وفيه أسماء ملوك العالم الذين حكموا البلاد من ذلك اليوم وسيحكمون إلى قيام القيامة، كل ذلك كان في علم الله الذي هو بكل خلق عليم وبكل شيء خبير بصير محيط.
وفيه ذكر الحوادث المهمة من الملاحم والمجازر التي تحدث في الكون وغير ذلك من القضايا الهامة.
وليس فيه شيء من القرآن كما هو صريح الحديث.
ولقد أطلنا البحث والكلام حول هذا الموضوع لأن بعض أصحاب النفوس المريضة والقلوب السقيمة اعتبروا هذا الحديث مرتعاً خصباً للتهريج والتشنيع ضد الشيعة والتشيّع، كـأنهم لم يقرأوا هذه الآيات أو لم يفهموها أو تناسوها فهاجموا الشيعة مهاجمة شعواء فقالوا ما قالوا، وحسابهم على الله يوم فصل القضاء.
الزّهرَاء
في العاشر من البحار عن أمالي الصدوق (عليه الرحمة) عن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها (جل جلاله) زهر نورها لملائكة السماوات كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.
وبهذا الحديث اتضح لنا سبب تسميتها (عليها السلام) الزهراء، وهناك أحاديث أخرى بهذا المضمون، وإنها كانت تتمتع بوجه مشرق مستنير زاهر، وفيما ذكرنا كفاية.
ولسيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) أسماء غير التي مرّت عليك وكل اسم يدل على فضيلة ومزية امتازت بها السيدة الزهراء منها: البتول، العذراء الحانية (من الحنان) بسبب كثرة حنانها على أولادها، وكنيتها، أم أبيها، وهي من أفضل كناها.
البَتُول
اعلم أنَّ الله تعالى قد جعل في مخلوقاته - من الجماد والنبات والحيوان والإنسان - قوانين وسُنَن، وجعل تلك المخلوقات خاضعة لتلك القوانين. فالنار طبيعتها الإحراق وهذه سُنّة الله في النار.
والنبات يحتاج إلى زمان محدود ومكان معيّن بشروط خاصة حتى ينمو ويكبر ويثمر، أنظر إلى الحبة التي تزرع، والعوامل التي تساعدها على أن تنبت من الأرض، والزمان المعيّن لنموِّها، وهذه سُنّة الله في النباتات.
وكذلك الحيوانات جعلها الله خاضعة لقوانين خاصة وأحجامها وألوانها وغير ذلك.
والإنسان كذلك خاضع لقوانين كونية، وطبائع جسمية ونفسية وروحية، ولكن الله تعالى جعل أولياءه فوق تلك القوانين والسنن في ظروف خاصة لحكمته البالغة.
وبعبارة أخرى: جعل الله تلك القوانين هي الخاضعة لأوليائه بإذنه.
أنظر إلى النار المحرقة، التي تحرق كل ما أصابته، ولكن الله تعالى جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم الخليل (عليه السلام).
وكذلك أنبت الله على نبيه يونس (عليه السلام) شجرة من يقطين، بعد أن نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم، مع العلم أن حبة اليقطين تحتاج إلى مدة غير قصيرة، حتى تنبت وتورق وتستر بوَرقها جسم إنسان أو غير إنسان، وهكذا جعل الله النبات خاضعاً لوليه يونس (عليه السلام).
والتناسل لا يمكن إلاّ بالتلقيح، وانتقال نطفة الرجل إلى رحم المرأة، وتطوُّر النطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام إلى خلق آخر، وإلى أن يكمل الجنين خلال ستة أشهر على أقل التقادير، أو تسعة أشهر كما هو الغالب.
هذه سنة الله في قانون التناسل بين البشر، ولكن هذه السُنة وهذا القانون كان خاضعاً لمريم إذ حملت بعيسى (عليه السلام) ولم يمسسها بشر، وحملت وبلدها فانتبذت به مكاناً قصياً، فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة، فوضعت بعيسى، كل ذلك خلال تسع ساعات أو ست ساعات فقط(19).
وعلى هذا الغرار كانت المعجزات تصدر عن الأنبياء والأوصياء عن طريق خرق العادة والطبيعة.
هذا والأمثلة كثيرة جداً، تجد في القرآن الكريم طائفة كبيرة من القصص التي تحدّى فيها الأنبياء والأوصياء قانون الطبيعة، كهبوط آدم من الجنة إلى الأرض، وفوران التنور بالماء في قصة نوح (عليه السلام) وحمْل سارة بإسحاق (عليه السلام) بعد أن كانت عجوزاً عقيماً، وانقلاب العصا حيَّة تسعى في قصة موسى (عليه السلام) وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى في قصة عيسى (عليه السلام) وقصة الإسراء والمعراج في قصة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغير ذلك من القضايا الخارقة للعادة والطبيعة، وقد ذكرت هذه الفقرات كمقدمة تمهيدية لما يلي:
إن العادة الشهرية التي تراها المرأة في كل شهر منذ بلوغها حدِّ الأنوثة إلى الخمسين أو الستين من العمر ما هي إلاَّ دم فاسد، قد تخزنه في الأوعية والأجهزة التي جعلها الله في جسم المرأة ليكون ذلك الدم غذاء للجنين، فإذا لم يكن جنين في الرحم سال الدم إلى الخارج، وربما انقلب إلى اللبن إذا كانت المرأة مرضعة.
قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً) أي إن دم الحيض مادة ضارّة، مؤذية في جسم المرأة، فلابدَّ من خروجها لتنجو المرأة من أمراض وأعراض.
وفي فترة العادة الشهرية تحدث حوادث جسمية وروحية للمرأة تغيِّر ملامحها، ولون وجهها، بل وأخلاقها ونفسيِّتها ومن الممكن معرفة الحائض من ملامح وجهها وعينيها، بل من نظراتها وحركاتها، وهذا النزيف لا يشبه النزيف الطبيعي العادي الذي يصاب به الإنسان، بل يختلف عن ذلك اختلافاً كبيراً.
إن العادة الشهرية حينما تحدث للمرأة تشعر بشيء من الانفعال والخجل والانكسار وإن كان الأمر خارجاً عن إرادتها واختيارها، ولكنها تتألم بهذا الحادث الذي لا يحسن التصريح به لكل أحد، وخاصة للرجال، والنزيف وحالة الانفعال توجد في المرأة ضعفاً وانكساراً في جسمها وروحها.
ولهذا سقط عنها حكم الصلاة والصوم خلال فترة العادة، وحرَّم الله عليها اللبث في المساجد ودخول المسجد الحرام والمسجد النبوي وقراءة سُوَر العزائم الأربع وهي السور التي فيها آيات السجدة الواجبة وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب الفقهية.
ونفس هذه الأحكام تجري في أيام النفاس لنفس الأسباب التي مرّ ذكرها، ولكن الله تعالى كره لسيدة النساء فاطمة الزهراء أن تتلوّث بهذه القذارة المعنوية، فأذهب الله عنها الرجس وطهَّرها تطهيراً.
وهاك طائفة من الأحاديث الصحيحة التي تصرّح بهذا المعنى:
1 - روى القندوزي في ينابيع المودة ص260 عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما سمِّيت فاطمةُ البتول لأنها تبتَّلت في الحيض والنفاس.
2 - روى محمد صالح الكشفي الحنفي في (المناقب) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: وسميت فاطمة بتولاً لأنها تبتلت وتقطَّعت عما هو معتاد العورات في كل شهر.
3 - روى الأمرتسري في (أرجح المطالب): أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن بتول وقيل: إنَّا سمعناك - يا رسول الله - تقول: مريم بتول وفاطمة بتول؟ فقال: البتول التي لم تر حمرة قط، أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء. أخرجه الحاكم.
4 - وروى الحافظ أبو بكر الشافعي في (تاريخ بغداد ج13 ص331) عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ابنتي حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث.. الخ ورواه النسائي أيضاً.
5 - وروى ابن عساكر في (التاريخ الكبير ج1 ص391) عن أنس بن مالك عن أم سليم قالت: لم تر فاطمة (رضي الله عنها) دماً في حيض ولا في نفاس.
6 - الحافظ السيوطي: ومن خصائص فاطمة (رضى الله عنها) أنها كانت لا تحيض، وكانت إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى لا تفوتها صلاة.
7 - وروى الرافعي في التدوين عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: ما رأت فاطمة (رضي الله عنها) في نفاسها دماً ولا حيضاً.
8 - روى الطبري في (ذخائر العقبى) عن أسماء بنت عُميس قالت: قبلت (أي ولدت) فاطمة بالحسن فلم أر لها دماً في حيض ولا نفاس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة، لا يُرى لها دمٌ في طمث ولا ولادة، ورواه الصفوري في (نزهة المجالس) ص227.
وفي العاشر من البحار عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: حرَّم الله عز وجل على علي النساء ما دامت فاطمة حيَّة (في قيد الحياة) قلت: وكيف؟ قال: لأنها طاهرة لا تحيض.
قال شيخنا المجلسي: هذا التعليل يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون المراد أنها لما كانت لا تحيض حتى يكون له عذر في مباشرة غيرها فلذا حرَّم الله عليه غيرها رعاية لحرمتها.
الثاني: أن جلالتها منعت من ذلك، وعبَّر عن ذلك ببعض ما يلزمه من الصفات التي اختصت بها.
أقول: ونزاهة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن هذه الدماء تُعتبر من مصاديق آية التطهير التي تُصرِّح بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم تطهيراً.
العَذْرَاء
لقد مرّ عليك أن من جملة أسمائها: العذراء أي أنها كانت عذراء دائماً، وقد مرّت عليك أحاديث كثيرة تصرِّح بأنَّ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) خُلقت من طعام الجنة، وصرَّح النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها حوراء إنسية، وليس في هذا التعبير شيء من المجاز أو الغلوّ، بل هي الحقيقة والحق، ونجد إلى جانب تلك الأحاديث قوله تعالى: (إنَّا أنشأناهن إن شاء فجعلناهنَّ أبكاراً) ومعنى ذلك أنَّ الحور العين أبكار دائماً، وفي مجمع البيان في تفسير الآية: لا يأتيهن أزواجهن إلاّ وجدوهن أبكاراً.
وهذا حديث يفسِّر الموضوع تفسيراً كاملاً، فقد سأل رجل من الإمام الصادق (عليه السلام) في ضمن مسائل - قال: فكيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها - عذراء؟ قال: لأنها خلقت من الطيب، لا يعتريها عاهة ولا تخالط جسمها آفة.. ولا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة.. الخ(20).
المفضلات