يتبع......................يتبع
قد أساءت عائشة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيراً وجرّعته الغصص ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) رؤوف رحيم، وأخلاقه عالية وصبره عميق، فكان كثيراً ما يقول لها: «ألبسك شيطانك يا عائشة» وكثيرا ما كان يأسى لتهديد الله لها ولحفصة بنت عمر، وكم من مرّة ينزل القرآن بسببها فقد قال تعالى لها ولحفصة: «وإن تنوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما» ، أي أنها زاغت وانحرفت عن الحق (10) وقوله: «إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيراً» هو تهديد صريح من رب العزة لها ولحفصة التي كانت كثيراً ما تنصاع لها وتعمل بأوامرها. وقال الله لهما: «عسى ربّه إن طلّقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ مسلمات مؤمنات» وهذه الآيات نزلت في عائشة وحفصة بشهادة عمر بن الخطاب كما جاء في البخاري (11). فدلّت هذه الآية لوحدها على وجود نساء مؤمنات في المسلمين خير من عائشة.
ومرّة بعثها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا أراد أن يخطب لنفسه شراف أخت دحية الكلبي، وطلب من عائشة أن تذهب وتنظر إليها ولما رجعت كانت الغيرة قد أكلت قلبها فسألها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما رأيت يا عائشة؟ فقالت: ما رأيت طائلاً! فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد رأيت طائلاً، لقد رأيت خالاً تجدها اقشعرت منه ذوائبك. فقالت: يا رسول الله ما دونك سرّ، ومن يستطيع أن يكتمك (12).
وكل ما فعلته عائشة مع حضرة النبي (صلى الله عليه وآله) من مؤامرات كانت في أغلب الأحيان تجرّ معها حفصة بنت عمر والغريب أننا نجد تفاهماً وانسجاماً تامّاً بين المرأتين عائشة وحفصة كالانسجام والتفاهم بين أبويهما أبو بكر وعمر غير أنّه في النّساء كانت عائشة دائماً هي الجريئة والقوية وصاحبة المبادرة وهي التي كانت تجرّ حفصة بنت عمر وراءها في كل شيء. بينما كان أبوها أبو بكر ضعيفاً أمام عمر الذي كان هو الجريء والقوي وصاحب المبادرة في كل شيء ولقد رأينا هذا الأمر في خلافته حيث كان ابن الخطاب هو الحاكم الفعلي ـ وقد حدث بعض المؤرخين أنّ عائشة لما همّت بالخروج إلى البصرة لمحاربة الإمام علي (عليه السلام) فيما سُمّي بحرب الجمل أرسلت إلى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) أمهات المؤمنين تسألهن الخروج معها فلم يستجب لها منهن إلاّ حفصة بنت عمر التي تجهّزت وهمّت بالخروج معها لكن أخاها عبد الله بن عمر هو الذي منعها وعزم عليها فحطّت رحلها (13) ومن أجل ذلك كان الله سبحانه يتهدد عائشة وحفصة معاً في قوله: «وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا» وكذلك قوله: «إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما» ولقد ضرب الله لهما مثلاً خطيراً في سورة التحريم ليعلمهما وبقية المسلمين الذين يعتقدون بأنّ أم المؤمنين تدخل الجنّة بلا حساب ولا عقاب لأنها زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله) كلاّ، فقد أعلم الله عباده ذكوراً وإناثاً بأن مجرد الزوجية لا تضر ولا تنفع حتّى ولو كان الزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنما الذي ينفع ويضرُّ عند الله هو فقط أعمال الإنسان. قال تعالى: «ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل أدخلا النار مع الدّاخلين» [سورة التحريم: الآية 10].
وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذا قالت: «رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجنّي من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين. ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين» [سورة التحريم: الآيتان 11 ـ 12].
المفضلات