[frame="8 80"]خسارة وطنية
ابو موسى
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبمشاعر من الحزن والاسى، تلقينا نبأ وفاة الأخ ياسر عرفات، مؤسس حركة فتح، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي وافته المنية على اثر مرض عضال ألمّ به، سببته سنوات الحصار الجائر الذي فرضه الاحتلال الصهيوني على مقر اقامته، وما رافق ذلك من إجراءات معادية.
لقد عاش الأخ ياسر عرفات حياة حافلة بالنضال حيث ترك بصمات واضحة في المراحل التي شهدت نهوضا وطنيا فلسطينيا، وما تحقق في تلك المراحل من إنجازات وطنية.
واليوم اذ نعرب عن حزننا لغياب الأخ ياسر عرفات الذي وإن اختلفنا معه ونازعناه لسنوات طويلة، وناهضنا بعض نهجه وسياساته انطلاقا من إيمان ابناء الحركة بمبادئ حركتهم ومنطلقاتها واهدافها وتمسكهم بالميثاق الوطني الفلسطيني، ووعيهم بطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني الغاصب، فإننا نقدر له مواقفه الصلبة المتمثلة في صموده في وجه الضغوط والحصار الجائر الذي فرضته قوات الاحتلال على مقر اقامته، وإفشاله المحاولات الاميركية الصهيونية الهادفة لتنصيب قيادة للشعب الفلسطيني تأتمر بأمرهم وتنفذ مشيئتهم.
وإننا نرى في غيابه اليوم وفي هذه الظروف، خسارة وطنية لعلى ثقة بأن الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وفي ساحات الشتات، سيتحلى بأعلى درجات رباطة الجأش والصمود. وإن ابناء فتح سيواصلون دورهم الريادي الذي جسدوه منذ انطلاقة الثورة المعاصرة، على هدى مبادئ الحركة وأهدافها ومنطلقاتها ويواصلون درب النضال والفداء بأعلى مستويات التماسك واللحمة، لإفشال مخططات العدو ومن يسير في فلكه، الرامية الى خلخلة صفوف الحركة وشل قدرتها ودورها الوطني.
وعلى القوى الوطنية الفلسطينية بمختلف اتجاهاتها ومواقفها ان تقف على ارضية رص الصفوف وتعزيز اللحمة وصولا للوحدة الوطنية، على ارضية سمة المرحلة الراهنة كمرحلة تحرر وطني انطلاقا من سقوط اوهام التسوية مع العدو، وتحديد الاهداف الراهنة وفي مقدمتها دحر الاحتلال جيشا ومستوطنين، عن الضفة والقطاع، وعلى رأسها القدس، دون قيد او شرط، وتجسيد حق العودة، مع العمل الجاد لبناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
لقد قدم الشعب الفلسطيني على مدار عقود طويلة الكثير من الرموز والقيادات، وواصلت جماهير شعبنا كفاحها المجيد بعزيمة اشد وارادة صلبة، وفية لشهدائها الابرار امينة على الوطن متمسكة بحقوقها وأهدافها معتزة بتضحياتها.
واليوم في هذه اللحظات الصعبة والخطيرة سيثبت الشعب الفلسطيني وكل قواه المناضلة جدارتهم بالحياة والتحرر.
() امين سر اللجنة المركزية فتح الإنتفاضة

مسيرة الآمال والآلام
ماهر الطاهر
على مدى اربعة عقود متواصلة قاد الرئيس ياسر عرفات مسيرة النضال الوطني الفلسطيني المعاصر.
اربعون عاما من النضال الشاق والمتواصل وشلالات الدماء من اجل الحرية والكرامة والاستقلال.
اربعون عاما من المعارك والمواجهات، والانجازات والاخفاقات، الآمال والآلام، الافراح والاحزان.
اربعون عاما على رأس مسيرة شعب مقاوم عنيد يكتب تاريخه بدم ولحم ابنائه الصامدين الصابرين قائلا للعالم أجمع: لن نقبل بغير فلسطين بديلا مهما كانت الصعاب والتضحيات والمحن.
وفي ظل أخطار محدقة تحيط بالقضية الفلسطينية من كل جانب يودع شعب فلسطين قائده، وهو يخوض اعظم ملحمة للصمود والمقاومة، ملحمة الانتفاضة البطلة التي سجلت صفحة مجد في تاريخ العرب وتاريخ احرار العالم كله.
يودع الشعب الفلسطيني قائده المحاصر بكل الحسرة والألم، يتذكر شهداءه ورموزه الابرار: عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني، وأبو علي مصطفى وابو علي إياد وخليل الوزير وغسان كنفاني ووديع حداد وفتحي الشقاقي والشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وغيفارا غزة، وعشرات الآلاف من الشهداء الذين قدموا أغلى ما يملكون من اجل فلسطين.
القائد الرمز ياسر عرفات سيذكره التاريخ بانجازاته وإخفاقاته، بإيجابياته وسلبياته، لكنه سيسجل له وقفته في كامب ديفيد وقوله <<لا>> للضغوط الاميركية والاسرائيلية الهائلة التي مورست عليه.
سيسجل له التاريخ دوره البارز في انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 ودوره في معركة الكرامة عام 1968. سيسجل له التاريخ دوره في ابراز القضية الفلسطينية على المستوى العالمي ودخول منظمة التحرير الفلسطينية الى المحافل الدولية.
اختلفت العديد من الفصائل الفلسطينية مع ياسر عرفات في الكثير من القضايا الاساسية واتفقت معه في الكثير من القضايا الاخرى، لكن الشعب الفلسطيني بشكل عام التف حوله كرمز للاستقلال والحرية.
يعيش الشعب الفلسطيني بعد رحيل قائده ورئيسه حالة من القلق والترقب حول المستقبل ويطرح العديد من التساؤلات حول من سيملأ الفراغ الذي تركه ياسر عرفات.
ولا شك في ان هذا القلق مشروع خاصة في ظل مخططات شارون حول الانسحاب الاحادي الجانب من غزة وإعادة انتخاب جورج بوش الذي يقف بشكل كامل الى جانب اسرائيل حيث من المنتظر تكثيف الضغوط الاميركية وتصعيد سياسة العدوان والارهاب الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني لفرض حل ينسجمم مع الرؤية الصهيونية. ولذلك فإن القضية الفلسطينية ستواجه أخطارا محدقة وجسيمة في المرحلة القريبة القادمة، خاصة في ظل حالة الارباك القائمة في الوضع الداخلي الفلسطيني وضعف المؤسسات الفلسطينية وتغييب دور منظمة التحرير الفلسطينية، الاطار الجامع والموحد للشعب الفلسطيني داخل الاراضي الفلسطينية وخارجها، الامر الذي يتطلب وقفة تاريخية جادة وعميقة من جميع القيادات والفصائل والقوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية.
ان الشعب الفلسطيني الذي يكافح منذ قرن بكل صلابة وكبرياء ويقدم شلالات الدماء والدموع والآلام متمسكا بحقوقه الوطنية، هذا الشعب العظيم الذي جسد حالة صمود اسطوري لا مثيل لها والذي يستشهد ابناؤه كل يوم وتهدم بيوته فوق رؤوس اصحابها ولا نسمع صوتا واحدا من ابنائه يطالب بالاستسلام؛ هذا الشعب قادر على ملء الفراغ وقادر على انجاب رموز وقيادات ومؤسسات تواصل مسيرة كفاحه المظفرة نحو الحرية والاستقلال.
ان ما يحتاج اليه شعبنا اليوم هو تكريس وخلق المؤسسات التي تقود كفاحه والتي تضم ضمن اطارها كل الطاقات والامكانيات السياسية والعسكرية والعلمية الكبيرة التي يملكها هذا الشعب داخل فلسطين وخارجها.
ان المطلوب اليوم لمواجهة المرحلة القادمة واستحقاقاتها الخطيرة هو العمل الجاد لاعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها الكفاحي وإعادة بناء مؤسساتها على أسس ديموقراطية وتشكيل قيادة وطنية موحدة وجماعية تضم كافة الاتجاهات والقوى الوطنية والاسلامية في الساحة الفلسطينية، كما تضم كفاءات وشخصيات وطنية واجتماعية مستقلة، وهذه القيادة ينبغي ان يكون من اولى مهامها الاعداد والتحضير لتشكيل وعقد مجلس وطني فلسطيني يقف وقفة تقييم جذرية وشاملة لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني لرسم وبلورة رؤية واستراتيجية عمل وبرنامج سياسي مشترك يقوم على قاعدة استمرار الانتفاضة والمقاومة وكل اشكال الكفاح السياسي والاعلامي والجماهيري لمواصلة النضال من اجل دحر الاحتلال وانتزاع كامل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
ان رحيل الرئيس عرفات شكل خسارة كبيرة لشعب فلسطين. لكن هذا الشعب سيواصل مسيرة كفاحه بعزيمة اشد وإرادة اقوى متجاوزا كل المصاعب والمحن.
عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول قيادتها في الخارج

[/frame]