القسم الثالث :

العقل ودوره في العملية التغيرية :

العقل هو منبع العلم و مصدره ، وهو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة ، وكلما بلغ الإنسان من النضج العقلي أصبح أكثر قدرة على المعرفة الإلهية والتوحيد اليقيني .

والعقل هو مجد الإنسان وهو الدليل على معرفة الحق واتباعه ، وهو دعامة الإنسان المؤمن و الحجة الباطنة على الخلق أجمعين كما قال تعالى : ((لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)) (الملك 10 ) .

والعقل مخلوق عظيم لا يعرف عظمته إلا أهل الحكمة ، فقد جاء عن المعصومين(ع) روايات كثيرة تتحدث عن أهمية العقل في حياة الإنسان ( فالعقل غطاء ستير ، والفضل جمال ظاهر فأستر خلل خلقك بفضلك ، و قاتل هواك بعقلك تسلم لك المودة وتظهر لك المحبة) ، (لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك ولا اكملتك إلا فيمن أحب أما أني إياك آمر وإياك أنهي وإياك أعاقب وإياك أثيب) ، (ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل) .

العقل هو القوة التي أودعها الله سبحانه في الإنسان لكي يميزه عن سائر البهائم ، و هو نور يقذفه في القلوب، حتى يستطيع به الإنسان أدراك الأشياء وتحليلها ، والعقل على نوعين : عـقل مطبوع ، و عـقل مسموع ، فالعقل المطبوع هو المراد بقول الرسول (ص) : (ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل) ، بينما العقل المسموع هو المراد بقول الرسول (ص) : (إذا تقرب الناس بأبواب البر فتقرب أنت بعقلك) ، وعنه (ص) : ( اجتنب محارم الله وأدِ فرائض الله تكن عاقلاً ، واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعةً وكرامةً ، و تـنل بها من ربك القرب والعـز ) .

وحينما يكون الإنسان عاقلاً يكشف الله له البصر والبصيرة فيرى الأشياء بنور الله تعالى ، و العاقل هو الذي يربي نفسه ويهذبها دائماً حتى يكون القدوة الحسنة والصالحة للآخرين (وإن أشد الناس عقلاً أكثرهم إيماناً ) .

وللعقل درجات ترتبط بالإيمان ، فكلما كان الإيمان أكبر كان العقل أكبر كالمتسابقين مبدأهم واحد ومقصدهم واحد ، ولكن وصولهم إلى مقصدهم يختلف ويتفاوت طبقاً لنشاطهم و قوة أجسادهم.. كذلك الإنسان الساعي للتغيير فبعضهم من يستخدم كل قواه العقلية ليصل إلى مقصده ، فتظهر علامات التغيير واضحة في سلوكه وأخلاقه على الصعيد الفردي والاجتماعي ، و بعض أخر يتخلف لأنه لم يستخدم عقله فيضلّ طريقه ، و تكون عاقبته الخسارة في الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين قال تعالى: (( أ رأيت من اتخذ إلهه هواه)) .

القسم الرابع :

التغيير وأهميته في حياة الإنسان :

لكل إنسان هدف في حياته يسعى لتحقيقه سواءً كان الهدف دنـيوياً أو أخروياً.. فهو يسعى له ليـصل من خلاله إلى تحقيق أحلامه وآماله حتى وإن كانت الصعـاب أمامـه .

والإنسان المؤمن في إرادته وعزيمته وتوكله على الله سبحانه يستطيع أن يصل إلى مقصده حتى وإن كان الطريق ذات أشواك وبعيد المسافة لأن مقصده النهائي هو الله ، و الله سبحانه يجازي العبد على قدر سعيه ، وعلى قدر المشقة التي تحملها في الطريق ، لذا فإن وجود عنصر التحدي في النفس الإنسانية لمواجهة الصعاب هو السبيل الحقيقي الذي يٌمَكْن الإنسان من بلوغ هدفه المادي والمعنوي كما قال إمام المتقين (ع) : (همم الرجال تـزيل الجبال) .

نعم.أيها الأحبة.. إن الإرادة القوية الواعية والعقل المخطط هما العنصران القادران على إيصال المرء إلى النجاح و بلوغ الأهداف الدنيوية والأخروية ، و قد لا يوفق الإنسان للوصول إلى هدفه المادي الدنيوي ، و لكنه يوفق النجاح المعنوي ، فهو بحد ذاته يعد انتصاراً حقيقياً للإنسان الساعي إلى التغير والتطوير الذاتي ، ولا يصل إلى إدراك الأثر المعنوي للنجاح إلا الإنسان الواعي العارف في الله لأنه أقرب الناس إلى التغيير من غيره ، فالمعرفة والعلم عاملان مهمان في عملية التغير وهما يساعدان الإنسان على تشخيص كل الجوانب السلبية والإيجابية في الحياة ، ويدفعانه نحو التغيير والتطوير .

القسم الخامس :

مراحل التغيــيــر:

المرحلية في البناء الذاتي من العوامل الإيجابية التي تطور ذهنية الإنسان المتغير و المغيَّر لأنها مدرسة تكسب العاملين الخبرة وتجاوز السلبيات ، والوقوف على الجوانب الإيجابية وتنميتها . وللتغيير أربع مراحل هي :

المرحلة الأولى: الفهم الواعي للحياة :

إن الفهم الواعي للحياة والسعي المتواصل لاستئصال الجوانب السلبية في فكر وسلوك الإنسان من خلال وضع الأولويات في عملية التغيير ، و سرعة إنجازها بكفاءةٍ ونجاح تؤدي للوصول إلى الأهداف السامية .

وهناك عوامل كثيرة تؤثر على فهم الإنسان ووعيه ، فقليل من الناس يعلمون ما يفعلونه ، و أقل منهم يفعلون ما لا يعلمون ، ومن العوامل المؤثرة على حياة الإنسان هي :

1- العامل الذاتي

2- العامل الثقافي

3- العامل الاجتماعي

4- العامل المادي

5- العامل الزمني

المرحلة الثانية: الإيمان الحقيقي في عملية التغيير والتطوير الذاتي:

الإيمان الحقيقي بجدوى عملية التغير والتطوير هي علامة إيجابية تمكّن الإنسان من الوصول للطريق الصحيح من دون أن يضيع في متاهات الأفكار وتزاحم الطرقات ، والإيمان في عملية التغيير يولّد للإنسان طاقة احتياطية و ذخيرة حيوية تمدّه عند الحاجة إليها ، و تدفعه إلى السعي الجدي في عملية التغيير والتطوير متجاوزاّ كل التحديات التي تواجه مسيرته التغيرية .

المرحلة الثالثة: مرحلة الارتقاء بالمستوى النفسي والروحي :

إن عملية التهذيب الذاتي والارتقاء بالنفس نحو التكامل الإنساني ، والاعتماد الحقيقي على الله تعالى تعطي للإنسان زخماً في العطاء ، و قوة مادية ومعنوية ، وإن التخطيط الواعي والاعتماد على الله تعالى يدفع بالإنسان نحو التقدم والارتقاء نحو التكامل الإنساني الحقيقي باتجاه المطلق سبحانه ، فأصحاب الهمم العالية لا يختلفون عــنا في تكوينهم المادي الترابي فهم بشر و نحن بشر ، خُـلقوا من تراب ، و كذلك خُـلقنا من نفس ترابهم ، لكنهم يختلفون عـنا بالروحية الواعية العالية التي مكنّــتهم من استمداد العون من الله تعالى ، و أعطتهم القوة والإرادة والصمود والتحدي لمواجهة الشيطان وجنده ، وهذه الروحية لم تكن وليدة لحظة آنية بل هي نتاج تهذيب مستمر للنفس التي تمكنت من خلاله الوصول إلى علاقة قريبة حقيقية مع الله تعالى ، فالله سبحانه يقول : (( ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا)) ، ((أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))

فحينما يعيش الإنسان المتغير في رحاب هذه العلاقة المباركة يكون قوياً في الله ولا يخشى أهل الشيطان لأن كيد الشيطان ضعيف ، وهو أهون من بيت العنكبوت ، بينما يكون الإنسان المؤمن المرتبط بالله أشد من الجبل الراسخ لا تحركه العواصف ، و حسبنا فيهم قوله تعالى (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخـشوهم فـزادهم إيماناً وقـالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)) .


((يتبع))