يحتمل مايكل رايس اتصال مصر القديمة بجزيرة تاروت في شرق السعودية، فدراسته لاثار المنطقتين اعطته دلائل على صلات بينهما تعود للالف الثالث قبل الميلاد.
هدف المقال هو التعريف المبسط بكتاب رايس (و الافكار ذات العلاقة) كبحث متصل بتاروت، فقد يفيد الكتاب متتبعي تاريخ تاروت، وان احتاجوا التدقيق في ملاحظات رايس التي يقدمها هو نفسه بتحفظ شديد.
اقتبست و ترجمت بتصرف المواد ذات الصلة بتاروت في كتاب رايس “صُنعُ مِصر، أصول مصر القديمة 5000 - 2000 ق م”، و أضفت توضيحات بين أقواس مربعة و هامشا توضيحيا من مصادر أخرى.
اقتباس
يرى رايس في عاجِيّات هيراكونبوليس اوضح الادلة على انتقال تقنيات فنية عيلامية لمصر، فأحد النُحوت يصور ريش عدة طيور بشكل مطابق لصورة إمدُكُد من تاروت. الريش في النقشين مطابق لدرجة يستحيل فيها الاعتقاد ان التقليد او الصدفة تركا ذلك الاثر على عاجيّات هيراكونبوليس. الأقرب ان النقش المصري صنعه حِرفي شرقي [من غرب آسيا]، أو مصري تدرب عند حرَفيين مُلمّين بالتقنيات العيلامية، أو (على الاقل) مصري اطّلع على تلك التقنيات. ان اوجه التماثل مدهشة بين عاجيات هيراكونبوليس و منحوتات تاروت. [رايس:82]
إن كل المواقع المصرية الكبرى في فترة ماقبل الأسرات تركت مصنوعات من اللازورد. أحدى أهم القطع، و هي من هيراكونبوليس، تمثل امرأة عارية تضم يديها امامها في وضع سائد في مابين النهرين أكثر من مصر. يُقترح افتراض ان القطعة صُنعت في الخليج العربي. قد لا نجد شبيها للتمثال عند فنان مصري، الا ان التشابه عظيم بينه و مجسم من تاروت يُنسب للالف الثالث قبل الميلاد. يجسد تمثال تاروت عجوزا يلتحف عباءة، و تفوق مهارة صنعه مجسم هيراكونبوليس، لكن الشك ضئيل في ترابطهما. يتشابه الاثنان في التعامل مع تجاويف سميكة و عميقة للأعيُن، و يشتركان في الجو الانفعالي. من الصعب انكار أن التمثالين جاءا من تراث واحد او من تراثين متقاربين جدا
[IMG]http://www.doroob.com/wp-*******/images/userimages/upload/2007/07/ivory_egypt.JPG[/IMG]
تمثال هيراكونبوليس. (المصدر: المتحف الاشمولي
باكسفورد، بريطانيا.)
[IMG]http://www.doroob.com/wp-*******/images/userimages/upload/2007/07/ivory_tarut.JPG[/IMG]
تمثال تاروت. (المصدر:
المتحف الوطني السعودي.)
رغم أن احتمال غزو من آسيا الغربية لمصر في ماقبل الأسرات مستبعد عادة، الا ان علينا ملاحظة أن رأس صولجان حكام مصر في نقادة الأول كان اسطوانيا، ثم تغير فجأة لشكل الأجاص لدى حكام هيراكونبوليس في ماقبل الأسرات المتأخر، و استمر شكله كذلك. و وُجد رأس صولجان بشكل أجاص في تاروت، و نُسب لبداية الألف الثالث قبل الميلاد. [رايس:102]
رأس صولجان اسطواني من نقادة الأول. (المصدر: مايكل رايس.)
[IMG]http://www.doroob.com/wp-*******/images/userimages/upload/2007/07/mace_disc.JPG[/IMG]
رأس صولجان بشكل أجاص من ماقبل الأسرات المتأخرة. (المصدر: مايكل رايس.)
[IMG]http://www.doroob.com/wp-*******/images/userimages/upload/2007/07/mace_pear_egypt.JPG[/IMG]
رأس صولجان بشكل أجاص من تاروت. (المصدر: المتحف الوطني بالرياض، السعودية.)
[IMG]http://www.doroob.com/wp-*******/images/userimages/upload/2007/07/mace_pear_tarut.JPG[/IMG]
أقدم اشارة كتابية لديلمون تعود لـ 3000 ق م، في الواح مدينة الوركاء [في مابين النهرين]، و هذه الالواح هي أقدم كتابات في العالم. تسرد الالواح اسماء دول (منها ديلمون) مرتبة حسب بعدها عن الوركاء. و الاقرب ان ديلمون في ذلك الوقت كان شرق الجزيرة العربية [وليس جزيرة البحرين] الذي عادة ما أعتُبر جزءا من ديلمون في فترة لاحقة، اذ لا توجد آثار صريحة لاستيطان في البحرين في زمن تلك الالواح (من الالف الرابع أو بداية الالف الثالث)، بينما وُجدت مواد من بداية الألف الثالث و بكميات كبيرة في شرق الجزيرة العربية.
يبدو أن هناك استيطان مبكر هام في بقيق و تاروت في شرق الجزيرة العربية، و استيطان الجزر هو من ابرز خصائص بداية السكن في الخليج العربي. لم تستكشف تاروت بكثافة حتى الان، لكن التنقيبات الدنماركية (التي بدأت في خمسينات و ستينات القرن الماضي) قدمت أدلة قوية على استيطان مبكر من الطبقات العليا لتاروت، مما يعني تاريخ استيطان قديم. [رايس:237]
خاتمة
ما كُتب عن تاروت (مع أهميته) هو تاريخ الهامش، فتاريخها قبل الميلاد هو (في معظمه) شهادة حجارة الحضارات الأخرى، و تاريخها حتى العباسيين هو شهادة سجلات الخراج و الخوارج. و في الحالين، هو موقف الآخر أو المركز من الهامش، أكان الأخر هو البحرين أو مابين النهرين في ما قبل الميلاد، أو كان المركز هو بغداد و دمشق و القاهرة في ما بعد الهجرة. و تظل شهادة تاروت نفسها غائبة، حتى نستنطقها كما فعلنا مع شركائها الحضاريين.
إن رجحت احتمالات رايس عن أصول القطع الأثرية المصرية أو تقنيتها، فيجب التأكد من أن مصدرها تاروت و ليس حضارة أخرى اتفقت معها في التقنيات. و لترجيح تلك الآراء تبعات كثيرة، فهو يعيد تقديرنا لقدرات تاروت القديمة في الصناعة و التجارة و المِلاحة. و بروز تاروت في هذه المجالات (إن رجحه الدليل) يثير أسئلة أخرى عن التقنيات و الفنون و القوانين (مثلا) التي جعلت ذلك الانجاز ممكنا.
و في كل الحالات، نحتاج جهدا مضاعفا من باحثين ماهرين لنتعدى محطة "ساحل الذهب الاسود"، و نؤسس تأريخا يتجاوز "ديلمون" و "عشتار" و "يمرون بالدهنا..".
اذا يصدق من قال تاروت ارض العز والجبروت
منقول
المفضلات