الشيخ الصفار في الليلة السادسة من المحرم يدعو للاهتمام بالتواصل الإجتماعي



اضغط هناا

قال الله في كتابه الحكيم:

﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ﴾[1] .

يرتكز البحث على ثلاث محاور:


المحور الأول: التواصل بين الشكل والمضمون.

طبيعة حياة الإنسان البشرية تفرض عليه نوعاً من التواصل مع المجتمع الذي يعيش فيه.

أولاً- لأن الإنسان يأنس بأبناء جنسه، ولا يستطيع أن يعيش من دونهم أو بعيداً عنهم. وقد ذكر بعض اللّغويين أن كلمة الإنسان مشتقة من الأنس على اعتبار أن الإنسان يأنس بمثله. ولو أنك وفّرت لإنسان كل ما يحتاجه في حياته وعزلته عن الناس بحيث يعيش بمفرده، فإن ذلك بالتأكيد لن يريحه، ولهذا فإن من أقسى أنواع العقوبات السجن الانفرادي.

فالإنسان بشكل طبيعي يميل إلى أبناء جنسه ويأنس معهم، وبالتالي لديه دافع طبيعي للتواصل مع الناس.

ثانياً- حاجات الإنسان الحياتية تفرض عليه أن يتواصل مع الآخرين، فهو لا يستطيع أن يوفّر حاجاته بنفسه، فقد يمرض فيحتاج إلى الطبيب، وهو بحاجة إلى العامل في البناء وغيره، وهو يشتري من السوق، وقد يعمل لدى أحد أو يعمل لديه أحد، وبالتالي طبيعة الحياة تجعل المصالح مشتركه والحاجات متداخلة بين الناس، وهذا يفرض على الانسان حالة من التواصل مع الناس.

ولكن هذا التواصل يبقى في مستواه الأدنى وفي حالته البسيطة الساذجة. إذ أن المجتمع يحتاج إلى نوع من التواصل بشكلٍ أرقى، وهذا يختلف من مجتمع إلى آخر.

وقد كنا نعيش تواصلاً مكثفاً في مجتمعنا حينما كانت الحياة على بساطتها، وكان الناس يعيشون في مناطق جغرافيه محدودة، وضمن اهتمامات محدودة بسيطة، لكننا الآن، ومع هذا التطور الذي حصل على واقع حياتنا، لم نعد نعيش درجة التواصل الاجتماعي السابقة. ولعلّ من أبرز الأسباب:

1- انتشار الناس جغرافياً، فما عاد الإنسان مقيماً في نفس الحي الذي نشأ فيه.

2- انشغالات الناس واهتماماتهم تشعبت في هذا العصر، بعكس ما كانت عليه حياتهم في الماضي، إذ أنهم بمجرد أ، يحلّ الظلام تنتهي جميع أعمالهم ويُصبح الوقت متاحاً للتواصل، وحتى في النهار فإن دائرة الاهتمامات محدودة. أما في زمننا المعاصر فقد انشغل الإنسان باهتمامات مختلفة، معرفيه وثقافيه وعمليه ومختلف أنواع الاهتمامات، ما قلل من حصة العلاقات الاجتماعية.

3- انخفاض الروح الاجتماعية عند أكثر الناس لصالح الاهتمام الفردي، حيث أصبح كل واحدٍ مشغولاً بنفسه، وفي بعض الأحيان ينشغل حتى عن عائلته وأسرته، وبعض الانشغالات الجديدة ليست بالمستوى الذي يدفع الإنسان للتقصير في حق أسرته من أجلها، كمتابعة بعض الأفلام على التلفاز، أو الانغماس في المتابعة على الإنترنت. وقد أثّر هذا حتى على علقة الآم مع أطفالها، إذ لم تعد العلاقة وثيقة وحميمة كما كانت عليه في الماضي. والأب كذلك أصبح بعيداً عن أسرته بسبب هذه الاهتمام ذات الطابع السلبي في حالات كثيرة.

هذه الاهتمامات التي بعضها صحيح وبعضها غير صحيح زادت عند الناس على حساب توجههم الاجتماعي، وإن كنا لازلنا نحتفظ بدرجة من التواصل، لكنه في الغالب تواصل مناسباتي وخاصة في مناسبة الزواج ومناسبة العزاء. وهذا التواصل شكلي، وما نحتاج إليه التفكير في التواصل ذي المضمون.

وأشير هنا إلى أبرز معالم التواصل الاجتماعي المطلوب:


أولاً- التقارب النفسي الروحي.

الحياة بطبيعتها فيها ضغوط ومشاكل، خصوصاً في هذا العصر، فيحتاج الإنسان إلى من يتضامن معه نفسياً، وإلى من يقترب منه روحياً ليخفف عنه الآلام، ويرفع من معنوياته. ويحتاج الإنسان إلى من يستشيره ويأخذ برأيه. وتُشير روايات أهل البيت إلى هذا المضمون، وتُعبّر عنه بإدخال السرور إلى قلب الأخ المؤمن، عن رسول الله قال: «من لقي أخاه بما يسره سرّه الله يوم القيامة»[2] ، وعن الإمام جعفر الصادق : أنه قال: «من سرّ مسلما سره الله يوم القيامة»[3] ، وعنه قال: «لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنه عليه أدخله فقط، بل والله علينا، بل والله على رسول الله »[4] .


ثانياً- التعاون في تيسير شؤون الحياة.

كل مجتمع يواجه مشاكل، كل قوم في منطقتهم لهم احتياجات، ولا يستطيع الإنسان بمفرده أن يحلّها ويعالجها، وإنما يحتاج أن يتعاون مع الآخرين. وكمثال تقريبي: تربية الأبناء في عصرنا الحاضر في الغالب تكون عملية شاقّة إذا أراد الأب أو الأم وحدهما القيام بهذا الدور، ولكن عندما تكون هناك برامج ولجان تخلق الأجواء الصالحة وتسعى من أجل بناء الجيل الجديد بناءً سليماً، فهذا يكون أكبر دعامة للأسرة على تربية أبنائهم. ويؤكد القرآن الكريم على هذا المضمون في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾[5] .


ثالثاً- المشاركة في خدمه الأهداف المشتركة.

كل مجتمع لديه تطلعات وأهداف مشتركة، دينية أو سياسية أو اجتماعية. هذه الأهداف المشتركة تحتاج إلى تعاون وتواصل اجتماعي يحمل هذا المضمون، ويساعد المجتمع على تحقيق الأهداف والتطلعات المشتركة التي يبحث عنها ويسعى من أجلها. والإمام علي يُوصي بهذا المضمون في آخر وصيةٍ له، فيقول : «وعليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع»[6] ، والتباذل هنا بمعنى البذل والعطاء.

المحور الثاني: نحو أطر جديدة للتواصل الاجتماعي.


المجتمعات المتقدمة تبحث عن الأطر التي من شأنها أن تُحقق تطلعاتها، ونحن كمجتمع متدين ينبغي أن يكون الأولى بنا السعي لذلك، لكي تكون في المجتمع أطر للتواصل الاجتماعي من شأنها أن تُحقق المضامين التي سبق الحديث عنها.

ومن المناسب هنا الإشارة إلى أنه في المملكة هناك توجه نحو بناء مؤسسات المجتمع المدني، ففي مجلس الشورى يتم التطرق لهذا الموضوع، وكذلك وزارة الشؤون الاجتماعية أصدرت كتاباً يضم (176) مشروعاً مقترحاً للتنمية الاجتماعية ترتبط بالأطفال والشباب والنساء وكبار السن، ولمختلف المجالات المعرفية والتربوية والاجتماعية تحت عنوان (دليل المشروعات الاجتماعية في لجان التنمية الاجتماعية) 1425هـ بإعداد نخبة من المختصين والمختصات.

والعالم اليوم يزخر بالأطر الجديدة والناجعة في هذا المجال، وقد نشرت (جريدة اليوم) في الثاني من ذي القعدة المنصرم (1427هـ، 23 نوفمبر 2006م) تقريراً عن إطارٍ جديد تشكّل في نيو دلهي بالهند قبل 6 سنوات، تحت عنوان (مشروع بها جيتاري) ويعني المشاركة. هذا الإطار تبنته مجموعة من المتقاعدين، وهدفه متابعة الأجهزة والدوائر الحكومية، ومراقبة سير الإدارات فيها، وتوجيه الملاحظات التي يرون أنه من الضروري الانتباه لها. في بداية الأمر لم يكن هناك تجاوب معهم، بل لم يكن يسمع لهم، ولكن فيما بعد أصبح معهم (14) ألف عضو، وحققوا خلال 6 سنوات ألف قصة نجاح، وفي عام 2005م خصصت الأمم المتحدة لهم جائزة باعتبارهم أفضل جماعه في العالم في خدمه النشاط الاجتماعي. حيث يعقد الأعضاء اجتماعات مع أعضاء البرلمان ومسؤلين كبار في الحكومة والوكالات المدنية لحل مشكلات الخدمات، ومناقشة الخطط المطروحة في موضوعات منها توفير إمدادات الكهرباء والمياه، وعزل المواد الصلبة في القمامة، وقضايا الصحة، وتمكين المرأة من ممارسة حقوقها، والاهتمام بالبيئة كتنمية الحدائق مما زاد المساحة الخضراء في نيودلهي عشرة اضعاف.

وهنا كلمة أوجّهها للمتقاعدين بأن يُفكّروا كما الآخرون، لماذا نجد في العالم مؤسسات للمتقاعدين، وفي مجتمعنا الكثير من المتقاعدين غاية ما يقومون به تكرار الحج وزيارة المراقد المقدّسة، وهذه الأمور مع أهميتها إلا أن خدمة المجتمع لا تقل ثواباً عنها إن لم يكون ثوابها أكبر.

ويتعجب الإنسان من طبيعة الأطر التي تُطرح في تلك المجتمعات، ومنها ما نشرته (جريدة الحياة) في يوم الخميس 9/2/1422هـ عن تأسيس نادي في (مدينة نيم) الفرنسية، اسمه: (نادي الأغبياء الفخورين بغبائهم)، ومن شروط الانضمام لهذا النادي أن يكون الشخص غبي ويفتخر بغبائه، ولديهم شعار: الغبي ذكي يجهل ذكاءه.

ونشرت (جريدة الحياة) أيضاً في 23/12/1423هـ خبراً عن مسيرة للدفاع عن كرامة القطط في روما، تجمع فيها نحو (2000) شخص.

في تراثنا الإسلامي هناك أوقاف كبيرة تهتم بمثل هذه القضايا، ومنها أن أحد التجّار أوقف قطعة نخلٍ من أجل إطعام القطط الجائعة عند مرقد الإمام علي بن موسى الرضا ، والسبب أنه عند زيارته للمرقد الشريف ترك قطعة لحم خارجاً وعند خروجه لم يجدها، سأل عنها، فأجيب بأن القطط الموجود في تلك المنطقة أخذتها[7] .

وما نخلص إليه من هذا الطرح، أنه في مجتمعنا ينبغي التفكير في أطر جديدة لمعالجة قضايا المجتمع، وحل مشاكله، ولا يكفي أن نجلس في المجالس وننتقد الأوضاع دون أن يكون لنا أي تحرك. ثم إن الدولة تتحمل جزءً كبيراً من معالجة المشاكل، والمجتمع بجميع فئاته يتحمل جزءً أيضاً، فليس هناك دولة تستطيع أن تُعالج كل المشاكل التي تواجهها ما لم يكن هناك تعاون من قبل المواطنين.

من هنا على الجميع تحمل المسؤولية في هذا الجانب بأن يتعاون المجتمع مع الأطر القائمة كالجمعيات الخيرية واللجان الاجتماعية، والأندية الرياضية، والمجلس البلدي، ولا يُبرر أحد بأنه لا وقت لديه لهذه الأمور، فنحن نجد أن الكثير من أبناء المجتمع يصرفون غالب أوقاتهم على قضايا هامشية كالسهر مع الشلل وذلك على حساب عوائلهم ومجتمعهم وأعمالهم أيضاً

وأذكر هنا بعض النماذج لأطر جديدة:

أولاً- مجالس العائلة.ومن الأطر الجميلة (مجالس العائلة) والتي بدأت تتشكل وتقدم تجارب ناجحة على هذا الصعيد، وهذا الإطار مهم جداً لما فيه من تأصيل لصلة الرحم، والتي يؤكد عليها الإسلام تأكيداً بالغاً، وأحاديث رسول الله وأهل بيته الكرام تزخر بالعديد من النصوص التي تؤكد أهمية صلة الرحم، يقول رسول الله : «أسرع الخير ثواباً صلة الرحم»[8] . وفي حديث آخر عنه أنه قال: «إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصيرها الله عز وجل ثلاثين سنة، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة، فيصيرها الله عز وجل ثلاث سنين، ثم تلا ﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾»[9] .
وفي رواية أن الإمام الصادق التفت إلى أحد أصحابه وهو ميسّر وقال له: «يا ميسر لقد زيد في عمرك، فأي شيء، تعمل»؟ قال: كنت أجيراً وأنا غلام بخمسة دراهم، فكنت أجريها على خالي[10] . وفي رواية أخرى: «يا ميسر لقد حضر أجلك غير مرة كل ذلك يؤخرك الله لصلتك لقرابتك»[11] .
وسأل أحدهم الإمام الصادق وهو الجهم بن حميد قال: قلت لأبي عبد الله : تكون لي القرابة على غير أمري، ألهم علي حق؟ قال : «نعم حق الرحم لا يقطعه شيء، وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقان: حق الرحم، وحق الإسلام[12] .
فصلة الرحم قضية مهمة جداً، واعتذار البعض بالانشغالات أمرٌ غير مقبول، وفيه ضياع للأجر والثواب الجزيل، وعدم استجابة لتعاليم الإسلام، ففي الحديث عن رسول الله أنه قال: أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء، إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم وان كانت منه على مسيرة سنة[13].
فمجالس العائلة من الأطر التي ينبغي السعي باتجاهها، وليس بالضرورة أن يجتمع جميع أفراد العائلة، إذ يكفي تكوين لجنة تجتمع دورياً وهي تتفقد شؤون العائلة، ويُمكن عن طريق هذه اللجنة تجميع العائلة في فتراتٍ محددة.
ثانياً- لجان ومراكز الأحياء.
تكونت في مجتمعنا الآن أحياء جديدة والساكنون فيها من مناطق مختلفة وفي بعض الأحيان لا يعرفون بعضهم، مع العلم أن الإسلام قد أوصى بالجار وأكد على حقوقه، يقول تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾، و ﴿الْجُنُبِ﴾ تعني ليس من أقربائك، وبعض المفسرين قالوا: ليس على دينك. وبعض الروايات تُشير إلى أن حد الجوار (40) بيتاً من جميع الاتجاهات، ورد عن معاوية بن عمار أنه سأل الإمام الصادق : جعلت فداك ما حد الجار؟ قال: «أربعين داراً من كل جنب»[14] .

وفي الحديث عن رسول الله أنه قال: «والله لا يؤمن بالله، والله لا يؤمن بالله، والله لا يؤمن بالله» قالوا ومن يارسول الله؟ قال : «جار لا يأمن جاره بوائقه» قالوا: يا رسول الله وما البوائق؟ قال : «شره»[15] .

من هنا فإن وجود لجان لهذه الأحياء الجديدة أمرٌ في غاية الأهمية، وهذه اللجان من شأنها تفعيل النشاط الاجتماعي في هذه الأحياء، وطريق لتعارف أهل الحي مع بعضهم البعض. ووزارة التنمية الاجتماعية تعهدت بدعم هذه اللجان. ومن البرامج المطروحة: متابعة أمور ومصالح الحي، توثيق العلاقة بين ابناء الحي، إنشاء مكتبة عامة للحي، إنشاء نادي رياضي للنساء. وقد طبعت الوزارة كتاباً حول الموضوع بعنوان (مراكز الأحياء) 1427هـ / 2006م.
وخلاصة القول أن مجتمعنا بحاجة ماسّة لتجديد أطر التواصل الاجتماعي، فما عادت الأطر القديمة قادرة على تفعيل هذا الجانب بالشكل المطلوب