يتبع
ومرة أخرى قالت فقدت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فظننت أنّه أتى بعض جواريه، فطلبته فإذا هو ساجد يقول: رب اغفر لي (19) وأخرى قالت: إن رسول الله خرج من عندي ليلاً، قالت: فغرت عليه، قالت فجاء فرأى ما أصنع فقال: مالك يا عائشة، أغرتِ؟ فقلت: ومالي أن لا يغار مثلي على مثلك! فقال رسول الله: أفأخذك شيطانك… (20).
وهذه الرواية الأخيرة تدلّ دلالة واضحة على أنها عندما تغار تخرج عن أطوارها وتفعل أشياء غريبة كأن تكسّر الأواني أو تمزّق الملابس مثلاً. ولذلك تقول في هذه الرواية فلمّا جاء ورأى ما أصنع قال: أفأخذكِ شيطانكِ؟
ولا شك أنّ شيطان عائشة كان كثيراً ما يأخذها أو يلبسها وقد وجد لقلبها سبيلاً من طريق الغيرة وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «الغيرة للرّجل إيمان وللمرأة كفرٌ». باعتبار أن الرّجل يغار على زوجته لأنّه لا يجوز شرعاً أن يشاركه فيها أحد ـ أما المرأة فليس من حقّها أن تغارٍ على زوجها لأنّ الله سبحانه أباح له الزواج بأكثر من واحدة، فالمرأة الصالحة المؤمنة التي أذعنت لأحكام الله سبحانه تتقبّل ضرّتها بنفس رياضية كما يقال اليوم وخصوصاً إذا كان زوجها عادلاً مستقيماً يخاف الله، فما بالك بسيّد الإنسانية ورمز الكمال والعدل والخلق العظيم؟ على أنّنا نجد تناقضاً واضحاً في خصوص حبّ النبي (صلى الله عليه وآله) لعائشة وما يقوله أهل السنّة والجماعة من أنّها كانت أحبّ نسائه إليه وأعزّهم لديه حتّى أنّهم يروون أنّ بع نسائه وهبْنَ نوبتهنّ لعائشة لمّا علمن بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) يحبّها ولا يصبر عليها، فهل يمكن والحال هذه أن نجد مبرّراً وتفسيراً لغيرة عائشة المفرطة؟ والمفروض أن العكس هو الصحيح. أي أن تغار بقية أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) من عائشة لشدّة حبه إياها وميله معها كما يروون ويزعمون، وإذا كانت هي المدلّلة عند الرسول (صلى الله عليه وآله) فما هو مبرّر الغيرة؟
والتاريخ لم يحدّث إلا بأحاديثها وكتب السيرة طافحة إلاّ بتمجيدها وأنها حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدلّلة التي كان لا يطيق فراقها.
واعتقد بأنّ كل ذلك من الأموّيين الذين أحبّوا عائشة وفضّلوها لمّا خدمت مصالحهم وروت لهم ما أحبّوا وحاربت عدّوُّهم علي بن أبي طالب.
وكما أعتقد بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن يحبّها لما فعلته معه كما قدّمنا! وكيف يحبّ رسول الله من تكذب وتغتاب وتمشي بالنميمة وتشكّ في الله ورسوله وتظنّ منهما الحيف ـ كيف يحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تتجسّس عليه وتخرج من بيتها بدون إذنه لتعلم أين يذهب ـ كيف يحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تشتم زوجاته بحضرته ولو كنّ أمواتاً ـ كيف يحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تبغض إبنه إبراهيم وترمي أمّه مارية بالإفك (21) ـ كيف يحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تتدخّل بينه وبين زوجاته بالكذب مرّة وبإثارة الأحقاد أخرى وتتسبب في طلاقهنّ ـ كيف يحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تبغض إبنته الزهراء وتبغض أخاه وابن عمّه علي بن أبي طالب إلى درجة أنها لا تذكر اسمه ولا تطيب له نفساً بخير (22). كلّ هذا وأكثر في حياته (صلى الله عليه وآله) أمّا بعد وفاته فحدّث ولا حرج.
وكل هذه الأفعال يمقُتها الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولا يحبّان فاعلها، لأنّ الله هو الحق ورسوله (صلى الله عليه وآله) يمثل الحق، فلا يمكن له أن يُحب من كان على غير الحق.
وسوف نعرف خلال الأبحاث القادمة بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن يحبّها، بل إنّه حذّر الأمة من فتنتها (23).
سألت بعض شيوخنا مرّة عن سبب حبّ النبي المفرط لعائشة بالذّات دون سواها؟ فأجابوني بأجوبة عديدة كلّها مزيّفة.
قال أحدهم: لأنها جميلة وصغيرة وهي البكر الوحيدة التي دخل بها ولم يشاركه فيها أحد سواه. وقال آخر: لأنها ابنة أبي بكر الصدّيق صاحبه في الغار.
وقال ثالث: لأنها حفظت عن رسول الله نصف الدّين فهي العالمة الفقيهة. وقال رابع: لأنّ جبرئيل جاءه بصورتها وكان لا يدخل على النبي إلاّ في بيتها.
وأنت كما ترى أيها القارئ بأن كلّ هذه الدّعايات لا تقوم على دليل ولا يقبلها العقل والواقع، وسوف نأتي على نقضها بالأدلة، فإذا كان الرسول يحبّها لأنها جميلة وهي البكر والوحيدة التي دخل بها، فما الذي يمنعه من الزواج بالأبكار الجميلات اللآتي كن بارعات في الحسن والجمال وكنّ مضرب الأمثال في القبائل العربية وكنّ رهن إشارته، على أنّ المؤرخين يذكرون غيرة عائشة من زينب بنت جحش ومن صفية بنت حيي ومن مارية القبطية لأنهن كنّ أجمل منها.
روى ابن سعد في طبقاته: 8/148 وابن كثير في تاريخه: 5/299 أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) تزوّج مليكة بنت كعب، وكانت تعرف بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة، فقالت لها: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك، فاستعاذت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطلّقها فجاء قومها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله إنّها صغيرة وإنها لا رأي لها، وإنها خُدعت فارتجِعْها، فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أبوها قد قُتل في يوم فتح مكة، قتله خالد بن الوليد بالخندمة.
وهذه الرواية تدلّنا بوضوح بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان همّه من الزواج الصغر والجمال وإلاّ لما طلّق مليكة بنت كعب وهي صغيرة وبارعة في الجمال، كما تدلّنا هذه الرواية وأمثالها على الأساليب التي إتّبعتها عائشة في خداع المؤمنات البريئات وحرمانهن من الزواج برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد سبق لها أن طلّقت أسماء بنت النّعمان لمّا غارت من جمالها وقالت لها: إن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له: أعوذ بالله منك. وهذه مليكة، تُثير فيها حساسية مقتل أبيها وأنّ قاتله هو رسول الله وتقول لها: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك. فما كان جواب هذه المسكينة إلاّ أنها استعاذت من رسول الله! وما عساها أن تقول غير ذلك والناس لا يزالون حديثي عهد بالجاهلية الذين يأخذون بالثأر ويعيّرون من لا يثأر لأبيه؟
المفضلات