سفينة الإنقاذ

نتسلق الجبال والتلال ونرى في قممها وسفوحها أصداف البحر ، فنعرف ان الماء غطى هذه المناطق في زمن قديم . . .

في مناطق واسعة من العالم يرى الناس ومتسلقو الجبال الأصداف في المرتفعات . . . في العراق وايران والهند ومصر والشام وفي الصين وأمريكا أيضاً .

ويعثر العلماء في جبال " أرارات " على ألواح خشبية تعود إلى 2500 قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام ، ويعتقد بعضهم انها تعود إلى سفينة الإنقاذ التي صنعها سيدنا نوح عليه السلام .

وفي سنة 1951 م عثر فريق علمي في جبل " قاف " على لوح خشبي عليه كتابات قديمة [1]، وبعد دراسة استمرت حوالي عام . . خرجت اللجنة العلمية بنتائج مذهلة ! هي أن اللوح الخشبي الصغير يعود إلى سفينة نوح عليه السلام .

فما هي قصة تلك السفينة وما هي قصة الطوفان وقصة سيدنا نوح عليه السلام ؟

كان الناس يعيشون امّة واحدة . . حياتهم بسيطة جدّاً . . يزرعون الأرض ويصطادون الحيوانات . . .

وتمرّ الأيام والأعوام . . ويستغل الأقوياء قوّتهم ، ويقهروا إخوانهم الضعفاء . .

الضعفاء كانوا يخافون الأقوياء . . لهذا خضعوا لهم ورضوا بحياة الذلّ والعبودية . .

شاعت الوثنية في زمن سيدنا نوح عليه السلام . . وشاع الفساد . . الناس البسطاء كانوا يخافون الأقوياء ، والأقوياء كانوا يعبدون الاوثان . . .

في ذلك الزمن رُبما قبل أكثر من أربعة آلاف سنة عاش سيدنا نوح في أرض النهرين [2]..

رأى سيدنا نوح قومه غارقين في الفساد والانحراف يأكل القوي منهم حقّ الضعيف . . الاثرياء كانوا يضطهدون الفقراء يجبرونهم على العمل ليل نهار .. فإذا عجز الفقير أو فكر أن يعمل حرّاً لنفسه واسرته . . ضربوه وعذبوه حتى يخضع لهم وينفّذ أوامرهم ويصبح عبداً ذليلاً .

نسي الناس عبادة الله الواحد وراحوا يعبدون اصناماً منحوتة من الصخر . . كانوا يعتقدون أنها هي التي ترزقهم وترسل لهم المطر . . وتحميهم من خطر الصواعق . . وهي التي تهبهم الخير وتدفع عنهم الشرور . .

الاصنام نحتوها بايديهم و وضعوها على شاطىء نهر الفرات . . وراحوا يعبدونها ويركعون لها . .

كان سيدنا نوح يتألم لمنظر الناس وهم يسجدون لتلك الاصنام والاوثان الحجرية . . يتألم للناس وهم لا يسجدون لله سبحانه ، يسجدون ل " ودٍّ " و " وسواعٍ " و " يعوق ونسر " !!

كان نوح ينظر الى السماء يدعو الله أن ينقذ قومه من هذا الجهل والظلام .

الله ربنّا اختار نوحاً نبيّاً وأرسله إلى الناس .

بعثه اليهم ليعلّمهم عبادة الله الواحد الأحد . .


الدعوة إلى توحيد الله

ذات يوم رأى الناس نوحاً يهتف :

يا قومي . . أنا رسول الله اليكم . . الله هو الذي خلقكم وهو الذي يرزقكم . . اطلبوا المغفرة من الله . . يغفر لكم . . الله هو الذي يرسل لكم المطر والخصب ويجعل ارضكم خضراء . . هو الذي يرزقكم ويهبكم الأولاد البنات . . لماذا تعرضون عن عبادة الله الواحد و تعبدون الحجارة ؟!

انظروا إلى السماء الواسعة وما فيها من نجوم . . وانظروا إلى الشمس وإلى القمر . . وانظروا كيف يعيش الناس ويموتون جيلاً بعد آخر . . .

هل يعقل ان تكون هذه الحجارة البكماء التي تسمّونها ودّاً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً . . هي التي ترزقكم وتهبكم البنين وترسل لكم المطر . . وهي التي تحميكم من الصواعق والسيول . . ما لكم لا ترجون لله وقاراً .

تعجّب الناس من نوح . . كيف يجرؤ هذا النجار على شتم الآلهة يشتم ودّاً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً ؟!

الاقوياء كانوا يحقدون على نوح . . يكرهون دعوته وكلماته . . انه يدعو إلى المساواة والاخوّة . . انه يريد للناس أن يعيشوا أحراراً ، ليس للغني والقويّ سلطته على الفقير المستضعف .

من أجل هذا حاربوه . . قالوا عنه أنه مجنون . . قالوا عنه انه مجرّد نجّار فقير . . لو كان رسولاً من الاله ، لكانت عنده خزائن الارض . . لماذا لا يرسل الاله ملاكاً . . لماذا يرسل انساناً مثلنا ؟!!

ان نوحاً أقل منزلة منّا . . نحن أكثر منه مالاً وأولاداً وأكثر سطوة . .

الناس البسطاء كانوا يخافون من الاقوياء . . ظنّوا أن الحق معهم . . وان الالهة معهم وهي التي منحتهم هذه القوّة و السطوة .

من أجل هذا أعرضوا عن نوح ودعوته . . كانوا يضعون اصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلماته لأنهم إذا اتبعوا نوحا فان الالهة ستغضب عليهم والاقوياء سوف ينتقمون منهم . . وما فائدة نوح الفقير النجار . .

هكذا كان الناس يفكرون . . قليلون جداً الذين آمنوا بنوح وصدّقوا كلماته .

كان بعض الرجال الفقراء ، والنساء يأتون إلى منزل نوح ويستمعون إلى وعظه . . فتمتلأ قلوبهم ايماناً بالله الواحد الأحد . . .

كانوا فقراء جداً وكانوا مضطهدين . . يخشون انتقام السادة الآثرياء والجبابرة القساة .

من أجل هذا ظلّ نوح يدعو قومه إلى عبادة الله الواحد ونبذ الاوثان والاصنام . . كان يدعوهم ليل نهار . . في السرّ وفي العلن . . لكنّ أحداً لم يؤمن بنوح إلا القليلون . . القليلون جداً . . وكان هؤلاء فقراء مستضعفون .

كان سيدنا نوح يتألم من أجلهم . . كان يحبّ ان يهتدي قومه أن يعيشوا بسلام ، لا يعتدي القوي فيهم على الضعيف . . كان يحبّ لهم أن يعيشوا طيّبين . . يحترم الصغير الكبير ، ويعطف الكبير على الصغير . . ولا يظلم بعضهم بعضاً .

الوثنيون الذين كانوا يعبدون الاوثان رفضوا دعوة سيدنا نوح . . رفضوا التوحيد . . كانوا يسخرون من نوح الرجل النّجار الفقير .

الاثرياء من قوم نوح يعتقدون انهم أفضل من نوح . . لانهم أكثر أموالاً وأولاداً وأكثر قوّة . .

ذات يوم جاء الكافرون إلى سيدنا نوح قالوا له :

كيف تريدنا أن نؤمن بك . . ولم يتبّعك سوى هؤلاء الفقراء الذين لا شأن لهم ؟!

قالوا له :

إذا طردتهم سوف نؤمن بك ونتبعك . .

قال سيدنا نوح : كيف اطردهم . . كيف اطرد المؤمنين . . ان الله لا يحبّ ذلك . . انه عمل شائن . .

وقال سيدنا نوح لهم :

لماذا تعتقدون أنهم اراذل ؟! انهم اخوة لنا . . الناس جميعاً إخوة متساوون .

قال الوثنيون لسيدنا نوح عليه السلام :

أنت رجل كذّاب . . ونحن لا نؤمن بك . . لو كنت رسولاً من الله لكنت الآن من أكثرنا ثراءً . . لكانت في يدك خزائن الارض . .

وقالوا له :

الم يجد الله أحداً غيرك ليرسله الينا . . انت الرجل الفقير ؟!

قال سيدنا نوح :

يا قومي لا تكذبوا رسالة الله . . ان الله سيعاقبكم . .

قالوا له قومه :

أنت تجادلنا كثيراً . . إذا كنت صادقاً فائتنا بالعذاب . . نحن لا نخاف تهديداتك . . لأنّك رجل كاذب

استمر سيدنا نوح يدعو قومه إلى عبادة التوحيد . . مرّت مئات من السنين . . وكان الناس يموتون . . وأطفال يولدون . . يكبرون ويكبرون ، وكان سيدنا نوح يدعوهم إلى عبادة الله . . ولكن الاطفال الذين اصبحوا شبّاناً كانوا يكفرون . . كانوا يسجدون للأصنام ويتركون عبادة الله .

هل تعلم كم سنة استمرّت دعوة سيدنا نوح عله السلام ؟ لقد استمرّ يدعو قومه مدّة 950 سنة !!

أصبح سيدنا نوح شيخاً كبيراً طاعنا في السنّ ولكنه ظلّ قويّاً لا يخاف الكافرين .

كم مرّة ضربوه حتى كاد يموت . . كم مرّة تآمروا على قتله .

حتى زوجته كانت مع الكافرين . . كانت تخبرهم عن الناس المؤمنين الذين يأتون لزيارة سيدنا نوح .

في كل مرّة كان نوح يدعو قومه وينصحهم . . يعظهم ، ولكن لا فائدة .

كانوا يسخرون منه . . وكان سيدنا يحبّ قومه يريد لهم الهداية . . لهذا كان يبكي من أجلهم . . يبكي مصيرهم التعس . . لانهم سيموتون كفّاراً . .

ذات يوم كان سيدنا نوح في منزله جاء رجل عجوز يتوكا على عصا . . كان معه حفيده الصغير . . قال العجوز لحفيده :

انظر يا ولدي إلى هذا الشيخ . . انه رجل مجنون . . عندما تكبر وتصبح شابّاً فاحذر أن يخدعك . . فتترك عبادة ودّ وسواع . . ويغوث ويعوق ونسر .

الصبي أمسك بعصا جدّه وتقدّم إلى سيدنا نوح وضربه على رأسه !!

شعر سيدنا نوح بالألم وفي كل مرّة كان يتحمل ويصبر . . ربّما ينتبهون ذات يوم ويؤمنون بالله الواحد الأحد خالق الحياة والناس والأشجار والأنهار . . خالق كل شيء .

هكذا كان يعيش سيدنا نوح . . حتى إمرأته كانت ضده وقفت إلى جانب الكفّار . .

وكان لسيدنا أولاد كلهم آمنوا به إلاّ واحد كان يتظاهر بالايمان ، ولكنه في الحقيقة كان وثنياً . . لا يؤمن بالله سبحانه .

اللعنة

جاء الملاك من السماء وقال لسيدنا نوح :

مهما تدعو فلن يؤمن أحد منهم . . لا تتعب نفسك معهم أنهم أناس ملعونون . .

هنالك رفع سيدنا نوح يديه السماء وراح يدعو الله أن يطهر الأرض من شرور الكفّار :

{ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا }[3].


سفينة الإنقاذ

أوحى الله سبحانه إلى سيدنا نوح عليه السلام أن يصنع سفينة كبيرة .

كفّ سيدنا نوح عليه السلام عن دعوة قومه . . في البداية تعجّب الكفّار لماذا سكت نوح بعد 950 سنة لماذا لا يدعوهم ؟ لم يعد يراه أحد .

سيدنا نوح انتخب مكاناً خارج القرية لبناء سفينة كبيرة .

كان نوح نجاراً حاذقاً في عمله . . وكان عليه أن يجمع الواح كثيرة وكبيرة من الخشب . .

الناس المؤمنون جاءوا لمساعدة النبي في عمله . . راحوا يجمعون جذوع النخيل والأشجار ويصنعون منها ألواحاً باحجام مختلفة .

لم يكن بناء السفينة سهلاً لأنها كانت سفينة كبيرة جداً .

السفينة التي يريد أن يصنعها سيدنا نوح تتألف من ثلاث طوابق كان طول السفينة أكثر من 200 م في عرض 70 م وارتفاع 25 م .

لم يترك الوثنيون سيدنا نوح وشأنه . . كانوا يأتون إلى مكان العمل ويسخرون من النبي والذين آمنوا . .

كان سيدنا نوح يعمل في صناعة السفينة ، وكان المؤمنون يحملون الواح الخشب وبعضهم يدق المسامير وآخرون يزفتون الأخشاب بالقار .

الوثنيون كانو يسخرون قال بعضهم :

انظروا إلى هؤلاء المجانين يصنعون سفينة في الصحراء .

وقال أحدهم :

أن نوح قد خرف وفقد عقله .

وقال آخر : انه لا يحسن سوى النجارة . . انه نجار حاذق في عمله . . ولكن يا للأسف أنه مجنون .

انه مخادع ربّما يريد أن يبني قصراً كبيراً .

صاح رجل وثني :

يا نوح ماذا تفعل ؟ أين البحر الذي ستمخر فيه سفينتك ضحك الوثنيون وصاح بعضهم :

يا نوح لا تنس الاشرعة . . فالأمواج عنيفة والرياح شديدة

كان الوثنيون يضحكون ويسخرون . .

لم يقل سيدنا نوح شيئاً قال لهم :

سيأتي يوم نسخر فيه منكم كما تسخرون منّا

كان العمل في السفينة شاقاً جداً يتطلّب صبراً طويلاً ..

صبراً على أذى الوثنيين وسخريتهم ، وصبراً على العمل المتواصل والمستمر .

السفينة التي سيصنعها سيدنا نوح سفينة كبيرة . . سفينة لانقاذ النوع البشري . . وانقاذ مختلف الحيوانات من خطر الانقراض .

الله ربّنا اراد أن يطهر الأرض من الشرور والظلم . . يغسلها من كل الاثام . . لهذا أوحى إلى رسوله نوح عله السلام أن يصنع الفلك . . أن يصنع السفينة من أجل انقاذ الناس المؤمنين . . الناس الطيبين . .

اما الظالمين الذين لا يريدون العدالة ولا يحبّون المساواة فيكون مصيرهم الفناء .

استمرّ العمل في صنع السفينة سنين طويلة . . استمرّ سيدنا نوح والمؤمنون يعملون بهمّة ونشاط مدّة ثمانين سنة .

كانت سفينة كبرى . . ومهمتها كبرى فهي سفينة لانقاذ النوع البشري والحيواني من خطر الفناء .

لهذا بذل سيدنا نوح والمؤمنون كل جهودهم في اتمام سفينة الانقاذ .

الوثنيون كانوا يسخرون من النبي والذين آمنوا . . قالوا عنهم ، مجانين وأراذل . . حاربوهم . . اضطهدوهم . . ولكن الأمل في نفوس المؤمنين كان يكبر يوماً بعد آخر .. لأن الله سبحانه سوف يطهّر الأرض من الظلم والعدوان ومن شرور الظالمين . .

سوف تغسل المياه الأرض من الذنوب والآثام . . تصبح نظيفة جداً و طاهرة وعندها سيعيشون في طمأنينة وسلام . . ويحيا أبناؤهم في مجتمع آمن مستقر .

هكذا كان المؤمنون يتحمّلون اذى الوثنيين . . ويتحملون مشاق العمل في صنع أكبر سفينة للإنقاذ .

الانتظار

بعد ثمانين سنة من العمل المتواصل . فرغ سيدنا نوح والمؤمنون من صنع السفينة

أصبحت جاهزة تماماً فقد طليت بالقار . . . ونصبت فيها الاشرعة . . .

كان المؤمنون يأتون اليها وينظرون . . أصبحت السفينة أملهم في حياة افضل . . اصبحت أملهم في الخلاص من الظلم واللامساواة .

كانت السفينة تتألف من ثلاث طوابق طابق سفلي وطابق في الوسط وطابق علويّ .

الطوابق جميعاً كانت مجهزة بنوافذ صغيرة . . في مقدّمة السفينة وفي الطابق الأوسط مقصورة للقيادة . . وهداية السفينة . .

كل شيء كان جاهزاً . . وكان سيدنا نوح والمؤمنون ينتظرون أمر الله سبحانه . .

كان أذى الوثنيين يزداد . . وسخريتهم تزداد . . وتعذيبهم للمؤمنين يزداد .

جاءت امرأة عجوز مع ابنتها الصغيرة إلى سيدنا نوح . . سألته عن يوم الخلاص قالت له :

متى ينقذنا الله من شرّ هؤلاء الكفّار ؟ . .

سيدنا نوح لا يدري متى . . لهذا نظر إلى السماء . . ان الله وحده هو العالم . .

في هذه اللحظة هبط الملاك واخبر سيدنا نوح قال له :

عندما يفور التنور في بيت هذه المرأة . . فاعلم أن موعد الطوفان قد دنا . .

قال سيدنا نوح للمرأة :

ان الله قد جعل لذلك آية وعلامة . . لقد أوحى إليّ الله أن التنور في بيتك سيفور سيخرج منه الماء مثل النافورة . . وهذه علامة ليوم الخلاص .

المرأة العجوز فرحت لهذه الكرامة . . والبنت الصغيرة ابتسمت لهذا الأمل . .

كل يوم كان المؤمنون يأتون إلى منزل المرأة العجوز . .

ينظرون إلى التنور ولكن لا شيء . . وكان سيدنا نوح ينظر إليه أيضاً ولكن لم يخرج منه الماء . .

وفار التنور

وذات يوم كانت السماء تزدحم بالغيوم السوداء ، أصبح الفضاء مظلماً جداً . .

كان سيدنا نوح ينظر إلى السماء وينتظر أمر الله .

الوثنيون كانوا يزدادون ظلما وفساداً يقتلون ويسرقون . . يعملون الفواحش . . وكان الشرّ يزداد كل يوم .

جاءت الفتاة الصغيرة إلى نوح . . جاءت تركض قالت له :

لقد فار التنور . .

أسرع سيدنا نوح إلى التنور . . لقد صدق الله وعده التنور تحول إلى نافورة . الماء يتدفق بقوّة . . والمرأة العجوز كانت حائرة لا تدري ماذا تفعل . .

جاء المؤمنون لينظروا إلى آية الله سبحانه . . كان بعضهم ينظر إلى التنور بدهشة وبعضهم ينظر إلى السماء وكان الجميع يبكون من الفرح .

السماء كانت مثقلة بالغيوم . . مليئة بالسحب السوداء .

أصبح النهار مثل الليل . .

هتف سيدنا نوح باتباعه :

هيّا إلى السفينة . .

انطلق الجميع إلىخارج القرية . . كانت السفينة في مكانها كأنها تنتظر المؤمنين . .

وقف سيدنا نوح يشرف على ركوب المؤمنين . .
فجأة لمعت الصواعق في السماء ودوّى الرعد بشدّة . . وهطلت الامطار بغزارة كان المؤمنون يركبون في السفينة الواحد بعد الاخر النساء والرجال . . جاء أولاد نوح كلّهم إلاّ ابن واحد لم يحضر . .

امرأة نوح لم تحضر . . كانت وثنية لم تؤمن برسالة زوجها . .

وحتى لا تنقرض الحيوانات أوعز الله إلى سيدنا نوح ان يدخل من كل حيوان زوجين اثنين . .

لهذا أمر سيدنا نوح أن يخصص الطابق السفلي للحيوانات الكبيرة . . أمّا الطيور فيكون مكانها الطابق العلوي .

الطوفان

انفجرت الارض بالعيون . . في الوديان وفي الجبال وكان المطر يزداد غزارة . . والرياح تعصف بشدّة . . والصواعق تسطع في الفضاء والرعود تدوّي في السماء .

الارض تحولت إلى ينابيع فوّارة . . السماء تصبّ الماء مثل الانهار .

أدخلت جميع الحيوانات والطيور . . ووقف المؤمنون في الطابق الأوسط ينظرون من النوافذ إلى الطوفان الهائل .

المياه تنحدر من أعالي الجبال . . الوديان تحولت إلى انهار تتدفق بالماء ، والمطر يهطل بغزارة عجيبة والرياح تعصف . .

وفرّ الوثنيون من القرية . . فرّوا باتجاه الجبال . . لم يصدّقوا بعد كلمات سيدنا نوح .

الإبن الغريق

كان سيدنا نوح ما يزال ينتظر عودة إبنه . . كان يظنه مؤمناً .

أصبحت الارض بحراً كبيراً متلاطم الامواج . .

سيدنا نوح ينظر إلى جهة القرية لعلّه يشاهد ابنه . . لاح ابنه من بعيد كان يسبح باتجاه الجبال .

هتف سيدنا نوح بابنه :

يا بني : تعال أليّ تعال إلى السفينة يا ولدي .

صاح الابن :

كلاّ سوف الجأ إلى الجبل . . انه يحميني من الماء والغرق .

هتف سيدنا نوح وسط العواصف والأمواج والمطر .

يا بني اركب معنا . . ليس هناك من يحميك من المصير الأسود . .

أراد سيدنا نوح أن يفهم ابنه انه لا عاصم اليوم من أمر الله . . سوف تغرق الأرض التلال والجبال وكل المرتفعات لان الله يريد أن يطهر الأرض من الشرور . .

أراد سيدنا نوح أن يهتف بابنه مرّة أخرى ولكن موجة عالية وعنيفة حالت دون ذلك ، قذفت الأمواج الابن بعيداً . . ليغرق في الطوفان .

كان سيدنا نوح يظن ان ابنه مؤمناً . . وقد وعد الله سبحانه نوحاً انّه سينقذ أهله إلا امرأته . . لهذا رفع نوح رأسه إلى السماء ونادى

يارب انّه ابني من أهلي . وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين .

وأوحى الله سبحانه إلى سيدنا نوح وقال له :

يا نوح ! انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح .. فلا تسألنِ ما ليس لك بعلم .

ادرك نوح أن ابنه كان وثنياً لم يؤمن بالله ولم يصدّق رسالة والده النبي عليه السلام لهذا استغفر سيدنا نوح ربّه وقال :

يا ربّ اعوذ بك أن اسألك ما ليس لي به علم . والاّ تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين .

ابتلعت الأمواج كل شيء . . غرق كل الشيء في الطوفان المدمّر . . وتحركت السفينة عامت فوق الماء وهتف سيدنا نوح :

بسم الله مجريها ومرسيها !

سفينة الإنقاذ تشق طريقها وسط الأمواج . . اصبحت الأرض بحراً كبيراً لم يعد هناك شيء سوى الماء وسوى رؤوس الجبال . .

ما يزال المطر يهطل ويهطل . . والأرض تفور بالمياه وتمرّ الأيام والسماء تنهمر بمطر غزير والرياح تعصف بعنف . . أصبحت الأمواج أكثر عنفاً كانت مثل الجبال . .

مرّ أربعون يوماً والسماء تمطر بغزارة والسفينة تشق طريقها وسط الأمواج الهائلة التي تشبه الجبال .

كان سيدنا نوح والمؤمنون يدعون الله ويتضرّعون إليه بالرحمة والنجاة .

تابع>>>.