روى شيخنا المجلسي في البحار عن الاحتجاج وتفسير علي بن إبراهيم عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال لي أبو جعفر: يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فبأي شيء احتججتم عليهم؟
قلت: يقول الله عز وجل في عيسى ابن مريم: (ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله وكذلك نجزي المحسنين) وجعل عيسى من ذرية إبراهيم.
قال: فأي شيء قالوا لكم؟
قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الوالد ولا يكون من الصلب.
قال: فبأي شيء احتججتم عليهم؟
قال: قلت: احتججنا عليهم بقول الله تعالى: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم).
قال: فأي شيء قالوا لكم؟
قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد فيقول: أبناءنا. وإنما هما ابن واحد.
قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): والله يا أبا الجارود لأعطينَّكها من كتاب الله آية تسمّى لصلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يردّها إلاَّ كافر.
قال: قلت: جعلت فداك وأين؟
قال: حيث قال الله: (حرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى أن تنتهي إلى قوله: وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) فسلهم يا أبا الجارود هل حلَّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) نكاح حليلتيهما؟ (أي زوجة الحسن والحسين).
فإن قالوا: نعم، فكذبوا والله وفجروا، وإن قالوا: لا. فهما والله ابناه لصلبه، وما حرمتا عليه إلاّ للصلب.
ولقد جرى حوار بين هارون الرشيد والإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) ذكره شيخنا المجلسي في البحار نقلاً عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) أن هارون الرشيد قال للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام):
لِمَ جوَّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقولون لكم يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء والنبي (صلى الله عليه وآله) جدّكم من قِبَل أُمِّكم؟؟
فقال الإمام: لو أنّ النبي نُشر (أي بعث حياً) فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟
قال الرشيد: سبحان الله! ولِمَ لا أُجيبهُ؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.
فقال الإمام: ولكنه (صلى الله عليه وآله) لا يخطب إليَّ ولا أزوِّجه.
قال الرشيد: ولِمَ؟
قال الإمام: لأني ولدني ولم يلدك.
قال الرشيد: أحسنت يا موسى.
ثم قال الرشيد: كيف قلتم إنا ذرية النبي، والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يعقّب؟ وإنما العقب للذكر، لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب؟
فاعتذر الإمام عن الإجابة على هذا السؤال المحرج وطلب من الرشيد إعفاءه عن الجواب رعاية للتقية. فقال الرشيد: لا، أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي ولست أَعفيك في كل ما أسألك حتى تأْتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدَّعون - معشر وُلد علي - أنَّه لا يسقط عنكم منه شيء ألِفٌ ولا واو إلاَّ وتأْويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: (ما فرَّطنا في الكتاب من شيء) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقال الإمام: تأذن لي في الجواب؟
قال الرشيد: هات.
قال الإمام: أعود بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى)، مَن أبو عيسى؟
قال الرشيد: ليس لعيسى أب.
قال الإمام: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء (عليهم السلام) من طريق مريم (عليها السلام) وكذلك أُلحقنا بذراري النبي (صلى الله عليه وآله) من قَبِل أمِّنا فاطمة (عليها السلام).. إلى آخر الحديث.
هذه هي الآيات التي استدل بها الأئمة (عليهم السلام) حول انتسابهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق السيدة فاطمة الزهراء، وأما الأحاديث التي تصرّح بهذا المعنى فكثيرة جداً، ونكتفي هنا بما يلي:
1 - الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد ج1ص316).
عن ابن عباس قال: كنت أنا وأبي: العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ دخل علي بن أبي طالب فسلّم، فردّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبشّ به، فقال العباس: يا رسول الله أتحبّ هذا؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا عمَّ رسول الله! واللهِ اللهُ أشدُّ حُبَّاً له مني، إنَّ الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا.
ورواه الخوارزمي في (المناقب ص229).
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنَّ الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي.
ورواه محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى).
والحمويني في (فرائد السمطين).
والذهبي في (ميزان الاعتدال).
وابن حجر في (الصواعق المحرقة ص74).
والمتقي الهندي في (منتخب كنز العمال).
والزرقاني في (شرح المواهب اللدنية).
والقندوزي في (ينابيع المودة ص183).
وذكر النسائي في كتاب (خصائص أمير المؤمنين) عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك.
وروى أيضاً عن أسامة قال: طرقت باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة لبعض الحاجة، فخرج وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو؟ فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا هو الحسن والحسين على وركيه، فقال: هذان ابناي، وابنا بنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبُّهما فأحبهما.
والأحاديث التي تصرح بأن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرة جداً، وجاء بعض الجهلاء يتفلسف ليُنكر أبوّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لولديه: الحسن والحسين (عليهما السلام) مستدلاً بقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم). فيزعم الجاهل أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس بأب أحد، مع العلم أن الآية نزلت حول نفي نسب زيد الذي تبنَّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم زوَّجه زينب بنت جحش ثمّ طلّقها زيد وتزوجها النبي (فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً)(6) ففي هذا بيان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس بأب لزيد حتى تحرم عليه زوجته، فإن تحريم زوجة الابن معلق بثبوت النسب، فمن لا نسب له لا حرمة لامرأته، ولهذا أشار إليهم فقال: (من رجالكم) وقد ولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أولاد ذكور إبراهيم والقاسم والطيب والمطهر، فكان (صلى الله عليه وآله) أباهم، وقد صح وثبت أنه (صلى الله عليه وآله) قال للحسن (عليه السلام): إن ابني هذا سيد. وقال أيضاً: إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلاَّ أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم.
وقيل: أراد بقوله: (من رجالكم) البالغين من رجال ذلك الوقت ولم يكن أحد من أبنائه رجلاً في ذلك الوقت.
وختاماً لهذا الفصل: كل ما تقوله في أبوَّة رسول الله لأولاده الذكور فهو الثابت في أبوَّة رسول الله لولديه الحسن والحسين، والكلام هناك نفس الكلام هنا





رد مع اقتباس
المفضلات