أثر الصلاة على سلوكنا


صوتي
مرئي

في الليلة السادسة من ليالي محرم الحرام تحدث آية الله السيد منير الخباز حفظه الله ورعاه بإسهاب عن " أثر الصلاة على سلوكنا " في محاور عدة هي: المحور الأول ، حاجتنا للاتصال بالغيب ، والمحور الثاني ، أثر طعم الصلاة في صقل روح الإنسان ، والمحور الثالث ، انعكاس العبادة على سلوك الإنسان.


ملخص المحاضرة

قال تعالى
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا* نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا)
سورة المزمل1-4إنطلاقاً من الآية المباركة تحدث سماحته في 3 محاور:1/حاجتنا إلى العبادة.2/قوام الصلاة الحقيقية بالخشوع.3/مراتب الخشوع.
المحور الأول :حاجتنا إلى العبادة:


ذكر علماء النفس أن الهدف إذا لم يكن منسجماً مع الرغبة الذاتية فإن الهدف لا يكون فاعلاً فالإنسان إذا أراد تحقيق هدفه فلا بد أن يكون هدفه منسجماً مع رغبته الذاتية والله سبحانه وتعالى جعل الهدف من وجود الإنسان هو لعبادته قال تعالى(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)
سورة الذاريات56 وإن هذا الهدف ينسجم مع طبيعة الإنسان وحاجاته فالإنسان يحتاج إلى الصلاة لعدة أسباب.

1/الحاجة للإنتماء:فإن الإنسان إذا وقف بين يدي خالقه وتذكر بأنه ينتمي إلى هذا الخالق وأن مماته ومحياه بيد هذا الخالق فإن الصلاة ستشبع حاجة الإنسان للإنتماء وسيشعر حينها بالأمن والطمأنينة .2/الحاجة للتعبير عن الهموم: فالإنسان إذا أسرف في الذنوب وتراكمت عليه الأخطاء فإنه يحتاج أن ينفس عنها وأن يقر بأخطائه ولكن أمام من ؟إذ لا يوجد شخص سيتقلى هذا الإنسان بكل رحابة صدر ويغفر له ذنوبه لذا فهو محتاج إلى أن يعبر عن ذنوبه إلى خالقه وهو الله عز وجل فهو الوحيد الذي سوق يتلقاه.3/الحاجة إلى الشحنة الروحية:الإنسان محتاج إلى شحنة روحية بين فترة وأخرى إذ أن الحياة تحوي على الكثير من المتاعب والآلام لذا يحتاج الإنسان إلى الشحنة الروحية لكي يقاوم آلام الحياة وهذه الشحنة يحصل عليها الإنسان عبر الصلاة والعبادة لذا فإن القرآن
يقول(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا* نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا)
سورة المزمل1-4أي لا تلجأ إلى النوم لتتخلص من متعاب الحياة وآلامها فإن الشحنة الروحية هي التي تقاوم بها أعباء الحياة وهي أن تقوم في الليل وهدوئه وتستغل نوم الناس وهدوء المكان لمناجاة ربك.
المحور الثاني: قوام الصلاة الحقيقية بالخشوع.

الصلاة لها صورتان.1/ملكية (الظاهرية) وهي القيام بالركوع والسجود وهذه جميع المؤمنين يقومون بها.2/ملكوتيه(الحقيقية)قال تعالى(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) سورة العنكبوت 45إذا كانت صلاتنا تنهانا عن الفحشاء والمنكر فنحن نكون قد تجازنا الصورة الملكية إلى الصورة الملكوتية.نحن نصلي عدة سنين ولكننا نتساءل ماذا استفدنا من الصلاة إذ نحن لا زلنا نقترف الذنوب فأين هي فاعلية الصلاة؟ويبقى هذا السؤال معنا إلى يوم الذي نقف فيه بين يدي الله ألا وهو يوم الحسرة قال تعالى(
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)سورة مريم38وهذه الحسرة تختلف عن الحسرة في الدنيا إذ أن الحسرة في الدنيا تكون مشوبة بالأمل بينما الحسرة في الآخرة تكون حسرة مؤلمة لأنها حسرة ليس معها أمل إذ يقال للإنسان(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) سورة الإسراء14وتعرض عليه صلاته فيجدها ثوباً ممزقاً بالياً إذ أتى بها بكل سرعة وممل وضجر فالأعمال يوم القيامة تتجسم لنا قال تعالى(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) سورة الزلزلة7/8فلكي نتجاوز الصورة الملكية للملكوتية لا بد أن تكون صلاتنا صلاة خاشعة قال تعالى(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)سورة المؤمنون2 ويوجد هناك فرق بين الخشوع والخضوع فإن الخشوع يكون للقلب بينما الخضوع يكون للجوارح فإذا كان القلب خاشعاً أصبحت الجوارح خاضعة .وهنا تساءل سماحته عن كيفية تعاملنا نحن مع الصلاة وكيف تعامل النبي (ص) معها ؟فالنبي (ص) كان يشتاق للصلاة كما تشتاق الأم لطفلها فعندما يقترب وقت الصلاة كان يستعد ويتوضأ وينتظر المؤذن كي يؤذن فقد كانت هناك علاقة حميمة بين قلب النبي(ص) وبين الصلاة التي كان يعشقها بينما نحن إذا قمنا فإننا نقوم متكاسلين كأن هناك ضخرة وضعت علينا قال تعالى(وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)
سورة النساء142 المحور الثالث: مراتب الخشوع.
نحن نحتاج إلى صلاة ترفعنا من حضيض الرذيلة إلى قمة القرب من الله أي أننا نحتاج إلى صلاة خاشعة لا إلى صلاة رياضية قال تعالى
(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)
سورة فاطر10وللخشوع عدة مراتب.


1/حضور القلب.


قال(ص) (ما لك من صلاة إلا ما أقبلت إليه بقلبك) وحضور القلب يعني أن تهيأ نفسك للصلاة فإنك إذا أردت الدخول على ملك فإنك تهيأ نفسك فكيف إذا وقفت أمام من بيده ملكوت كل شيء فيجب عليك أن تهيأ قلبك وروحك للصلاة .يقول علماء النفس بأنك إذا أردت تهيأة نفسك للصلاة إختر مكاناً مظلماً وضيقاً حتى يحضر قلبك ولا تنشغل بإمور أخرى ولكن ذلك وحده لا يكفي إذ لا بد أن تكون لك إرادة وعزيمة قوية حتى تسيطر على قلبك أثناء الصلاة والعبادة قال رسول الله(ص) وهو يحث على حضور القلب أثناء الصلاة(إن الصلاة تأتي يوم القيامة تقول للعبد ضيعتني ضيعك الله أو نورتني نورك الله)


2/التفهم.


أي بأن أتفهم معنى ما أقول من قراءة وما أفعل من ركوع وسجود حتى يكون هناك تناغم وإنسجام بين قلبي وعقلي وروحي.فقد قال(ص) لأبا ذر(يا أبا ذر ركعتان مقتصدتنا بتفكر خير لك من قيام الليل والقلب لاهي)


3/التعظيم.


لكي يحصل الإنسان على مرتبة التعظيم فإنه إذا قام لصلاته فليقم مطأطاً رأسه إشعارً بالتواضع والتذلل لله ويسعر نفسه بأنه واقف بين يدي الله يوم الحشر قال تعالى
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
سورة يس65


4/الرجاء.

قال تعالى
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )سورة الزمر53إن رحمة الله تنشر يوم القيامة حتى أن ابليس يطمع في رحمة الله قال تعالى(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)
سورة الأعراف156كم إرتكبنا من ذنوب ولكن المذنب على قسمين: *مذنب مستخف.وهو المذنب الغير مبال وغير راغب في سماع موعظة لأنه لا يريد أن يغير وضعه ويتخلص من ذنوبه بل يريد أن يهرب من مجالس الذكر والموعظة لأنه ذنوبه محبوبة إليه فكيف يتخلص منها مثل سماع الغناء.الأكل من المال الحرام,العلاقات الغير شرعية...إلخ فقد قال (ص)(أشد الذنوب ما استهان به صاحبه)
*المذنب المتألم . هو الذي يقترف الذنب ويندم ويتحسر لفعله فهو الذي يرجى له الرحمةمن الله عز وجل.قال (ص) (إن المنافق إذا أذنب كان ذنبه كذبابة مرت على وجه وإن المؤمن إذا أذنب كان كصخرة ألقت على صدره يريد أن يتخلص منها)


5/الحياء.

النبي (ص) إذا جاءت العشر الآواخر من رمضان شمر عن نفسه وانشغل في العبادة فيقال له ولماذا وانت رسول العباد وقد غفر لك كل ما تقدم وتأخر من ذنبك فيقول (أفلا أستحي من ربي وهوالمنعم علي بالكثير من النعم ....أفلا أكون عبداً شكورا) وكان من شدة خشوعه فيما روي عن الإمام زين العابدين(ع)أنه قال(كان النبي إذا صلى يبتل مصلاه من البكاء خشوعاً لله عز وجل) فرسول الله يعلمنا روح العبادة وطعمها والفقيه هو من عرف طعم العبادة لذا من يسمى بالفقيه فهو إنسان خاشع في صلاته قال تعالى
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)سورة فاطر28