أقرأكـــــــم ربُّ العـــــــــــلا سلامه وخصّــــــــــكم بغـــــــــاية الكرامة

وهو يقـــــــــول معـــــــلناً ومفهما أملاكه الغــــــــــر بمــــــــــا تقدما

قال علــــــــي: قلـــــــت: يا حبيبي ما لجلـــــــــوسنا مــــــن النصيب؟

قال النــــــبي: والـــــذي اصطفاني وخصّـــــــني بالـــــوحي واجتباني

ما إن جــــــــرى ذكــــر لهذا الخبرِ في محــــــفل الأشـــياع خير معشر

إلاَّ وأنــــــــزل الإلـــــــــــه الرحمة وفيـــــــــهم حفَّت جــــــــنود جمَّة

من المـــــــــلائكة الـــــذين صدقوا تحــــــــرسهم فـي الدهر ما تفرقوا

كلاًّ ولـــــــــيس فيـــــــــهم مغموم إلاَّ وعــــــــنه كُشـــــــــــفت هموم

كلاَّ ولا طـــــــالب حاجـــــــــة يرى قضـــــــاؤها علــــــــــيه قد تعسّرا

إلاَّ قضــــــــى الله الكـــــريم حاجته وأنزل الرضــــــــوان فضلاً ساحته

قال علــــــــيٌ: نحــــــــن والأحباب أشياعنا الــــــــذين قـــــــدماً طابوا

فُزنا بمــــــا نلــــــــــنا وربِّ الكعبة فليشــــــــكرنَّ كــــــــلُ فَــــردٍ ربَّه

يا عجــــــــباً يســــــــــتأذنُ الأمين علــــــــيهم ويهـــــــــجمُ الخــؤون

قال سُلــــــيمٌ: قلــــــــتُ: يا سلمان هل دخــــــــلوا ولـــــم يك استئذان

فقال: أي وعــــــــــزَّة الجـــــــــبار ليس علــــــــى الزهــراءِ من خمار

لكنـــــــها لاذت وراء الــــــــــــباب رعايـــــــة للســـــــــــتر والحجابِ

فمذ رأوها عَصَــــــــــروها عصرة كادت - بـروحي - أن تموت حسرة

تصيــــــــح: يا فضـــــــةُ أسنديني فقد وربـــــــــي قتـــــــــلوا جــــنيني

فأسقطت بنـــــــت الهــــدى واحزنا جنيـــــــنها ذاك المســــمَّى مُحسنا


الزّكِيّة

الزكاة: النموّ والزيادة، وقد ذكرنا الشيء اليسير مما يتعلق بهذا الموضوع حول اسمها (عليها السلام): المباركة.


الراضِيَة

الرضا بما قدَّر الله تعالى لعبده يعتبر من أعلى درجات الإيمان بالله عز وجل، وقد رضيت السيدة فاطمة الزهراء بما قدر لها من مرارة الحياة، وهذا الكتاب كله يحدثك عن المصائب والنوائب التي انصبّت على فاطمة الزهراء منذ نعومة أظافرها إلى أن فارقت الحياة في عنفوان شبابها، وهي في جميع تلك المراحل راضية بما كتب الله لها من خوف واضطهاد وحرمان وفقر وأحزان وهموم وغموم ومآسي وآلام، وستجد شيئاً من تلك المكاره التي امتزجت بحياتها تجدها في هذا الكتاب، ويجدر بها أن يشملها قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) لأنها راضية بثواب الله، راضية عن الله بما أعد الله لها، راضية بقضاء الله في الدنيا حتى رضي الله عنها.


المرضية

إن درجة المرضيين عند الله تعالى درجة عالية، ومنزلة سامية فهناك القليل من عباد الله الذين رضي الله عنهم فكانوا مرضيين عند الله تعالى بسبب اعتدالهم واستقامتهم، ومن جملة الذين فازوا بتلك المنزلة الرفيعة والدرجة الراقية هي سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) فإن الله تعالى قد رضى عنها، فكانت مرضية عند الله عز وجل، مرضية أعمالها التي عملتها مرضية رضي عنها ربها بما عملت من طاعته.


المُحَدّثَة

قبل كل شيء ينبغي أن نعلم: هل تتحدث الملائكة مع غير النبي؟ وهل يراهم غير النبي؟ أو يسمع أصواتهم؟

للإجابة على هذه الأسئلة نراجع القرآن الكريم للتحقيق عن الجواب الصحيح:

1 - قال تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين) (سورة آل عمران: 43).

إن صريح هذه الآية أن الملائكة خاطبت مريم بما مرّ عليك من كلمات الثناء والأوامر الإلهية، وباليقين أنها كانت تسمع نداءهم وتفهم خطابهم وإلا فما فائدة هذا الخطاب؟ وقيل: الذي خاطبها هو جبرئيل وحده(9).

2 - (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثَّل لها بشراً سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً قال إنما أنا رسول ربِّك لأهب لك غلاماً زكياً قالت أنِّي يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيّاً قال كذلك قال ربك هو عليَّ هيِّن ولنجعله آية للناس ورحمةً وكان أمراً مقضياً)(10).

لقد أجمع المفسرون أن المقصود من (روحنا) هو جبرئيل، تمثّل لها بصورة آدمي صحيح، لم ينقص منه شيء فانتصب بين يديها، وجرى بينهما الكلام والحوار.

3 - (وامرأته قائمة فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد)(11).

إن هذه الآيات تتعلق بمجيء الملائكة إلى دار إبراهيم الخليل (عليه السلام) لتبشّره بالولد، وكانت زوجته سارة تخدم وتحمل الطعام إليهم ظناً منها أنهم ضيوف فلقد تكلمت مع الملائكة، وخاطبتها الملائكة بما مرّ عليك من الآيات.

4 - (وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم) (سورة القصص: 7) وقد ذكر المفسرون معنى (أوحينا) أي ألهمنا، وقذفنا في قلبها، وعلى قول: إنها نوديت بهذا الخطاب.

وقد ذكر المنّاوي في شرح الجامع الصغير ج2 ص270 عن القرطبي قال: (محدَّثون) بفتح الدال اسم مفعول، جمع محدَّث أي مُلهَم، أو صادق الظن وهو مَن أُلقي في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى، أو مَن يجري الصواب على لسانه بلا قصد، أو تكلِّمه الملائكة بلا نبوة، أو من إذا رأى رأْياً أو ظنَّ ظناً أصاب كأنه حُدِّث به وألقي في روعه من عالم الملكوت، فيظهر على نحو ما وقع له، وهذه كرامة يكرم الله بها من يشاء من صالحي عباده، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء.

أقول: بعد هذه المقدمات سوف لا يصعب عليك أن تعرف أن السيدة فاطمة الزهراء كانت محدَّثة، إذ ليست سيدة نساء العالمين وبنت سيدة الأنبياء والمرسلين بأقلِّ شأناً من مريم بنت عمران أو سارة زوجة إبراهيم أو أم موسى، وليس معنى ذلك أن مريم أو سارة أو أم موسى كنَّ من الأنبياء، وهكذا ليس معنى ذلك أن السيدة فاطمة الزهراء كانت نبية.

وقد روى الشيخ الصدوق في (علل الشرائع) عن زيد بن علي قال: سمعت أن أبا عبد الله (الصادق) يقول إنَّما سمِّيت فاطمة محدَّثة (بفتح الدال) لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول الملائكة: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين.

وفي البحار (ج10) قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: وإن عندنا لمصحف فاطمة، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال: فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد وإنما هو شيء أملاه الله عليها وأوحى إليها.. الخ.

إن هذا الحديث يكشف لنا أموراً قد تحتاج إلى بحث وتحقيق، فكلام الإمام (عليه السلام): (فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات) يريد بذلك حجم المصحف، وكمية المواد الموجودة فيه، وحيث أن القرآن كتاب معروف ومشهور عند جميع المسلمين في كل زمان ومكان من حيث الحجم والسور والآيات والكمية ولهذا جعل الإمام (عليه السلام) القرآن مقياساً وميزاناً يقيس عليه مصحف فاطمة (عليها السلام) من حيث الحجم وكمية المواد.

فمثلاً: لو أن قرآناً طبع بحروف متوسطة، وصفحات حجمها متوسط، فلنفرض أن عدد تلك الصفحات تبلغ خمسمائة صفحة فلو طبعنا مصحف فاطمة (عليها السلام) بنفس تلك الحروف ونفس حجم تلك الصفحات لبلغ عدد صفحات مصحف فاطمة (عليها السلام) ألفاً وخمسمائة صفحة، أي ثلاثة أضعاف صفحات القرآن، وهذا معنى كلام الإمام (عليه السلام): (فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات) وليس معناه أن القرآن الموجود بين أيدينا ناقص، وأن مصحف فاطمة مكمِّل له، كلاّ وألف كلاّ، وليس معناه أن الله أنزل على السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قرآناً، وكل من ادَّعى غير هذا فهو إمَّا جاهل أو معاند مفتر كذّاب.

وأما كلمة: المصحف (وإن كان هذا الاسم) يستعمل في زماننا هذا اسماً للقرآن ولكنه في اللغة يستعمل في الكتب.

قال الرازي في مختار الصحاح: (والمصحف - بضم الميم وكسرها - وأصله الضم، لأنه مأخوذ من (أصحف) أي جُمعت فيه الصحف).

وفي المنجد: المَصحف والمُصحف جمعه مصاحف: ما جُمع من الصحف بين دفَّتي الكتاب المشدود.

وفي صراح اللغة: مصحف بالكسر والضم كراسة قال الفراء وقد استثقلت العرب الضمة في حروف فكسروا ميمها وأصلها الضم من ذلك مصحف ومخدع ومطرف.. لأنها في المعنى مأخوذة من أصحف أي جمعت فيه الصحف.

وفي المصباح المنير: والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه.. والجمع صُحُف بضمتين وصحائف.. والمصحف بضم الميم أشهر من كسرها.

وفي أقرب المُوارد: المُصحف اسم مفعول.. وحقيقتها مجمع الصحف أو ما جمع منها بين دفتي الكتاب المشدود.. وفيه لغتان أخريان وهما المِصحف والمَصحف ج مصاحف.

وفي لسان العرب: المُصحف والمِصحف الجامع للصُّحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أُصحِف، والكسر والفتح فيه لغة.

وهذا حديث آخر يفسر معنى المصحف بمزيد من التوضيح:

في العاشر من البحار أيضاً: وسأله بعض أصحابه عن مصحف فاطمة، فسكت الإمام طويلاً، ثم قال: إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون!

‍إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها، ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة.

والحسين بن أبي العلا يروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله:.. ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد، حتى أن فيه الجلد بالجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش.. الخ.

وفي حديث آخر قال (عليه السلام): وأما مصحف فاطمة (عليها السلام) ففيه ما يكون من حادث، وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.

بقي الكلام حول جملة (أوحى إليها) فالمستفاد من القرآن أن الوحي من الله لا يختص بالأنبياء، بل يوحي الله تعالى إلى غير الأنبياء أيضاً، استمع إلى هذه الآيات البيِّنات:

(فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرة وعشيا)(12).

(فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها)(13).

(وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي)(14).

(إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أني معكم فثبَّتوا الذين آمنوا)(15).

(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً)(16).

(وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه)(17).

(وإذ أوحينا إلى أمك ما يوحى)(18).

هذه بعض الآيات التي تصرح بأن الوحي لا يختص بالأنبياء، بل لا يختص بالبشر، فلقد أوحى الله تعالى إلى كل سماء، وأوحى إلى الحواريين وإلى الملائكة وإلى النحل وإلى أم موسى، فلا يصعب عليك أن تقبل بأنَّ الله تعالى أوحى إلى سيدة نساء العالمين وبنت سيد الأنبياء والمرسلين فاطمة الزهراء (عليها السلام) وكما تقول في تفسير الوحي إلى أم موسى قل في تفسير الوحي إلى فاطمة الزهراء.

وختاماً لهذا البحث: إن مصحف السيدة فاطمة الزهراء كتاب ضخم، يحتوي على جميع الأحكام الشرعية بالتفصيل، ويستوعب قانون العقوبات في الإسلام، حتى بعض المخالفات التي عقوبتها جلدة واحدة أو نصف جلدة أو ربع جلدة، بل وحتى غرامة من خدش جسم أحد من الناس خدشة واحدة.