لماذا تنهال كل هذه المآسي على رأسي بغزارة حتى نسيت طعم السعادة .. وقد خلت
حياتي منها .. ومن كنت أنتظر منه الأمان تخلى عني بقسوة ولم يسمع دفاعي عن
نفسي أو حتى يسمح لي بكلمة حق أو اعتراف بذنب .. حتى معلمتي الحبيبة فاطمة
حينما فوجئت بانقطاعي عن المدرسة حاولت أن تحادثني أو تزورني .. لكن أبي رفض
رفضاً قاطعاً أن أكلم أو أستقبل أحداً حتى يبت هو في أمري ..
وبت في أمري للأسف الشديد .. فقد فوجئت بعد أسبوع من الواقعة وحين استرددت
بعض قواي ، بأبي يلقي عليّ ثوباً طالباً مني أن أرتديه .. وبعد لحظات دخل علي
الحجرة شيخ طاعن في السن .. فوجئت .. التصقت بالجدار من هول الصدمة ..
هل هذا أنس أم جن .. هل هو شيخ حقيقي من لحم ودم أم هو .. ماذا ؟
أيكون أبي قد جن حتى يسمح لرجل كان من كان باقتحام حجرتي .. هتفت بصوت
مبحوح من كثرة البكاء والصراخ :
ـ من أنت .. اخرج هيا بسرعة ..
جاءني صوت أبي داخلاً إلى الحجرة وهو يبتسم لأول مرة منذ أسبوع :
ـ هذا زوجك يا منى .. العم صالح .. هيا حضري نفسك لتذهبي معه .. بسرعة ..
وخرج أبي معه هذا الشيخ الطاعن في السـن ، لأتهاوى تحت أحد الجدران باكية
بعنف .. سامحك الله يا أبي .. ماذا فعلت لتدفنني وأنا في عز الشباب .. ومع من
مع شيخ يكبر أبي بعشرين سنة على الأقل .. إن الموت أحب إلي من هذا ..
لم ينفعني بكائي وهذه المرأة تدخل عليّ تسحبني من يدي لترتب شعري وتزيين
وجهي وهي تأمر صفية بتجميع كل ملابسي .. وأنا أبكي وأحمد يبكي وهو متعلق
بي يصيح :
ـ منى .. لا تتركيني .. منى أرجوكِ لا تتركيني ..
صرخت به زوجة أبي :
ـ أسكت أيها الولد الشقي .. أختك ستتزوج وستذهب مع زوجها .. هيا ويكفي هذا
التدلل ..
تركتها ترتب شعري .. جفت دموعي فجأة وداخلي يغلي كالبركان وقلت لأحمد بصوت
هادئ وكأنه ليس صوتي :
ـ أطمأن يا أحمد .. سأعود ..
والتقت نظراتنا في المرآة .. نظراتي المهددة والمتوعدة بنظراتها المطمئنة وإن كانت
تحمل بعض الخوف .. وما أن ضمنا البيت الكبير الموحش أنا وزوجي حتى صرخت
به قائلة :
ـ ابتعد .. ابتعد عني .. إذا اقتربت فسأصرخ عالياً حتى يجتمع الناس عليك ..
قال بحنان افتقدته منذ زمن طويل :
ـ أطمئني يا منى .. أنتِ في بيتك ولا تخافي مني .. سأترككِ بمفردك حتى تهدئي ..
جلست أحدق ذاهلة في كل ماحولي .. كان كل شيء يدل على الثراء الفاحش
الاسطوري .. فلم يسبق لي أن رأيت مثل هذه الجدران اللامعة والثريات الكبيرة
العملاقة وهذه التحف والرياش .. لم يسبق لي أن رأيت أي شيء من هذا في حياتي
سوى في الأفلام التلفزيونية .. وأدركت أن أبي قد باعني لهذا الرجل .. باعني
ليضرب عصفورين بحجر واحد .. يتخلص من عاري كما يعتقد ويكسب الأموال الطائلة
أخذت أفكر بسرعة وذكائي يرسم لي طريق .. لن أستفيد شيئاً من عراكي مع هذا
العجوز الذي اشتراني .. لن أستفيد شيئاً من جفائي وعنادي وبكائي بل على العكس
من ذلك ربما أخسر من حيث أعتقد أنني أكسب فربما طلقني وأعادني إلى بيت والدي
إلى تلك الأفعى البغيضة التي لاتتورع على فعل أي شيء لتبعدني عن طريقها .. هذه
المرة كان الإبعاد بالفضيحة والزواج من هذا العجوز فما يدريني مايتفتق عنه ذهنها
في المرة القادمة .. ربما قتلتني أو زجت بي في السجن أو أعظم من ذلك فهي
لاتخاف الله ومن لايخاف الله يجب أن نخاف منه .. هكذا علمتني أمي .. وعلى هذه
الحكمة عشت حياتي وعندما تخليت عنها برهة حدث لي ماحدث ..
لا أنكر أن الطلاق من هذا العجوز هو هدفي ، لكن ليس الآن وفي بيتنا يحدث مايحدث
يجب أن أروض نفسي على الصبر والتحمل حتى أجد لي مخرجاً .. كما أنني قد عرفت
هذا الرجل العجوز وأدركت للوهلة الأولى حنانه الواضح .. ربما كان هذا الحنان لهدف
تهدئتي .. لكنني سأستغل كل شيء لصالحي ، فإنني وبهذه الظروف لن أجد من يشفق
عليّ غيره فبيده مصيري ومصير حياتي المقبلة .. سأحاول أن اكسبه لصفي
بقدر ما أستطيع ...
المفضلات