النتائج 1 إلى 15 من 16

الموضوع: فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد

العرض المتطور

  1. #1
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272

    فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد

    السلام عليكم
    اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف

    اعزائي
    لقد اعجبني كتاب قد قرأته منذ فتره واسمه فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ..
    وسوف اقوم بنسخه اليكم على اجزاء واتمنى منكم ان تقرأوه :)


    ------------------------------------------

    لقد تناول الأستاذ العلامة السيد محمد كاظم القزويني في كتابه فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد، كباقي مؤلفاته والتي تحمل نفس العنوان. وبأسلوب شيق، وبنسيج ممتع، حتى أظفى عليه صيغة التمتع عند تصفح أوراقه، والفائدة عند البحث في سيرة المعصومين وخاصة سيدتنا الزهراء (عليها السلام) حتى استعرض مجمل حياتها، وموقعها من النبي (صلى الله عليه وآله) وشخصيتها القوية، وبأسلوبها البلاغي الرصين والبليغ أمام أئمة الكفر والإلحاد في عصرها، والدروس التي أعطتها لكل الأجيال حتى بينته شخصيتها القوية والتي تحدث عنها التاريخ الإسلامي ولم يتوقف عن ذلك. وعند الاسترسال في فصول الكتاب تجد التواصل الزمني المرتب لسيرتها المؤلمة والأحداث المريرة التي أوقفت رسالتها بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله)، حتى فارقت الحياة والتحقت إلى الرفيق الأعلى وهي غاضبة على من آذوها.. شاكية إلى الله ورسوله منهم، داعية عليهم...


    هوية الكتاب

    * اسم الكتاب: فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد

    * اسم المؤلف: الخطيب الشهير السيد محمد كاظم القزويني

    * دار النشر: مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت - لبنان

    * سنة النشر: 1141 هـ - 1991 م الطبعة الأولى

    * عدد النسخ: 5000 نسخة

    * عدد الصفحات: 479 من القطع الكبير


    _________________________________________


    قانُون الوراثة

    من الأمور الثابتة قديماً وحديثاً أنّ صفات الأبوين تنتقل إلى الطفل وترتكز فيه منذ تكوُّنه في صلب أبيه إلى انتقاله إلى بطن أمه، ونشوّه ونُموِّه، وبعد الولادة والنموّ تظهر الصفات تدريجياً. بل وحتى الرضاع له تأثير عجيب في صفات الطفل المرتضع وفي الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تسترضعوا الحمقاء فإن الرضاع يعدي) وقد كتب الكثيرون حول هذا القانون تفاصيل كثيرة.

    على ضوء هذا القانون ينبغي أن أذكر شيئاً من ترجمة حياة والديّ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كي نستنتج منها بعض جوانب العظمة التي أحاطت بالسيدة فاطمة من ناحية الوراثة ولكن البحث سيطول، وينتقل الكتاب عن موضوعه إلى موضوع آخر، إلاَّ أننا نلخّص الكلام في هذه الجُمل الموجزة فنقول: سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) أطهر كائن وأشرف مخلوق، وأفضل موجود في العالم كله، لأجله خلق الله الكائنات، ولا يوجد في الكون شرف أو فضيلة أو مكرمة إلاَّ وأوفى نصيبٍ ممكنٍ منها متوفر في الرسول العظيم.

    هذه عصارة الخلاصة مما يمكن أن يقال في حق الرسول، وليس في هذا التعبير شيء من الغلو والمبالغة، بل هو كقولنا: الشمس مشرقة، والعسل حلو.

    هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد انحدرت الزهراء من صلبه.

    وأما السيدة خديجة، فكانت امرأة بيضاء، طويلة حسناء، شريفة في قومها، عاقلة في أمورها، لها نصيب وافر من الذكاء، وبصيرة في الأمور، تعتمد على نفسها وشخصها، تدير عجلة التجارة بفكرها الوقَّاد، وتعرف مبادئ الاقتصاد والتصدير والاستيراد.

    هذا بصفتها إنسان أو بصفتها امرأة.

    وأمَّا بصفتها زوجة فقد بذلت تلك الآلاف المؤلفة من أموالها لزوجها الرسول يتصرّف فيها حسب رأيه، وكان لأموال خديجة كل التأثير في تقوية الإسلام يومذاك إذ كان الدين الإسلامي في دور التكوين، وكان بأمس الحاجة إلى المال، فقيّض الله للإسلام أموال خديجة، وبالفعل تحقق الهدف.

    فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما نفعني مالٌ قط مثل ما نفعني مال خديجة) وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفك من مالها الغارم والعاني، ويحمل الكَلَّ، ويعطي في النائبة ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة، وكان ينفق منه ما شاء في حياتها، ثم ورثها هو وولُدها بعد مماتها(1).

    وبهذا يتضح كلام الرسول (صلى الله عليه وآله): (ما قام ولا استقام الدين إلاّ بسيف علي ومال خديجة).

    وكانت معاشرتها للرسول في حياتها الزوجية تستحق كل تقدير وتعظيم، ولهذا كان الرسول إذا ذكرها أو ذكُرت عنده بعد وفاتها ترحَّم عليها، وانكسر قلبه عليها وربما جرت عبرته على خده حزناً عليها.

    وذات يوم ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) خديجة فقالت عائشة: عجوز كذا وكذا قد أبدلك الله خيراً منها!! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أبدلني منها، لقد آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدَّقتني حين كذّبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها، وحرمني ولد غيرها(2).


    1 - أمالي الشيخ.
    2 - الاستيعاب.
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  2. #2
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272

    زواج الرّسُول الأعْظم (صلى الله عليه وآله)

    زواج الرّسُول الأعْظم (صلى الله عليه وآله)


    تزوّج الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله) بالسيدة خديجة الكبرى وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي بنت أربعين سنة، وقيل: ستة وعشرين سنة(1) وقيل: ثمانية وعشرين سنة(2).

    ويقال إنها كانت قد تزوّجت قبل الرسول بزوجين متعاقبين، وقيل: بل كانت عذراء يوم تزوجها الرسول(3) ولكنه غير مشهور.

    لم يكن زواج الرسول بالسيدة خديجة يشبه الزواج المتعارف بين الناس بل يعتبر هو الزواج الوحيد من نوعه، إذ لم يكن ذلك القرآن الميمون نتيجة حُبٍ وغرام بل لم يكن هناك دافع مادِّي أو ما يشبهه من الأغراض التي كثيراً تحدث في زواج العظماء من جوانب السياسة.

    بل لم يكن هناك تناسب بين الرسول وبين السيدة خديجة من حيث الحياة الاقتصادية، فالرسول العظيم كان يعيش تحت كفالة عمِّه الفقير أبي طالب.

    والسيدة خديجة هي أثرى وأغنى امرأة في مكة، فهناك بون شاسع في مستوى المعيشة بين هذا وتلك. ولكن السيدة خديجة كانت قد علمت أو سمعت أن للرسول مستقبلاً متلألئً واسع النطاق، ولعلَّ غلامها ميسرة هو الذي حدَّثها بما جرى للرسول في أثناء رحلته إلى الشام قصد التجارة بأموال خديجة، أو بلغها كلام راهب دير بُصرى قرب الشام في حق الرسول.

    فهنا اقترحت السيدة خديجة قضية الزواج، وفاتحت الرسول، وطلبت منه أن يطلب يدها من والدها خويلد أو عمَّها (على قولٍ).

    لكن الرسول كان يفضِّل أن يتزوَّج بامرأة فقيرة تنسجم حياتها مع حياة الرسول، واعتذر من خديجة، وامتنع من تلبية طلبها لهذا السبب.

    لكن السيدة خديجة العاقلة اللبيبة الفاضلة أجابته بأنها تهب نفسها للنبي فهل يصعب عليها أن تبذل أموالها له، وتجعلها تحت تصرُّف الرسول؟

    وطلبت من الرسول أن يرسل أعمامه إلى أبيها خويلد ليخطبوها.

    فوجئ أعمام الرسول بهذا النبأ الوحيد من نوعه واستولت الدهشة على عمات الرسول حينما سمعن منه الخبر، إنّه لعجيب!!.

    سيدة تملك الآلاف من الأموال، ويعيش العشرات والمئات من العملاء والأجراء من بركات أموالها وتجارتها القائمة صيفاً وشتاءً، بين اليمن ومكة وبين مكة والشام.

    سيدة خطبها الأمراء والأشراف فرفضتهم، سيدة هكذا تقدِّم نفسها هبةً لشاب فقير يعيش تحت كفالة عمِّه الفقير أبي طالب.

    فيا ترى هل صدقت خديجة في تقديم نفسها للرسول؟ وهل لهذا الخبر نصيب من الحقيقة؟ قامت صفية بنت عبد المطلب (عمة النبي) وتوجهت إلى دار خديجة للتحقيق عن الخبر، وإذا بها تجد الترحيب والاستعداد بجميع معنى الكلمة.


    السَيّدة خَديجة على أبواب السّعَادة

    رجعت صفية إلى أخوتها (أعمام النبي) وأخبرتهم بصدق الخبر، واستولت الفرحة على أعمام النبي، فرحة ممزوجة بالتعجب والدهشة والذهول.

    فإن خديجة خطبها الأمراء وأشراف العرب فرفضت ولم توافق، إذ إنها لم ترهم لها أكفاءً، فما الذي دعاها إلى انتخاب هذا الزوج الفقير الذي لا يملك من حطام الدنيا تبراً، ولا من الأرض البسيطة شبراً؟ يا للعجب العجاب!.

    قام أعمام النبي وقصدوا دار خديجة، وخطبوها من أبيها خويلد أو عمِّها، فامتنع ثم وافق بعد ذلك. ثم لابدَّ من تقديم مبلغ من المال صداقاً يليق بمقام خديجة، فكيف يمكن تحصيل هذا المال؟ ومن أين؟ ومن الذي يتبرع بالصداق؟

    وإذا بالسيدة خديجة تباغتهم مرة أخرى، وتدفع إلى الرسول أربعة آلاف دينار هدية، وتطلب منه أن يجعل ذلك المبلغ صداقاً لها ويقدِّمه إلى أبيها خويلد.

    وفي رواية: أن أبا طالب هو الذي دفع الصداق من ماله.

    إن كانت السيدة خديجة تؤمن بالقيَم، وتضحَّي بالمادة في سبيل تحصيل الشرف فإن أباها خويلد لم يكن يحمل هذه الفكرة، وكثيراً ما تجد التفاوت الكثير بين ثقافة الأب وابنه أو ابنته.

    وهذا الاختلاف في التفكير موجود بين طبقات الناس، وحتى بين الأخ وأخيه، والرجل وزوجته، والأب وما ولد.

    كانت هذه المبادرة نادرة عجيبة جداً، فلم يعهد أحد في العرب أن المرأة تقدِّم الصداق لزوجها، فلا عجب إذا هاج الحسد بأبي جهل وقال: (يا قوم رأينا الرجال يمهرون النساء، وما رأينا النساء يمهرون الرجال!).

    فيجيبه أبو طالب مغضباً: (ما لك؟ يا لكع الرجال! مثل مُحمد يُحمل إليه ويُعطى، ومثلك يُهدي ولا يُقبل منه) أو قال: (إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر، وإذا كانوا أمثالكم لم يزوَّجوا إلاَّ بالمهر الغالي).

    وتمَّ الزواج المبارك الميمون على أحسن ما يرام، وانتقل الرسول إلى دار السيدة خديجة، فكانت خديجة تشعر أنها في أسعد أيام حياتها إذ أنها وصلت إلى أغلى أمانيها وأحلى أحلامها.

    وأنجبت السيدة خديجة أولاداً ماتوا كلهم في أيام الصغر، وأنجبت بنات أربع: زينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة الزهراء، وكانت فاطمة أصغرهنَّ سناً وأجلَّهنَّ شأْناً وأعظمهنَّ قدراً. وهناك اختلاف بين المؤرخين والمحدّثين حول البنتين الأوليين، فقيل: إنهما ليستا من بنات النبي، والصحيح أنهما من بناته وصلبه، وسيأتي الكلام حول ذلك في المستقبل بالمناسبة بإذن الله(4).


    -------------------------------------
    1 - جنات الخلود.

    2 - بحار الأنوار ج6.

    3 - البلاذري، وأبو القاسم في كتابيهما، والمرتضى في الشافي. وأبو جعفر في التلخيص، وابن آشوب في المنتقب.

    4 - التقطنا تفاصيل زواج السيدة خديجة من الجزء السادس من كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي.


    النور الزينبي
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  3. #3
    عضو نشط الصورة الرمزية روح الايمان
    تاريخ التسجيل
    Feb 2004
    المشاركات
    128
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    264
    مشكوره اختي النور الزينبي ونتظر الباقي
    اختك روح الايمان

  4. #4
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272

    كَلِمَة خَاطِفَة حَوْلَ (المَاوَرَائيات)

    كَلِمَة خَاطِفَة حَوْلَ (المَاوَرَائيات)



    هذه هي السيدة خديجة الكبرى، وهذا بعض مناقبها وفضائلها التي تعتبر كل فضيلة منها مثالاً رائعاً للإنسان الكامل، وهذه السيدة هي التي أنجبت السيدة فاطمة الزهراء، وأرضعتها اللبن الممزوج بالمواهب والفضائل.

    وفاطمة الزهراء سليلة أبوين هذا بعض ما يتعلق بحياتهما ومحاسنهما، وهذه نظرة خاطفة أو صورة مصغّرة يمكن لنا أن ننظر منها إلى عبقرية سيدتنا فاطمة الزهراء وبذلك تظهر لنا زاوية من حياتها على ضوء الوراثة.

    وهناك حقائق ثابتة لا يمكن إنكارها، وقد صرحت بذلك أحاديث شريفة كثيرة متواترة عن الرسول الأقدس وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) لم يكتشفها العلم الحديث ولم تصل إليها الاكتشافات الحديثة بالرغم من سعتها وانتشارها، وبالرغم من وصولها إلى الذرة فما فوقها وإلى الكواكب فما دونها.

    تلك الحقائق لا مجال للآلات والمجاهر أن تغزوها وتحيط بها علماً، ولا طريق لعدسات المصوِّرين أن تلتقطها ولو بالأشعة البنفسجية وما فوق البنفسجية.

    وتفشل دون إدراكها مقاييس الطبيعة والمنطق، فالحقيقة فوق إدراك المادة والموازين المنطقية، فلا تدرك بالحواس الخمس (الباصرة، السامعة، الذائقة، الشامّة، اللامسة) بل هي من أسرار الله المودعة في الكائنات، وإن شئت أن تسمّيها بـ(الماورائيات) فلك ذلك.

    وقبل عرض تلك الحقائق لابدّ من تمهيد مقدمة موجزة فنقول: إن النطفة التي تنعقد في الرحم ويتكوّن منها الجنين، تتكوّن من الدم، والدم يستخلص من الطعام بعد إنهاء عمليات الهضم والنضج والطبخ في المختبرات التي يحتويها الجسم، فلا شك أن النطفة المتكونة من الدم المستخلص من لحم الخنزير أو الخمر (مثلاً) تختلف عن النطفة المتكونة من الدم المستخلص من لحم الغنم أو ما أشبه ذلك، لأن نوعية هذا اللحم تختلف اختلافاً كبيراً عن نوعية ذاك، فكذلك تختلف منتجات كل واحد منهما.

    وللطعام تأثير خاص في روح الإنسان ونفسه، فهناك أطعمة مفرِّحة للقلب، مهدئة للأعصاب، تخفف عن توترها، وهناك أطعمة مفعولها عكس ذلك.

    وللطعام الحلال والطاهر تأثير في نفس الإنسان وروحه، بعكس الطعام النجس كالخمر أو الحرام كالمسروق والمغصوب.

    ونفس التأثير يظهر في النطفة التي تنعقد من الطعام الحلال أو الحرام، أو الطاهر أو النجس، ولو أردنا استعراض الشواهد وإقامة الأدلة والبراهين على ذلك لطال بنا الكلام وخرج الكتاب عن أسلوبه وموضوعه المقصود.

    وعلى هذا الغرار فللطعام الذي يأكله الأبوان كل التأثير في توجيه الطفل وتسييره نحو الخير والشر، إذ من ذلك الطعام تتكون النطفة، ثم تنتقل من صلب رجل إلى رحم زوجته، وتلتصق بجدار الرحم، وتنمو وتكبر حتى تكمل جنيناً تاماً.

    فالطعام من حيث النوعية ومن حيث الحكم الشرعي كالحلال والحرام، والطاهر له تأثير عجيب مدهش في مصير الطفل، وكيفية تفكيره في الأمور واختيار الحياة الدينية، وتوجيهه نحو الاعتدال والاستقامة أو الانحراف والانجراف.

    وكذلك الحالة النفسية الموجودة عند الزوجين عند العملية الجنسية لها كل التأثير في مقدّرات الطفل وحالاته ونفسياته في المستقبل.

    فالخوف والقلق لهما أسوأ الأثر في مستقبل الطفل المسكين، وبالعكس الطمأنينة والهدوء النفسي له أحسن الأثر في الطفل.

    كذلك الرغبة الملحة والشوق الشديد يؤثر في جمال الطفل وحسنه وذكائه، بينما عدم الرغبة وضعف الشهوة بسبب خلاف ذلك.

    وانطلاقاً من هاتين النقطتين: نقطة تأثير الطعام ونقطة تأثير الحالة النفسية ننتقل بالقرّاء إلى طائفة من الأحاديث المتواترة، فقد ذكر شيخنا المجلسي (قدّس سره) في السادس من البحار هذا الحديث الشريف:

    .. هبط جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فناداه يا محمد‍‍! العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل خديجة أربعين صباحاً.

    فشقّ ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله) وكان لها محبّاً وبها وامقاً (محباً) فأقام النبي أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك. بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها: يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك هجرة ولا قلى، ولكن ربي أمرني بذلك لينفّذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلاّ خيراً، فإن الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً.

    فإذا جنّك الليل فأجيفي (ردّي) الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإني في منزل فاطمة بنت أسد.

    فجعلت خديجة تحزن كل يوم مراراً لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما كان في كمال الأربعين هبط حبرئيل فقال: يا محمد! العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيَّته وتحفته.

    فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل وما تحفة رب العالمين وما تحيته؟ فقال جبرئيل: لا علم لي.

    فبينما النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطّى بمنديل سندس أو إستبرق، فوضعه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) وأقبل جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام.

    قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد من الأقطار فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي (صلى الله عليه وآله) على باب المنزل وقال: يا بن أبي طالب إنه طعام محرَّم إلاّ عليَّ.

    قال علي (عليه السلام): فجلست على الباب، وخلى النبي (صلى الله عليه وآله) بالطعام، وكشف الطبق، فإذا عذق من رطب، وعنقود من عنب، فأكل النبي (صلى الله عليه وآله) منه شبعاً وشرب من الماء رياً، ومدّ يده للغسل، فأفاض الماء عليه حبرئيل، وغسل يده ميكائيل وتمندله إسرافيل، وارتفع فاضل (باقي) الطعام مع الإناء إلى السماء.

    ثم قام النبي (صلى الله عليه وآله) ليصلي فأقبل عليه جبرئيل وقال: الصلاة محرَّمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى (حلف) على نفسه أن يخلق من صلبك هذه الليلة ذرية طيّبة.

    فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.

    قالت خديجة: وقد كنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنّني الليل غطّيت رأسي، وسجفت (أرسلت) ستري وغلّقت بابي، وصلّيت وِردي، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي؛ فلما كانت تلك الليلة لم أكن نائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي فقرع الباب، فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد؟

    فنادى النبي (صلى الله عليه وآله) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد. قالت خديجة: فقمت مستبشرة بالنبي، وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه.

    فلما كانت تلك الليلة لم يدعُ بالإناء ولم يتأهب للصلاة.. بل كان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء، وأنبع الماء ما تباعد عني النبي حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني.. الخ.

    نستفيد من هذا الحديث أموراً:

    1 - إن الله تعالى أمر نبيه أن يعتزل خديجة، وأن ينقطع عن رؤيتها لفترة حتى يزداد بها شوقاً ورغبة.

    2 - اشتغاله بالمزيد من العبادة للمزيد من روحانية النفس وسمّوها وتعاليها بسبب الاتصال بالعالم الأعلى.

    3 - إفطاره بالتحفة السماوية الطاهرة، السريعة التحول إلى النطفة بسبب لطافتها.

    4 - تكوّن النطفة من طعام سماوي لطيف، لا يشبه الأطعمة المادية.

    5 - التوجه إلى دار خديجة فوراً استعداداً لانتقال النطفة مع تلك المقدمات.

    وقد ذكر هذا الحديث - من علماء العامة - بتغيير يسير كلٌّ من:

    1 - الخوارزمي في مقتل الحسين ص63 و68.

    2 - الذهبي في الاعتدال ج2 ص26.

    3 - تلخيص المستدرك ج3 ص156.

    4 - العسقلاني في لسان الميزان ج4 ص36.

    ثم هناك أحاديث كثيرة بهذا المعنى مع اختلاف يسير في ألفاظها، واتفاقها حول النقطة الجوهرية، وهي انعقاد نطفة السيدة فاطمة الزهراء من طعام الجنة ونذكر من بعض تلك الأحاديث الجملة المرتبطة بالموضوع رعايةً للاختصار، فنقول:

    عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت واقعت خديجة، فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسيَّة، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة(1).

    عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله قال: قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إنك لتلثم فاطمة وتلزمها وتدنيها منك.. وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟ فقال (صلى الله عليه وآله): إن جبرئيل أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحول ماءً في صلبي ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة. وأنا أشم منها رائحة الجنة(2).

    وعن ابن عباس قال: دخلت عائشة على رسول الله وهو يقبِّل فاطمة، فقالت له: أتحبها يا رسول الله؟ قال: أما والله لو علمت حبِّي لها لازددت لها حباً، إنه لما عرج بي إلى السماء الرابعة.. إلى أن يقول: فإذا برطب ألين من الزبد، وأطيب من المسك، وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي، فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوارء إنسية، فإذا اشتقتُ إلى الجنة شممتُ رائحة فاطمة(3).


    وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة كلٌّ من:

    1 - الخطيب البغدادي في تاريخه ج5 ص87.

    2 - الخوارزمي في مقتل الحسين ص63.

    3 - محمد بن أحمد الدمشقي في ميزان الاعتدال ج1 ص38.

    4 - الزرندي في (نظم درر السمطين).

    5 - العسقلاني في لسان الميزان ج5 ص160.

    6 - القندوزي في ينابيع المودة.

    7 - محب الدين الطبري في ذخائر العقبي ص34 وهذه الأحاديث مروية عن عائشة وابن عباس وسعيد بن مالك وعمر بن الخطاب.

    8 - وروى ذلك الشيخ شُعيب المصري في (الروض الفائق ص214) قال: (روى بعض الرواة الكرام: أن خديجة الكبرى (رضى الله عنها) تمنَّت يوماً من الأيام على سيد الأنام أن تنظر إلى بعض فاكهة دار السلام، فأتى جبرئيل إلى المفضّل على الكونين من الجنة بتفاحتين وقال: يا محمد يقول لك من جعل لكل شيء قدراً: كل واحدة وأطعم الأخرى لخديجة الكبرى، وأغشها، فإني خالق منكما فاطمة الزهراء. ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمر.. إلى أن قال: فكان المختار كلما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبَّل فاطمة وشمَّ طيب نسيمها، فيقول حين يستنشق نسمتها القدسية: إن فاطمة حوراء إنسية).



    وهناك روايات متواترة بهذا المضمون، واكتفينا بما ذكرنا.

    بقيت هنا كلمة لا بأس بالإشارة إليها، وهي أن الأحاديث كما تراها تصرح بأن السيدة خديجة حملت بفاطمة (عليها السلام) بعد المعراج مباشرة، وكان المعراج على ما هو المذكور في بعض كتب الحديث في السنة الثالثة من المبعث، وفي بعضها: في السنة الثانية وقيل غير ذلك.

    وستأتيك طائفة من الأحاديث من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصرح بولادتها بعد المبعث بخمس سنين، ومعنى هذا أنها بقيت في بطن أمها أكثر من عامين، وهذا غير صحيح قطعاً، فكيف يمكن الجمع بين القولين؟
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  5. #5
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272

    يتبع

    يمكن أن تُحلَّ هذه المشكلة بما يلي:

    1 - إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عُرج به إلى السماء أكثر من مرة كما في كتاب الكافي، وهذا عندي أحسن الوجوه.

    2 - الأخذ بالقول المروي بولادتها في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث (كما سيأتي) وهذا يتفق مع القول بالمعراج في تلك السنة نفسها، وخاصة بعد الالتفات إلى اختلاف الأقوال حول الشهر الذي كان فيه المعراج.

    ومن جملة مزايا السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنها كانت تكلم أمها خديجة وهي في بطنها، ولم ينفرد علماء الشيعة بذكر هذه الفضيلة، بل شاركهم كثير من علماء العامة ومحدثيهم، فقد روى عبد الرحمن الشافعي في (نزهة المجالس ج2 ص227): (قالت أمَّها خديجة (رضي الله عنها): لما حملتُ بفاطمة كانت حملاً خفيفاً، تكلِّمني من باطني).

    وروى الدهلوي في (تجهيز الجيش) عن كتاب (مدح الخلفاء الراشدين): (أنه لما حملت خديجة بفاطمة كانت تكلمها ما في بطنها، وكانت تكتمها عن النبي (صلى الله عليه وآله) فدخل عليها يوماً وجدها تتكلم وليس معها غيرها، فسألها عمن كانت تخاطبه فقالت: ما في بطني، فإنه يتكلم معي. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أبشري يا خديجة، هذه بنت جعلها الله أم أحد عشر من خلفائي يخرجون بعدي وبعد أبيهم).

    وذكر شعيب بن سعد المصري في (الروض الفائق ص214): فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر، وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: وا خيبة من كذَّب محمداً وهو خير رسول ربي.

    فنادت فاطمة - من بطنها: يا أماه لا تحزني ولا ترهبي، فإن الله مع أبي. فلما تم حملها وانقضى، وضعت فاطمة فأشرق بنور وجهها الفضاء.

    وقد مرّ عليك في (المقدمة) الحديث المروي عن السيدة خديجة حول تكلُّم السيدة فاطمة الزهراء وهي في بطن أمَّها.



    1 - الأمالي للصدوق.

    2 - علل الشرائع.

    3 - بحار الأنوار: ج6.


    تابعونا
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  6. #6
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272
    السلام عليكم
    اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف

    شكرا جزيلا يا اخيتي روح الايمان
    بارك الله فيك

    النور الزينبي
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  7. #7
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272

    فاطمة الزهراء (عليه السلام) تطلُّ على الحياة

    فاطمة الزهراء (عليه السلام) تطلُّ على الحياة


    من العجب الاختلاف الواضح في تاريخ ولادتها، وأنها هل كانت قبل المبعث أو بعده؟ فإنك تجد طائفة كبيرة من الأحاديث تصرِّح بولادتها بعد المبعث بخمس سنين أو ثلاث سنين، وتجد عدداً من الأقوال التي تلحّ وتركز على ميلادها قبل المبعث بخمس سنين، وتجد القول الأول للشيعة مروياً عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ويوافقهم بعض علماء العامة.

    والقول الثاني خاص بعلماء العامة ومحدّثيهم، وإليك بعض تلك الأحاديث حول ميلادها بعد المبعث:

    1 - الكافي (للكليني): ولدت بعد النبوة بخمس سنين وبعد الإسراء بثلاث سنين، وقبض النبي ولفاطمة يومئذٍ - ثماني عشرة سنة!.. الخ.

    2 - المناقب (لابن آشوب): ولدت فاطمة بعد النبوة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادى الآخرة، وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ثم هاجرت.. الخ.

    3 - في البحار عن الإمام الباقر (عليه السلام): ولدت فاطمة بنت محمد بعد مبعث رسول الله بخمس سنين، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً.

    4 - روضة الواعظين: ولدت فاطمة بعد مبعث النبي بخمس سنين.. الخ.

    5 - إقبال الأعمال: قال الشيخ المفيد في كتاب (حدائق الرياض): يوم العشرين من جمادى الآخرة كان مولد السيدة فاطمة الزهراء سنة اثنتين من المبعث.

    6 - مصباح الكفعمي: ولدت في العشرين من جمادى الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث، وقيل سنة خمسٍ من المبعث.

    7 - المصباحين: في اليوم العشرين من جمادى الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمة (عليها السلام) في بعض الروايات، وفي رواية أخرى: سنة خمس من المبعث، والعامة تروي أن مولدها قبل المبعث بخمس سنين.

    8 - دلائل الإمامة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ولدت فاطمة في جمادى الآخرة العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي... إلخ(1).

    هذه نبذة من أقوال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقدماء علماء الشيعة (رحمهم الله) حول ولادة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد المبعث.


    وأما أقوال علماء العامة:

    1 - معرفة الصحابي لأبي نعيم: إن فاطمة كانت أصغر بنات رسول الله سنَّاً، ولدت وقريش تبني الكعبة.

    2 - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: كان مولد فاطمة قبل النبوة وقريش حينئذ تبني الكعبة.

    3 - ابن الأثير في (المختار من مناقب الأخيار).

    4 - الطبري في (ذخائر العقبى).

    5 - السيوطي في (الثغور الباسمة).

    هذا ولعل الباحث يجد هذا القول في أكثر كتب العامة حول مولد الزهراء.

    وقد مرت عليك طائفة من الأحاديث المروية عن كتب العامة حول انعقاد نطفتها من طعام الجنة.

    بعد الإطلاع على هذه الأحاديث ولو بصورة موجزة يتضح لنا أنَّ ولادة السيدة الزهراء كانت قبل المبعث. إذ لم يكن قبل المبعث معراج ولا هبوط جبرئيل ولا ميكائيل على النبي بالوحي، وبهذا ينكشف لنا تزوير الأقوال المصرحة بولادتها قبل المبعث بخمس سنين وأن القائلين بذلك لهم غاية تدفعهم، وهدف يدعوهم إلى اختلاق هذا القول، وهو نسف الأحاديث الواردة عن نزول الطعام من السماء وانعقاد نطفة السيدة فاطمة من أطعمة الجنة وثمارها.

    وهدف آخر: وهو أنَّهم يحاولون أن يثبتوا أن فاطمة الزهراء كان مزهوداً فيها، ولا يرغب فيها أحد، ولهذا بلغت من العمر ثمانية عشر سنة (على زعمهم) ولم يخطبها أحد في خلال تلك الفترة.

    وسيأتي مزيد من القول حول هذا الموضوع في المستقبل في فصل البحث عن زواجها.

    وعلى كلٍّ فقد روى الطبري في (ذخائر العقبى) والصفوري الشافعي في (نزهة المجالس) والقندوزي في (ينابيع المودة) عن خديجة (عليها السلام) قالت: فلما قربت ولادتي أرسلت إلى القوابل من قريش فأبين عليَّ لأجل محمد (صلى الله عليه وآله) فبينما أنا كذلك إذ دخل عليَّ أربع نسوة، عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف، فقالت إحداهن: أنا أُمكِ حواء. وقالت الأُخرى: أنا آسية. وقالت الأُخرى: أنا أُم كلثوم (كلثم) أُخت موسى، وقالت الأُخرى: أنا مريم، جئنا لنلي أمرك.

    الرواية بصورة أُخرى:

    فلما أرادت خديجة أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأْتينها فيلين منها ما تلي النساء ممن تلد، فلم يفعلن، وقلن لا نأْتيك، قد صرت زوجة محمد.

    فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة، عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف، فقالت لها إحداهن: أنا أُمُّكِ حواء، وقالت الأُخرى: أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأُخرى: أنا كلثم أُخت موسى وقالت الأُخرى: أنا مريم بنت عمران (أُم عيسى). جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء. قال: فولدت فاطمة.

    فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها.

    وروى هذا الحديث (بصورة مفصلة) المفضل بن عمرو عن الإمام الصادق (عليه السلام) رواه المجلسي في أول الجزء العاشر من البحار.

    وروى ابن عساكر في التاريخ الكبير.. وكانت خديجة إذا ولدت ولداً دفعته لمن يرضعه، فلما ولدت فاطمة لم ترضعها أحد غيرها.

    ورواه ابن كثير في البداية والنهاية.



    1 - التقطنا هذه الأحاديث من الجزء العاشر من بحار الأنوار للمجلسي.
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  8. #8
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272

    التّسمِيَة

    التسمية

    تعتبر تسمية الطفل المولود أو التسمية (بصورة عامة) من سنن الله تعالى الأولى وقد سمَّى الله تعالى آدم وحوَّاء يوم خلقهما، وعلَّم آدم الأسماء كلها، وقد سار الناس على هذه السنة أو السيرة. فالتسمية لا بدَّ منها عند البشر المتحضّر، ولعل البشر المتوحش في الغابات بسبب ابتعادهم عن الحضارة لا يعرفون التسمية ولا يسمُّون.

    وتختلف أسماء البشر على مرِّ الأجيال والعصور، وعلى اختلاف لغاتها فقد توجد هناك مناسبة بين الاسم والمسمَّى، وقد لا توجد، وقد يكون للإسلام معنى في قاموس اللغة وقد لا يكون له معنى، بل هو اسم مخترع لا من مادة لغوية.

    أما أولياء الله فإنَّ التسمية تعتبر عندهم ذات أهمية كبرى، ولا يخلو الأمر عن الحقيقة، أنَّ الإنسان ينادى ويدعى باسمه، فكم هناك فرق بين الاسم الحسن الجيِّد، وبين القبيح السيئ؟

    وكم فرق بين تأثير نفس صاحب الاسم بهذا وذاك؟ وهكذا تأثر السامع للاسم؟ فهذه امرأة عمران ولدت بنتاً فقالت: (وإني سميتها مريم).

    واختار الله لنبيه يحيى (عليه السلام) هذا الاسم قبل أن تنعقد نطفته في رحم أُمِّه، لأنَّ زكريا سأل ربه قال: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)(1) وأنت إذا أمعنت النظر في قوله تعالى: (لم نجعل له من قبل سمياً) يتضح لك أنَّ تعيين أسماء أولياء الله يكون من عنده عز وجل، وأنَّ الله يتولى تسميتهم ولم يكلها إلى الأبويْن.

    إذا عرفت هذا فهلمَّ معي إلى طائفة كبيرة من الأحاديث التي تذكر اسم السيدة فاطمة الزهراء ووجه التسمية، وأنها إنما سميت بفاطمة لأسباب ومناسبات، وليست هذه التسمية ارتجالية، ولا وليدة إعجاب واستحسان فقط، بل روعي فيها مناسبة الاسم مع المسمى، بل صدق الاسم على المسمَّى، وبهذه الأحاديث يتضح ما نقول.

    قال الإمام الصادق (عليه السلام): لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة والصدِّيقة والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية والمرضية، والمحدَّثة، والزهراء.. إلخ(2).


    فَاطمَة (عليها السلام)

    1 - في العاشر من البحار عن الغمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: لما ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى الله عز وجل إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلى الله عليه وآله) فَسمَّاها فاطمة ثم قال: إني فطمتك بالعلم. وفطمتك عن الطمث ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق(3).

    2 - عن الإمامين: الرضا والجواد (عليهما السلام) قالا: سمعنا المأْمون يحدث عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جدِّه قال ابن عباس - لمعاوية -: أتدري لِمَ سُمِّيت فاطمة؟ قال: لا: قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقوله.

    3 - عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة أتدرين لِمَ سُمِّيتِ فاطمة؟ قال علي (عليه السلام): لم سُميت؟ قال: لأنها فُطمت هي وشيعتها من النار.

    4 - قال الإمام الصادق (عليه السلام): أتدرون أيُّ شيء تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيدي قال: فُطمت من الشر. ثم قال: لولا أن أمير المؤمنين تزوَّجها لما كان لها كفء إلى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه.

    وقد روي هذا الحديث من علماء العامة جماعة. منهم:

    ابن شيرويه الديلمي عن أُم سلمة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يخلق الله علياً لما كان لفاطمة كفء.

    ورواه الخوارزمي في مقتل الحسين ص65.

    والترمذي في المناقب. والمناوي في كنوز الحقائق.

    والقندوزي في ينابيع المودة عن أُم سلمة وعن العباس عمّ النبي (صلى الله عليه وآله).

    5 - وروى الخرگوشي في كتاب (شرف النبي) وابن بطة في كتاب (الإبانة) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): هل تدري لِمَ سُمِّيت فاطمة؟ قال علي: لِم سُمِّيت؟ قال: لأنَّها فُطمت هي وشيعتها من النار.

    6 - عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: سمعت رسول الله يقول: سُمِّيت فاطمة لأن الله فطمها وذريتها من النار، من لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئتُ به(4).

    وقد روى الأحاديث جمع غفير من علماء العامة. منهم:

    1 - الخوارزمي في مقتل الحسين ص51 عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما سُمِّيت ابنتي فاطمة لأنَّ الله عز وجل فطمها وفطم من أحبَّها من النار.

    2 - الطبري في (ذخائر العقبى) والقندوزي في (ينابيع المودة) والصفوري في (نزهة المجالس) عن علي رضي الله عنه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة أتدرين لم سُمِّيت فاطمة؟ قال علي: يا رسول الله لِم سُمِّيت فاطمة؟ قال: إنَّ الله عز وجل قد فطمها وذريَّتها من النار يوم القيامة.

    ورواه القندوزي في (ينابيع المودة) ص194.

    وكان هذا الاسم محبوباً عند أهل البيت (عليهم السلام) يحترمونه ويحترمون من سُمِّيت به، وسأل الإمام الصادق (عليه السلام) أحد أصحابه - وقد رزقه الله بنتاً - بِم سمَّيتها قال الرجل: سميتها فاطمة. قال الإمام الصادق: فاطمة؟ سلام الله على فاطمة أما إن سميتها فاطمة فلا تلطمها ولا تشتمها وأكرمها.

    وفي الوسائل ج7 عن السكوني قال: دخلت على أبي عبد الله - الصادق - (عليه السلام) وأنا مغموم مكروب قال لي: يا سكوني ما غمك؟ فقلت: ولدت لي ابنة.. فقال: ما سمَّيتها قلت: فاطمة قال: آه آه آه ثم قال: أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها.

    وفي سفينة البحار عن أبي الحسن (الكاظم) قال: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد.. وفاطمة من النساء.

    إن الحديث الأول الذي مرّ في تسميتها (عليها السلام) بفاطمة، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قد ذيّله الإمام بقوله: (والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق).

    إن المقصود من كلمة (الميثاق) هنا هو عالم الذر، ذلك العالم الذي أشار إليه قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى)(5) وملخص القول: إن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه كهيئة الذر، فعرضهم على آدم وقال: إني آخذ على ذريتك ميثاقهم أن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئاً وعليَّ أرزاقهم، ثم قال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا فقال للملائكة: اشهدوا فقالوا: شهدنا. وقيل إن الله تعالى جعلهم فهماء عقلاء يسمعون خطابه ويفهمونه ثم ردَّهم إلى صلب آدم، والناس محبوسون بأجمعهم حتى يخرج كل من أخرجه الله في ذلك الوقت، وكل من ثبت على الإسلام فهو على الفطرة الأُولى، ومن كفر وجحد فقد تغيَّر عن الفطرة الأُولى.

    وهذا القول مستخلص من طائفة كبيرة من الأحاديث والأخبار المعتبرة وهذا العالم يسمَّى عالم الذر ويسمى عالم الميثاق، والإمام الباقر (عليه السلام) يشير في كلامه إلى أن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء كانت طاهرة من العادة الشهرية من ذلك العالم ومن ذلك الوقت.

    وأما الأحاديث التي تتحدث عن عالم الذر فكثيرة جداً، ونكتفي هنا بذكر بعضها: في تفسير البرهان عن الإمام أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) قال: سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله): بأي شيء سبقت ولد آدم؟ قال: إنني أول من أقرَّ بربي، إن الله أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا: بلى. فكنت أول من أجاب.

    عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): كيف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه؛ وزاد العياشي: يعني في الميثاق.

    وعن زرارة أنه سئل من الإمام الباقر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) قال: من ظَهرِ آدم ذريتَه إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر، فعرَّفهم وأراهم صنعه، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه.

    ولما حج عمر بن الخطاب واستلم الحجر قال: أما والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أن رسول الله استلمك ما استلمتك فقال له علي: يا أبا حفص لا تفعل فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يستلم إلاَّ لأمر قد علمه ولو قرأت القرآن فعلمت من تأْويله ما علم غيرك لعلمت أنه يضر وينفع، له عينان وشفتان ولسان ذلق يشهد لمن وافاه بالموافاة، فقال له عمر: فأوجدني ذلك في كتاب الله يا أبا الحسن فقال علي (عليه السلام): قوله تبارك وتعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا)، فلما أقروا بالطاعة أنه الرب وأنهم العباد أخذ عليهم الميثاق بالحج إلى بيته الحرام، ثم خلق الله رقا أرقَّ من الماء وقال للقلم: أُكتب موافاة خلقي ببيتي الحرام. فكتب القلم موافاة بني آدم في الرق ثم قيل للحجر: افتح فاك. ففتحه فألقم الرق. ثم قال للحجر: احفظه واشهد لعبادي بالموافاة. فهبط الحجر مطيعاً لله.

    يا عمر أو ليس إذا استلمت الحجر قلت: أمانتي أدَّيتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة؟ فقال عمر: اللهم نعم. فقال له علي: من ذاك.

    وإنك تجد طائفة كبيرة من الأحاديث التي تتضمن البحث عن عالم الذر في كتاب الكافي للكليني والبحار للمجلسي وغيرها من موسوعات الأحاديث.

    وقد التبس الأمر على بعض علمائنا. فلم يفهموا الآية فجعلوا يشككون في تلك الأحاديث (سامحهم الله) بالرغم من كثرتها بل بالرغم من صريح الآية.

    وخلاصة الكلام أن عالم الذر هو عالم الميثاق، ومن ذلك العالم بل وقبل ذلك كانت الأفضلية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين، ومن جملتهم ابن الطاهرة فاطمة الزهراء.

    ولا يصعب عليك قبول هذا القول، فإن هناك أحاديث كثيرة رواها علماء الفريقين من الشيعة والسنة قد بلغت أو تجاوزت حدَّ التواتر وهي تؤيِّد هذا الموضوع أما الأحاديث المذكورة في كتب الشيعة فيعسر إحصاؤها وعدُّها، وأما في كتب السنة فقد روى الصفوري الشافعي في (نزهة المجالس ج2 ص223) قال: قال الكسائي وغيره: لما خلق الله آدم.. إلى أن قال: وعليه جارية لها نور وشعاع، وعلى رأْسها تاج من الذهب، مرصَّع بالجواهر لم ير آدم أحسن منها. فقال: يا رب من هذه؟ قال: فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رب من يكون بعلها؟ قال: يا جبرئيل افتح له باب قصر من الياقوت. ففتح له، فرأى فيه قبَّةً من الكافور، فيها سرير من ذهب، عليه شاب حسنه كحسن يوسف فقال: هذا بعلها علي بن أبي طالب.. الحديث.

    وروى العسقلاني في (لسان الميزان ج3 ص346):

    عن الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن جابر بن عبد الله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما خلق الله آدم وحوَّاء تبخترا في الجنة وقالا: من أحسن منَّا؟ فبينما هما كذلك. إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها، لها نور شعشعاني يكاد يطفئ الأبصار. قالا: يا رب ما هذه؟ قال: صورة فاطمة سيدة نساء ولدك قال: ما هذا التاج على رأسها قال: علي بعلها. قال فما القرطان قال: ابناها، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.


    يتبع
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  9. #9
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272

    تابع التسمية

    الصِّدِّيقة

    لقد مرَّ عليك أن من جملة أسمائها (عليها السلام) الصدِّيقة، بكسر الصاد والدال المشدّدة (صيغة المبالغة) في التصديق أي الكثيرة الصدق.

    والصِدِّيق أبلغ من الصدوق، وقيل: الصدِّيق: من كثر منه الصدق. وقيل: بل مَن لم يكذب قط. وقيل: الكامل في الصدق، الذي يصدِّق قوله بالعمل، البار، الدائم التصديق وقيل: مَن لم يتأت منه الكذب لتعوِّده الصدق. وقيل: مَن صدق بقوله واعتقاده، وحقق صدقه بفعله. كذا في تاج العروس.

    وقيل: المداوم على التصديق بما يوجبه الحق، وقيل: الذي عادته الصدق. وقيل: إنه المصدِّق بكل ما أمر الله به وبأنبيائه، لا يدخله في ذلك شك، ويؤيده قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصدِّيقون). سورة الحديد، الآية: 19.

    هذه تعاريف في معنى الصدِّيق، ولكن المستفاد من الآيات الكثيرة والروايات المتعددة أن مرتبة الصدِّيقين في عداد مراتب الأنبياء والشهداء لهم حساب خاص بهم ودرجة مخصوصة بهم. استمع إلى هذه الآيات ليظهر لك ما قلنا:

    (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) سورة النساء، الآية: 69.

    (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صدِّيقاً نبياً) سورة مريم، الآية: 39.

    (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدِّيقاً نبياً) سورة مريم، الآية: 56.

    (وما المسيح ابن مريم إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدِّيقة) سورة المائدة، الآية: 75.

    وفي تفسير قوله تعالى: (وأُمَّه صدِّيقة) قيل: سُميَّت صدِّيقة لأنها تُصدِّق بآيات ربها، ومنزلة ولدها وتصدِّقه فيما أخبرها به، بدلالة قوله تعالى: (وصدَّقت بكلمات ربها) وقيل: لكثرة صدقها، وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها.

    بعد استعراض هذه الآيات والأقوال يمكن لنا أن نستفيد أن التصديق بالله وبالأنبياء والكتب السماوية والأحكام الشرعية تارة يكون باللسان دون العمل.

    ففي الوقت الذي يصدّق الإنسان بأن الله تعالى يراه مع ذلك يعصي الله عز وجل ويعلم بأن الله تعالى قد أوجب عليه حقوقاً مالية أو غير مالية مع ذلك لا يؤدي تلك الحقوق ويعلم بأن الله حرَّم الخمر والربا والزنا ومع ذلك لا يرتدع عن تلك المعاصي فهو مصدّق بالله وبالحلال والحرام، والثواب والعقاب، والجنة والنار، ولكن عمله لا يطابق هذا التصديق، أي لم يبلغ به التصديق درجة المطابقة بين القول والفعل أو بين الاعتقاد والعمل.

    ولكنّ الصدِّيقين هم الذين يعتقدون الحق ويؤمنون به، ويعملون على ضوء تلك المعتقدات، وهؤلاء عددهم قليل ونادر في كل زمان وفي كل مكان.

    وأنت إذا قارنت بين هذه التعاريف وبين أعمال الناس يظهر لك بكل وضوح أن عدد الصدِّيقين قليل جداً جداً، ولعل في بعض البلاد لا يوجد صدّيق واحد.

    وبعد هذا كله سوف يسهل عليك أن تعرف أن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد بلغت مرتبة الصدِّيقين، وسمَّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصدِّيقة. كما في (الرياض النضرة ج2 ص202) وفي (شرف النبوة) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي: أُتيتَ ثلاثاً لم يؤتَهن أحد ولا أنا:

    أُتيتَ صهراً مثلي ولم أُوت أنا مثلي.

    وأُتيتَ زوجة صدِّيقة مثل ابنتي ولم أُوت أنا مثلها زوجة.

    وأُوتيتَ الحسن والحسين من صلبك ولم أُوتَ من صلبي مثلهما.

    ولكنكم مني وأنا منكم.

    وسأل المفضل بن عمرو عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قلت: من غسَّل فاطمة؟ قال: ذاك أمير المؤمنين فكأنني استعظمت ذلك من قوله، فقال كأنك ضقتَ بما أخبرتك به؟ فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك!

    قال: لا تضيقنَّ، فإنها صدِّيقة، ولم يغسِّلها إلا صدِّيق، أما علمت أن مريم لم يغسِّلها إلا عيسى.


    المُبَارَكَة

    البركة: النماء والسعادة والزيادة كما في (تاج العروس) وقال الراغب: ولما كان الخير الإِلهي يصدر من حيث لا يحبس، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل - لكل ما يشاهَد منه زيادة محسوسة -: هو مبارك فيه، وفيه بركة.

    ولقد بارك الله في السيدة فاطمة أنواعاً من البركات وجعل ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نسلها، وجعل الخير الكثير في ذريَّتها، فإنها ماتت وتركت ولدين وابنتين فقط، وهم: الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) وزينب وأُم كلثوم، وجاءت واقعة كربلاء، وقتل فيها أولاد الحسين ولم يبق من أولاده إلاَّ علي بن الحسين (زين العابدين).

    وقُتل من أولاد الإمام الحسن سبعة (على قول) واثنان من ولد زينب، وأما أُم كلثوم فإنها لم تعقب.

    وبعد واقعة كربلاء تكررت الحوادث، وأُقيمت المذابح والمجازر في نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذرية فاطمة الزهراء من واقعة الحرَّة، إلى واقعة زيد بن علي بن الحسين إلى واقعة الفخ إلى مطاردة العلويين في عهد الأُمويين.

    وجاء دَور بني العباس، فضربوا الرقم القياسي في مكافحة العلويين وإبادتهم واستئصال شأْفتهم، راجع كتاب (مقاتل الطالبيين) تجد بعض تلك الحوادث.

    واستمرت المكافحة أكثر من قرنين حتى قُتل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وهو الإمام الحادي عشر مسموماً في مدينة سامراء، ولم يكن صلاح الدين الأيوبي بأقل من العباسيين في إراقة دماء آل رسول الله ودماء شيعتهم، فلقد أقاموا في المغرب العربي مجازر ومذابح جماعية تقشعر منها الجلود.

    ومع ذلك كله فقد جعل الله البركة في نسل فاطمة الزهراء، وقد جعل الله منها الخير الكثير.

    وفي تفسير قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) أقوال للمفسرين، وإن كان المشهور أن الكوثر هو الحوض المعروف في القيامة، أو النهر المشهور في الجنة ولكن الكوثر على وزن فوعل - هو الشيء الكثير والخير الكثير.

    وقد ذكر السيوطي في (الدر المنثور) في تفسير شرح الكوثر: وأخرج البخاري وابن جرير والحاكم عن طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير فإنّ ناساً يزعمون أنَّه نهر في الجنة. قال: النهر الذي في الجنة هو من الخير الكثير الذي أعطاه.

    والأنسب بالمقام. وبمقتضى الحال - كما في التفسير للرازي - أن يكون المقصود من الكوثر هي الصدّيقة فاطمة الزهراء، فقد ذكر الطبرسي في (مجمع البيان) في تفسير سورة الكوثر: قال: قيل: الكوثر هو الخير الكثير، وقيل: هو كثرة النسل والذرية، وقد ظهرت الكثرة في نسله - رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - من وُلد فاطمة حتى لا يحصى عددهم، واتصل إلى يوم القيامة مددهم.

    وقال الفخر الرازي في تفسيره حول الآية:

    (والقول الثالث): الكوثر أولاده، قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت ردَّاً علة من عابه (عليه السلام) بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرِّ الزمان فانظر كم قُتل من أهل البيت؟ ثم العالم ممتلئ منهم، ولم يبق من بني أُمية في الدنيا أحد يُعبأُ به، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) والنفس الزكية وأمثالهم.

    ووجه المناسبة: أن الكافر شمت بالنبي حين مات أحد أولاده وقال: إن محمداً أبتر، فإن مات، مات ذكره. فأنزل الله هذه السورة على نبيه تسلية له كأنه تعالى يقول: إن كان ابنك قد مات فإنا أعطيناك فاطمة، وهي وإن كانت واحدة وقليلة، ولكن الله سيجعل هذا الواحد كثيراً.

    وتصديقاً لهذا الكلام ترى في العالم (اليوم) ذرية فاطمة الزهراء الذين هم ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) منتشرين في بقاع العالم، ففي العراق حوالي مليون وفي إيران حوالي ثلاثة ملايين، وفي مصر خمسة ملايين وفي الجزائر وفي تونس وليبيا عدد كثير، وكذلك في الأردن وسوريا ولبنان، والسودان وبلاد الخليج والسعودية ملايين، وفي اليمن والهند وباكستان والأفغان وجزر إندونيسيا حوالي عشرين مليوناً.

    وقلَّ أن تجد في البلاد الإسلامية بلدة ليس فيها أحد من نسل السيدة فاطمة الزهراء. ويقدَّر مجموعهم بخمسة وثلاثين مليوناً، ولو أجريت إحصائيات دقيقة وصحيحة فلعل العدد يتجاوز هذا المقدار.

    هؤلاء ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم من صلب علي وفاطمة وفيهم الملوك والأمراء والوزراء والعلماء والكتَّاب والشخصيات البارزة والعباقرة المرموقة.

    ومنهم مَن يعتزُّ بهذا الانتساب ويفتخر به، ومنهم مَن يهمله ولا يبالي به، ومنهم مَن يسير على طريقة أهل البيت، ومنهم مَن يسير على خلاف مذهب أهل البيت.

    وقد سمعت أنَّ بعض العلويين في إندونيسيا خوارج ونواصب!!

    ومن أعجب العجب أن بعض المسلمين ما كان يعجبهم أن يعترفوا بهذا الانتساب أي انتساب ذرية علي وفاطمة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل يعتبرون هذا الاعتراف كذباً وافتراءً، ويحاربون هذه الفكرة محاربة شعواء لا هوادة فيها، وكانوا يسفكون الدماء البريئة لأجل هذه الحقيقة.

    انظر إلى موقف الحَجاج السفَّاك الهتَّاك تجاه هذا الأمر، وهكذا المنصور الدوانيقي، وهارون الرشيد وغيرهم ممن حذا حذوهم وسلك طريقتهم.

    وفي العاشر من البحار: عن عامر الشعبي أنه قال: بعث إليَّ الحجاج ذات ليلة فخشيت فقمت فتوضأْت وأوصيت، ثم دخلت عليه، فنظرت فإذا نطع منشور والسيف مسلول، فسلَّمت عليه فردَّ عليَّ السلام فقال: لا تخف فقد أمنتك الليلة وغداُ إلى الظهر، وأجلسني عنده ثم أشار فأُتي برجل مقيَّد بالكبول والأغلال، فوضعوه بين يديه فقال: إن هذا الشيخ يقول: إنَّ الحسن والحسين كانان ابني رسول الله، ليأْتيني بحجة من القرآن وإلاَّ لأضربنَّ عنقه.

    فقلت: يجب أن تحلَّ قيده، فإنَّه إذا احتج فإنَّه لا محالة يذهب وإن لم يحتج فإنَّ السيف لا يقطع هذا الحديد.

    فحلّوا قيوده وكبوله، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير، فحزنت بذلك، وقلت: كيف يجد حُجَّةً على ذلك من القرآن؟ فقال الحجاج: ائتني بحجة من القرآن على ما ادعيت وإلاَّ أضرب عنقك.

    فقال له: انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك. فقال: انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب.. إلى قوله: وكذلك نجزي المحسنين) ثم سكت وقال للحجاج: اقرأْ ما بعده. فقرأ: (وزكريا ويحيى وعيسى) فقال سعيد: كيف يليق هاهنا عيسى؟ قال: إنَّه كان من ذريته قال: إن كان عيسى من ذرية إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنته فنُسب إليه مع بُعده فالحسن والحسين أولى أن يُنسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع قربهما منه.

    فأمر له بعشرة آلاف دينار، وأمر أن يحملوه إلى داره وأذن له في الرجوع قال الشعبي: فلما أصبحت قلت في نفسي: قد وجب عليَّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلَّم منه معاني القرآن، لأني كنت أظن أني أعرفها، فإذا أنا لا أعرفها. فأتيته فإذا هو في المسجد، وتلك الدنانير بين يديه، يفرِّقها عشراً عشراً، ويتصدق بها ثم قال: هذا كله ببركة الحسن والحسين (عليهما السلام) لئن أغممنا واحداً لقد أفرحنا ألفاً وأرضينا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

    أقول: الآيات التي استدل بها سعيد بن جبير (رضوان الله عليه) هي: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) سورة الأنعام؛ الآية: 85.

    وهاك حديثاً آخر يكشف لك مدى العناد واللجاج والإلحاح على نفي هذه الفضيلة وتزييفها من الجانب المناوئ.

    .
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  10. #10
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272

    تابع

    روى شيخنا المجلسي في البحار عن الاحتجاج وتفسير علي بن إبراهيم عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال لي أبو جعفر: يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فبأي شيء احتججتم عليهم؟

    قلت: يقول الله عز وجل في عيسى ابن مريم: (ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله وكذلك نجزي المحسنين) وجعل عيسى من ذرية إبراهيم.

    قال: فأي شيء قالوا لكم؟

    قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الوالد ولا يكون من الصلب.

    قال: فبأي شيء احتججتم عليهم؟

    قال: قلت: احتججنا عليهم بقول الله تعالى: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم).

    قال: فأي شيء قالوا لكم؟

    قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد فيقول: أبناءنا. وإنما هما ابن واحد.

    قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): والله يا أبا الجارود لأعطينَّكها من كتاب الله آية تسمّى لصلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يردّها إلاَّ كافر.

    قال: قلت: جعلت فداك وأين؟

    قال: حيث قال الله: (حرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى أن تنتهي إلى قوله: وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) فسلهم يا أبا الجارود هل حلَّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) نكاح حليلتيهما؟ (أي زوجة الحسن والحسين).

    فإن قالوا: نعم، فكذبوا والله وفجروا، وإن قالوا: لا. فهما والله ابناه لصلبه، وما حرمتا عليه إلاّ للصلب.

    ولقد جرى حوار بين هارون الرشيد والإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) ذكره شيخنا المجلسي في البحار نقلاً عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) أن هارون الرشيد قال للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام):

    لِمَ جوَّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقولون لكم يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء والنبي (صلى الله عليه وآله) جدّكم من قِبَل أُمِّكم؟؟

    فقال الإمام: لو أنّ النبي نُشر (أي بعث حياً) فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟

    قال الرشيد: سبحان الله! ولِمَ لا أُجيبهُ؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.

    فقال الإمام: ولكنه (صلى الله عليه وآله) لا يخطب إليَّ ولا أزوِّجه.

    قال الرشيد: ولِمَ؟

    قال الإمام: لأني ولدني ولم يلدك.

    قال الرشيد: أحسنت يا موسى.

    ثم قال الرشيد: كيف قلتم إنا ذرية النبي، والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يعقّب؟ وإنما العقب للذكر، لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب؟

    فاعتذر الإمام عن الإجابة على هذا السؤال المحرج وطلب من الرشيد إعفاءه عن الجواب رعاية للتقية. فقال الرشيد: لا، أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي ولست أَعفيك في كل ما أسألك حتى تأْتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدَّعون - معشر وُلد علي - أنَّه لا يسقط عنكم منه شيء ألِفٌ ولا واو إلاَّ وتأْويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: (ما فرَّطنا في الكتاب من شيء) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

    فقال الإمام: تأذن لي في الجواب؟

    قال الرشيد: هات.

    قال الإمام: أعود بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى)، مَن أبو عيسى؟

    قال الرشيد: ليس لعيسى أب.

    قال الإمام: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء (عليهم السلام) من طريق مريم (عليها السلام) وكذلك أُلحقنا بذراري النبي (صلى الله عليه وآله) من قَبِل أمِّنا فاطمة (عليها السلام).. إلى آخر الحديث.

    هذه هي الآيات التي استدل بها الأئمة (عليهم السلام) حول انتسابهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق السيدة فاطمة الزهراء، وأما الأحاديث التي تصرّح بهذا المعنى فكثيرة جداً، ونكتفي هنا بما يلي:

    1 - الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد ج1ص316).

    عن ابن عباس قال: كنت أنا وأبي: العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ دخل علي بن أبي طالب فسلّم، فردّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبشّ به، فقال العباس: يا رسول الله أتحبّ هذا؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا عمَّ رسول الله! واللهِ اللهُ أشدُّ حُبَّاً له مني، إنَّ الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا.

    ورواه الخوارزمي في (المناقب ص229).

    عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنَّ الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي.

    ورواه محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى).

    والحمويني في (فرائد السمطين).

    والذهبي في (ميزان الاعتدال).

    وابن حجر في (الصواعق المحرقة ص74).

    والمتقي الهندي في (منتخب كنز العمال).

    والزرقاني في (شرح المواهب اللدنية).

    والقندوزي في (ينابيع المودة ص183).

    وذكر النسائي في كتاب (خصائص أمير المؤمنين) عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك.

    وروى أيضاً عن أسامة قال: طرقت باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة لبعض الحاجة، فخرج وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو؟ فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا هو الحسن والحسين على وركيه، فقال: هذان ابناي، وابنا بنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبُّهما فأحبهما.

    والأحاديث التي تصرح بأن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرة جداً، وجاء بعض الجهلاء يتفلسف ليُنكر أبوّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لولديه: الحسن والحسين (عليهما السلام) مستدلاً بقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم). فيزعم الجاهل أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس بأب أحد، مع العلم أن الآية نزلت حول نفي نسب زيد الذي تبنَّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم زوَّجه زينب بنت جحش ثمّ طلّقها زيد وتزوجها النبي (فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً)(6) ففي هذا بيان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس بأب لزيد حتى تحرم عليه زوجته، فإن تحريم زوجة الابن معلق بثبوت النسب، فمن لا نسب له لا حرمة لامرأته، ولهذا أشار إليهم فقال: (من رجالكم) وقد ولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أولاد ذكور إبراهيم والقاسم والطيب والمطهر، فكان (صلى الله عليه وآله) أباهم، وقد صح وثبت أنه (صلى الله عليه وآله) قال للحسن (عليه السلام): إن ابني هذا سيد. وقال أيضاً: إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلاَّ أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم.

    وقيل: أراد بقوله: (من رجالكم) البالغين من رجال ذلك الوقت ولم يكن أحد من أبنائه رجلاً في ذلك الوقت.

    وختاماً لهذا الفصل: كل ما تقوله في أبوَّة رسول الله لأولاده الذكور فهو الثابت في أبوَّة رسول الله لولديه الحسن والحسين، والكلام هناك نفس الكلام هنا
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

  11. #11
    المشرف العام الصورة الرمزية شبكة الناصرة
    تاريخ التسجيل
    Nov 2003
    الدولة
    .:. العوامية .:.
    المشاركات
    24,656
    مقالات المدونة
    16
    شكراً
    392
    تم شكره 234 مرة في 129 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    28708
    عطاش الله العافيه يااارب ..

    اخط لنا اناملك الرائعه الموضوع الرائع ...

    مشكوره والله وماتقصرين ...

    جزاكِ الله الف خير يااااارب ....

    وجعله الله في ميزان اعمالش يااارب ...

    شبكة الناصرة ..
    شبكة الناصرة الثقافية معاً نحوَ الأفضل



    احتاج لك صدر ٍ حنون ،، أحس بك وين ما أكون ،، تضمني بعطف ودفا ،، وأشتاق لك وصل وجفا ،، ولاغابت الشمس ،، وملىء الكون السكون ،،أبي أنام في هالعيون


    جزيره آمنه قلبي .. وكفيني سفن وشراع .. تصدق لو تبكيني .. تحولني لوطن أوجاع


  12. #12
    عضو محترف الصورة الرمزية النور الزينبي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    555
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    272
    1 - سورة مريم: الآية 5-7.

    2 - بحار الأنوار: ج10.

    3 - سيأتيك شرح هذه الكلمة قريباً.

    4 - اقتطفنا هذه الأحاديث من الجزء العاشر من بحار الأنوار للمجلسي.

    5 - سورة الأعراف: آية 172.

    6 - سورة الأحزاب: آية 37.

    7 - الدكان: شيء كالمصطبة يقعد عليه.

    8 - العاشر من بحار الأنوار.

    9 - مجمع البيان في تفسير الآية.

    10 - سورة مريم: الآيات 16 - 21.

    11 - سورة هود: الآيات 71 - 73.

    12 - سورة مريم: آية 11.

    13 - سورة فصلت: آية 12.

    14 - سورة المائدة: آية 111.

    15 - سورة الأنفال: آية 12.

    16 - سورة النحل: آية 68.

    17 - سورة القصص: آية 7.

    18 - سورة طه: آية 38.

    19 - (مجمع البيان) سورة مريم.

    20 - الخامس من بحار الأنوار.
    [img]http://mshh321.***********/nassrah/norzyn2.jpg[/img]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. فاطمة الزهراء {س}
    بواسطة أم غدير في المنتدى منتدى الشعر والنثر
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-16-2009, 09:07 AM
  2. سيدتنا فاطمة الزهراء
    بواسطة وردة حلاوية في المنتدى منتدى الشعر والنثر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-29-2008, 01:46 AM
  3. الإمام علي عليه السلام من المهد إلى اللحد
    بواسطة mrboch في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-26-2007, 05:10 PM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-22-2005, 04:49 PM
  5. الإمام الحسين(ع)من المهد إلى اللحد
    بواسطة بنوتة توتة في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-16-2005, 03:45 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •