المرحلة الرابعة: التصميم والإرادة في مواصلة العملية التغيرية:
يعتبر التصميم والإرادة على مواصلة العملية التغيرية على الصعيد الشخصي والاجتماعي من العوامل المهمة لديمومة التغيير و استمراريته.. وأول مراحل التصميم هو تكييف الظروف المحيطة بالإنسان المتغير لتكون ظروف إيجابية رغم صعوبتها ، و اتخاذ القرار الحاسم في عملية التغيير لأن أول ميادين الصراع في العملية التغيرية هي النفس كما يقول إمام المتقين(ع) :(ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز ، فجربوا معها الكفاح أولاً ) .
إن التردد أو التأخير في اتخاذ القرار الإيجابي في العملية التغييرية ، و إخضاع ذلك للتبريرات الشيطانية هي وسيلة معرقلة لهذه العملية ، فمن يريد الوصول إلى مقصده لتحقيق مرضاة الله عليه أن يعمل ما بوسعه جاهداً لتحقيق إرادة التغيير والوصول إلى أهدافه لا أن يستسلم للظروف المحيطة به لأن الظروف مهما كانت فهي لن تكون مطابقة لما نريد ، و علينا أن نعمل جاهدين لتكييف كل الظروف باتجاه الحركة الإيجابية للعملية التغييرية ، فمثلاً إذا كنت تدخن السيجارة ، و قررت ترك التدخين، فعليك احترام قرارك وعدم التدخين مطلقاً ، أما إذا قلت سوف أحاول أو أسعى لترك التدخين اليوم أو غداً أو بعد غد من دون اتخاذ الموقف العملي لذلك فقد فقدت بذلك مصداقيتك مع نفسك ، ومع من وعدته ، و خضعت إلى شهوتك وبررت تبريراً واهياً بقاءك على التدخين بوسيلة وأخرى .
إن أفضل وسيلة للوصول إلى التصميم الناجح في عملية التغيير هو اتخاذ القرار تلو القرار بوعي وحكمة حتى لا يستسلم إلى شهوات النفس والانهزام أمامها من خلال طرح التبريرات الواهية ، و حينما يصمم الإنسان على فعل شيء أو ترك شيء يجب أن يكون تصميمه مرتكزاً على ثلاث مستلزمات :-
1- الهدف من التصميم .
2- ماذا يعني التصميم لديهِ ؟؟
3- السبيل إلى الاستفادة العملية من التصميم وتحقيقه .
إن أشد ما يواجهه المرء من تحديات في العملية التغيرية هو التردد، لذا فأن البقاء على قوة التصميم والتمسك به هو أحد عوامل النجاح في ممارسة التغير و تطوير الذات للارتقاء بها لتكون بمصاف الصديقين .
وقد يواجه هذا التصميم صعوبات كبيرة على الصعيديين الذاتي والاجتماعي ، و لكن الهمم العالية أكبر من أن تستسلم للمعاول الهدّامة مهما بلغت قوة تدميرها، والإرادة الإيمانية القوية أكبر من كل التحديات خاصة عند ارتباطها بالمقدسات ، و تتفاعل مع النفس إلى حد الرسوخ اليقيني فتمنحه القدرة على الحركة بفاعلية وتعطيه الأمل الكبير للوصول إلى الأهداف الكبيرة ، وكما ذكرنا سابقاً قول إمام المتقين(ع) : ( همم الرجال تزيل الجبال ) .
ولترسيخ هذه الإرادة في النفس هناك ثلاث عوامل لتعزيز الإرادة لمواجهة التحديات وهي :
1- العقائدية :
هي رسوخ الطابع اليقيني والتقديسي للأفكار في النفوس ، و قدرتها على التغيير لتكون تلك الأفكار قوة محركة تتفاعل معها كل ذرة من ذرات الإنسان إلى حد الاندماج المطلق و الذوبان الفعلي الذي لا ينفصل عنها ، و يتحول هذا الرسوخ إلى حب أبدي لأنها أفكار منطلقة من وحي الرسالة السماوية ليعيش الإنسان بقوة محركها الروحي ويرتبط معها ارتباطاً مقدساً ، فيقدم نفسه وأهله وأصحابه كبش فداء من أجل أن يحافظ عليها ، و يحملها كرسالة تغيير للإنسانية جمعاء ، وقد عاش الرسول(ص) و أهل بيته (ع) و أصحابهم هذه الروح السامية وحملوا الرسالة المقدسة معبرين عن الولاء لها بأغلى الأثمان ، و وصلوا إلى حالة العرفان المطلق الذي يعبر عن عمق الاندماج والحب والتقديس لرسالة الله سبحانه ، فقد قال الإمام الحسين(ع) وهو في أشد الأزمات :
إلهي تركت الخلق طُراً في هواكـا
و ايــتمــت الــعيــال لــــكي أراكـا
و لـو قـطعتــني فــي الحـــب أربـا
لـــما مـــال الــــفــــؤاد إلى سواكا
إن هذا الرسوخ والتقديس لرسالة الإسلام والحب المطلق لله سبحانه جعل الإمام الحسين يطلق عواطفه الإنسانية ، و يضحي بكل شيء من أجل الوصول إلى تحقيق الهدف الأسمى في تعبيد النفس وتعبيد الناس لله تعالى ليحقق الهدف ((ورضوان من الله أكبر)) .
2- الأمل:
إن الإنسان المؤمن لا يعرف الانكسار ولا يعرف التردد ، ولا يعرف الخوف أو القلق بل يعرف أن الأمل الكبير بعون الله ونصره ، وتسديده هو الضامن لاستمراره بالعملية التغييرية ، ويعرف أن الطريق مملوء بالأشواك ، و هو صعب مستصعب ، و يحتاج إلى الكثير من الصبر والثبات، والمثابرة والسعي للنجاح في الامتحان ، وانطلاقاً من هذا الدافع يتحمل الإنسان المؤمن كل الصعاب ويكون صابراً وشاكرا لله تعالى وقلبه مطمئن بأن النصر قريب مهما بعُدت المسافة وكثرت التضحيات لأنه يرجو من الله ما لا يرجوه غيره من العباد (( وترجون من الله مالا يرجون )) .
3- الدافع الذاتي
هو القوة المحركة التي لا تتأثر بالمؤثر الخارجي بل هي نتاج العقائدية والأمل ، والدافع الذاتي في التغيير يعطي للإنسان القوة في الاندفاع نحو العطاء والبذل والتضحية.. والدافع الذاتي للتغيير هو ثمار ما يلي :
قوة الإرادة والحزم في اتخاذ قرار التغيير.
تجاوز أصعب الخطوات في عملية التغيير.
3- الاستفادة من دروس من اتخاذ القرار
4- ترويض النفس باتجاه التغيير لأن للنفس إقبال وأدبار
5- الاستئناس بقوة القرار والشكر اللامنقطع لله تعالى على حسن التوفيق باتخاذ القرار
اللهم اغفر ولكل المؤمنين وجعلنا من عبادك الصالحين
ارجوا ان اكون قد لبيت طلبك ابني
كما ذكرت في اول الرد
ان هذا المقال منقول
والحمدلله رب العالمين
محمود سعد
المفضلات