لا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره، فإنّه من جملة المؤمنين، وأمره إلى مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه "(3)!.
وياترى من أين جاء له الإيمان؟! وهو الذي وضع رأس الحسين(عليه السلام)ورؤوس آل عبد المطلب بين يديه وتمثّل بأبيات المشرك ابن الزبعري ـ التي افتخر فيها بانتصار قريش على المسلمين يوم أحد ـ فجعل يزيد ينشد:

ليت أشياخي ببدر شهدواجزع الخزرج من وقع الأسللأهلوا واستهلوا فرحاًثم قالوا يا يزيد لا تشلقد قتلنا القرم من ساداتهموعدلنا ميل بدر فاعتدل

كما أنّه نكث رأس الحسين(عليه السلام) بخيزرانته وأنشد يقول بمرأى ومسمع من المسلمين:

____________
1- أنظر: سير أعلام النبلاء: 4 / 36.
2- أنظر: روح المعاني للآلوسي: 13 / 228، ويظهر هذه المعنى من كتاب ابن العربي العواصم والقواصم.
3- الصواعق المحرقة: 2 / 639.
=========================
لست من خندف إن لم أنتقممن بني أحمد ما كان فعللعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء ولا وحي نزل(1)

وأقواله هذه توحي أنّه كان من الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعدواناً (فَإِنَّها لا تَعْمَى اْلأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(2).

العلماء المصرحين بكفر يزيد وجواز لعنه:
ومما يستنتج من أفعال يزيد بن معاوية، أنّه كان لا يؤمن بالله عزّوجلّ في قرارة نفسه، وكان جانحاً ميّالاً للعبث في تصرفاته، وحاقداً على النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وآله، ولهذا جزم بعض علماء العامة بكفره وجواز لعنه، كابن الجوزي، والقاضي أبي يعلى، والتفتازاني، وجلال الدين السيوطي، وأحمد بن حنبل(3)، وغيرهم.
وقد ألّف ابن الجوزي كتاباً أسماه " الرد على المتعصب العنيد، المانع من ذم يزيد "، وقال فيه: " سألني سائل في بعض مجالس الوعظ عن يزيد بن معاوية وما فعل في حقّ الحسين(عليه السلام)، فقلت: يكفيه ما فيه!... قال: تجوّز لعنه؟ فقلت: قد أجازها العلماء الورعون، منهم الإمام أحمد بن حنبل [ فإنّه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة ]"(4).
وروى عن القاضي أبي يعلى بن الفراء، أنّه روى في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل، قال: " قلت لأبي: إنّ قوماً
____________
1- أنظر: الفتوح لابن أعثم: 5 / 150، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: 80، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 235، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 134.
2- الحج: 46.
3- أنظر: روح المعاني للآلوسي: 13 / 228، الرد على المتعصب لابن الجوزي: 6 ـ 17.
4- الرد على المتعصب العنيد: 6.
======================
ينسبوننا إلى توالي يزيد؟! فقال: يا بني، وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟ [فقلت: فلم لا تلعنه؟! فقال: ومتى رأيتني لعنت شيئاً يا بني ]، لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال: في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اْلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ)(1) فهل يكون فساداً أعظم من القتل؟ "(2).
وقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان من يستحق اللعن، ومنهم يزيد، وقال: " الممتنع من ذلك إمّا أن يكون غير عالم بجواز ذلك، أو منافقاً..."(3).
وقال سعد الدين التفتازاني: " وبعضهم أطلق اللعن عليه، لما أنّه كفر حين أمر بقتل الحسين (رضي الله عنه)، واتفقوا على جواز اللعن على من قتله، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به.
والحق: إنّ رضى يزيد ـ لعنه الله ـ بقتل الحسين(عليه السلام)واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه "(4).
وقال الآلوسي في تفسيره بعد أن ذكر كلام ابن الجوزي في يزيد: " وأنا أقول: الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدّقاً برسالة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)... ولو سلم أن الخبيث كان مسلماً فهو مسلمٌ جمع من الكبائر مالا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلى لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين،
____________
1- محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): 22، 23.
2- الردّ على المتعصّب العنيد: 16 ـ 17.
3- المصدر نفسه: 18.
4- أنظر شرح ا لعقائد النسفية: 103.
========================
والظاهر أنّه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه "(1).
وواقعة الحرّة تشهد على فعل يزيد بالمدينة وأهلها، وخصوصاً بعد ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين... "(2).
فيزيد بن معاوية ملعون آيس من رحمة الله، وقد دعى عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو لم يولد بعد، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): " يزيد لا بارك الله بيزيد، نُعي إلي الحسين، وأُوتيت بتربته، وأُخبرت بقاتله... واهاً لفراخ آل محمّد من خليفة مستخلف مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف "(3).
كما لعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) بالوصف أيضاً، فقال: " سبعة [ستة] لعنتهم وكل نبيّ مجاب الدعوة... والمستحل من عترتي ما حرّم الله "(4).
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبي يعلى، والروياني، والحافظ السلمي والنيسابوري، والبيهقي، وابن عساكر، والضياء، عن أبي ذر رضي الله عنه: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أوّل من يبدّل سنتي رجل من بني أمية ـ وزاد الروياني ـ يقال له يزيد "(5).

____________
1- أنظر روح المعاني: 13 / 228.
2- أنظر: مسند أحمد: 4 / 55، مسند الحارث (زوائد الهيثمي): 1 / 467 (395)، تاريخ الذهبي أحداث (63): 5 / 26.
3- أنظر: كنز العمال: 12 / 128 (34324)، الجامع الكبير للطبراني: 3 / 120، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 190.
4- أنظر: صحيح ابن حبّان: 13 / 60 (5749)، الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 506، كنز العمال: 16 / 85 (44024)، المستدرك للحاكم: 2 / 571 (3940)، المعجم الكبير للطبراني: 17 / 43.
5- أنظر: مصنف ابن أبي شيبة: 7 / 260 (35877)، فيض القدير للمناوي: 3 / 94، مسند أبي يعلى: 2 / 176 (781)، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 163، جمع الجوامع للسيوطي: 3 / 271 (8780).
===============
وقد تبرء بعض بني أُمية من سوء فعاله، وأدانوا سيرته، حتى أنّ إبنه معاوية قال عنه عندما هلك يزيد: " إنّ من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه، وبئيس منقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الخمر، وخرّب الكعبة... "(1).
ومن كلام إبنه هذا يحكم بكفره لا محال، لأنّه غيّر حكم الله وبدّل شريعة الإسلام بإباحته للخمر ـ وتحليل الخمر يعني الحكم بأنّها حلال ومباح ـ وفاعل ذلك كافرٌ شرعاً لا خلاف فيه، وإذا قيل: أنّه ولد من مسلم، يكون مرتدّاً مليّاً يجب قتله!
كما أكد عمر بن عبد العزيز إدانته لأفعال يزيد، عندما ذكره رجل في بلاطه فقال: أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: " تقول أمير المؤمنين؟! فأمر به فضرب عشرين سوطاً "(2).
وقد ارتكب يزيد من الجرائم حتى خشي الناس غضب الله عليهم!، فعن عبد الله بن حنظلة ـ غسيل الملائكة ـ قال: " والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح أُمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة "(3).

نقطة التحول والاستبصار:
يقول إبراهيم وترى: " جعلني كلام قريبي آدم مذهولاً مندهشاً بعدما كشف لي الستار عن هذه الحقائق التاريخية! فتجلى لي بوضوح أنّ من يحمل هذه الصفات المذمومة والرذائل الموبقة لا يجوز له أن يقود أمة ترعرعت في أوساطها أقدس رسالات الله تعالى، ولا يستحق أن يلقّب خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّه يفقد جميع مقومات الخلافة.
____________
1- أنظر: الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 641.
2- أنظر: شذرات الذهب للعكبري: 1 / 69، أخبار الدول للقرماني: 2 / 14، سير أعلام النبلاء للذهبي: 4 / 40، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 209.
3- أنظر: الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 634، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 209.
====================
فمن ذلك الحين وجدت يزيد رجلاً على حدّ تعبير الذهبي: ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس(1).
فاتفقت مع الأخ آدم على عقد لقاءات أُخرى لأتعرف على الشيعة أكثر فأكثر، وتكررت اللقاءات وتعدّدت البحوث حول مواضيع الإمامة والخلافة، وكان آدم يدعم أقواله بالأدلّة والبراهين، ويرشدني إلى الكتب، لا سيما كتب أبناء العامة لأحقق في الأمر بنفسي، وهكذا بقيت أستفسر واطالع و....
ومن جانب آخر كنت اناقش أستاذي ـ الذي أرشدنى لآدم ـ في هذه المسائل، فبدأ الأستاذ يمتعض مني، وخشي أن أتحوّل إلى مذهب الشيعة، فزودنى بعناوين بعض المؤسسات الثقافية لترفدني بالكتب والاصدارات التي قد توقف وتحدّ من تأملاتي في سلوك خلفاء الإسلام الذين كنت أجهل عنهم كل شئ تقريباً.
ولكنني بمرور الزمان تعرّفت على حقائق واجهت في الأذعان بها صعوبة بالغة، نتيجة الترسبات الفكرية السابقة، وكنت أقول في نفسي: كيف أترك مذهبي؟! كيف أهجر معتقداتي؟! كيف كيف...؟، ودارت الأيام حتى إلتقيت بأحد أصدقائي السابقين ـ وكان أحد طلاب مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في غانا ـ فتحاورت معه في هذا المجال، فأعطاني كتاب (ثم اهتديت) و(لأكون مع الصادقين) و(مؤتمر علماء بغداد)، فوجدت فيها حقائق أُخرى تؤيد ما ذكر لي آدم من قبل.
وشيئاً فشيئاً بدأت سحب الظلام تنقشع من أمامي ونور الهداية يجذبني، فقرّرت الالتحاق بسفينة النجاة والاهتداء بنجوم الأمان والانتماء إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فأعلنت استبصاري عام 1993م في ساحل العاج ".
____________
1- أنظر: سير أعلام النبلاء: 4 / 36 ـ 38.
========================
حياه الله في ركب آل البيت عليهم السلام