ويكفي في هذه الرواية الشنيعة أن زوجات النبي كلّهن رفضن العمل بها وأنكرنها. وحتّى أنّ راويها بقي عامّاً كاملاً يتهيّب أن يذكرها لفظاعتها وقلّة حيائها.

وإذا ما رجعنا إلى صحيح البخاري في باب يقصر من الصّلاة إذا خرج من موضعه، قال: عن الزهريّ عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: الصلاة أوّل ما فُرضت ركعتان فأقرّت صلاة السّفر وأتمّت صلاة الحضر، قال الزهري: فقلت لعروة فما بال عائشة تتّم؟ قال: تأوّلت ما تأوّل عثمان ـ وأخرجها مسلم في صحيحه في باب صلاة المسافرين وقصرها وبعبارة أوضح ممّا في البخاري. قال عن الزهري عن عروة عن عائشة أنّ الصلاة أوّل ما فرضت ركعتين فأقرّت صلاة السفر وأتمّت صلاة الحضر، قال الزهري فقلت لعروة: ما بال عائشة تتمّ في السفر؟ قال: إنّها تأولت كما تأوّل عثمان.

إنّه التناقض الصريح، فهي التي تروي بأن صلاة المسافر فرضت ركعتين ولكنّها تخالف ما افترضه الله وعمل به رسوله (صلى الله عليه وآله) وتتأوّل لتغيّر أحكام الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) إحياء لسنّة عثمان ولهذه الأسباب نجد كثيراً من الأحكام في صحاح أهل السنّة والجماعة ولكن لا يعملون بها لأنهم في أغلب الأحيان يأخذون بتأوّل أبي بكر وتأوّل عمر وتأوّل عثمان وتأوّل عائشة وتأوّل معاوية بن أبي سفيان وغيرهم من الصحابة.

فإذا كانت الحميراء التي يؤخذ عنها نصف الدّين تتأوّل في أحكام الله كيف تشاء، فلا أعتقد بأن زوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرضى منها هذا ويأمر النّاس بالإقتداء بها، على أنّه ورد في صحيح البخاري وصحاح أهل السنّة إشارة إلى أن في اتّباعها معصية لله، وسنُوافيك بذلك في أوانه إن شاء الله.

وأمّا القائلون بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يُحبّها لأن جبرئيل أتاه بصورتها قبل الزواج وأنّه لا يدخل عليه إلاّ في بيتها فهذه روايات تضحك المجانين ولست أدري أكانت الصورة التي جاء بها جبرئيل فوتوغرافية أم لوحة زيتية، على أنّ صحاح أهل السنّة يروون بأن أبا بكر بعث بعائشة إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) ومعها طبق من التمر لينظر إلهيا وهو الذي طلب من النّبي (صلى الله عليه وآله) أن يتزوج ابنته، فهل هناك داع لنزول جبرئيل بصورتها وهي تسكن على بعد بضع أمتار من مسكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعتقد أن مارية القبطية التي كانت تسكن مصر وهي بعيدة عن رسول الله صلّى الله عليه وما كان أحد يتصور مجيئها، هي أولى بأن ينزل جبرئيل بصورتها ويبشّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنّ الله سيرزقه منها إبراهيم.

ولكن هذه الروايات هي من وضع عائشة التي كانت لا تجد شيئاً تفتخر به على ضرّاتها إلاّ الأساطير التي يخلقها خيالها، أو أنها من وضع بني أمية على لسانها ليرفعوا من شأنها عند بسطاء العقول.

وأمّا أن جبرئيل كان لا يدخل على محمد (صلى الله عليه وآله) وهو مضطجع إلاّ في بيت عائشة فهي أقبح من الأولى والمعلوم من القرآن الكريم أنّ الله هدّدها عندما تظاهرت على رسوله، هدّدها بجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيراً.

فما أقوال شيوخنا وعلمائنا إلاّ ضربٌ من الظنّ والخيال وإنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً ـ قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتّبعون إلاّ الظن وإن أنتم إلاّ تخرصون.


عائشة فيما بعد النبي (صلى الله عليه وآله)

أمّا إذا درسنا حياة أمّ المؤمنين عائشة إبنة أبي بكر بعد لحوق زوجها بالرفيق الأعلى روحي له الفداء. وبعد ما خلاّ لها الجوّ وأصبح أبوها هو الخليفة والرئيس على الأمّة الإسلامية وأصبحت هي حينذاك المرأة الأولى في الدولة الإسلامية لأنّ زوجها رسول الله وأبوها هو خليفة رسول الله.

ولأنّها كما تعتقد هي أو توهم نفسها بأنها أفضل أزواج النّبي (صلى الله عليه وآله)، لا لشيء إلاّ لأنّه تزوجها بكراً وما تزوج بكراً غيرها، وقد توفي عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي في عزّ شبابها وزهرة عمرها فكان عمرها يوم وفاة زوجها ثمانية عشر عاماً على أكثر التقادير وأشهر الروايات، ولم تعاشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) سوى ستّ أو ثمان سنوات على اختلاف الرّواة قضت السنوات الأولى منها تعلب ألعاب الأطفال وهي زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهي كما وصفتها بريرة جارية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما قالت في عائشة «إنها جارية حديثة السنّ تنام عن العجين فتأتي الدّاجن فتأكله» (28).

نعم ثمانية عشر عاماً لفتاة بلغت سن المراهقة كما يقال اليوم وقضت نصف عمرها مع صاحب الرسالة وبين ضرّاتٍ يبلغ عددهن عشر أو تسع زوجات وهناك امرأة أخرى أغفلنا ذكرها في حياة عائشة وكانت أشدّ عليها من كل ضرّة لأن حب الرسول (صلى الله عليه وآله) لها فاق التصور وهذه المرأة هي فاطمة الزهراء ربيبة عائشة إبنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خديجة وما أدراك ما خديجة الصدّيقة الكبرى التي سلّم عليها جبرئيل وبشرها ببيت لها في الجنّة لا صخب فيه ولا نصب (29).

والتي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يدع مناسبة تفوته إلاّ ويذكر خديجة فيتفطر كبد عائشة ويحترق قلبها غيرة فتثور ثائرتها وتخرج عن أطوارها فتشتم بما يحلو لها ولا تبال بعواطف زوجها ومشاعره. ولنستمع إليها تحدث عن نفسها بخصوص خديجة كما روى البخاري وأحمد والترمذي وابن ماجة قالت: ما غرت على امرأة لرسول الله كما غرت على خديجة (30) لكثرة ذكر رسول الله إياها وثنائه عليها، فقلت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشّدقين هلكت في الدّهر قد أبدلك الله خيراً منها، قالت: فتغيّر وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) تغيّراً ما كنتُ أراه إلاّ عند نزول الوحي، وقال: لا ما أبدلني الله خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بما لها إذ حرمني النّاس، ورزقني الله عز وجلّ ولدها إذ حرمني أولاد النساء.