صلاة المسلمين تشهد بمحبة أهل البيت

هذا بالنسبة لأئمة المذاهب، والمسلمون بمختلف مذاهبهم يُقرّون بمحبة أهل البيت ، ويشهدون لهم بالفضل، فكل المسلمين في تشهدهم في الصلاة يقولون: «اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد»[25] ، وهذا واجب عند الشافعي وعند احمد بن حنبل على قول[26] . والملاحظ هنا لم يُذكر أحد سوى أهل البيت، وهذا بسبب صريح النص الذي ورد عن رسول الله في كيفية الصلاة عليه، فحينما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، سُئل : كيف نصلي عليك؟ فعلمهم هذه الصيغة التي تشمل النبي وآله، قال : «قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»[27] ، ولذلك فإن عدم ذكر الآل في الصلاة يجعلها بتراء فقد روي عن النبي أنه قال: «لا تصلوا علي الصلاة البتراء». قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال: «تقولون: «اللهم صل على محمد وتسكتون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» [28] ، واقتصار الصلاة على النبي وآله في التشهد دون ذكر الآخرين ميزة واضحة.


كتب العلماء تزخر بفضائل أهل البيت

أما الكتب فقد أفرد كثير من علماء السنة كتباً في فضل أهل البيت، وأكتفي بذكر نماذج معاصرة، مع العلم أن في الماضي كُتبٌ كثيرة كنور الأبصار للشبلنجي، وذخائر العقبى للطبري وينابيع المودة للقندوزي والمناقب للخوارزمي وغيرها.

أما الكتب المعاصرة فكثيرة أيضاً، ومنها: كتابٌ لعالم معاصر من علماء الحديث المعروفين وهو الشيخ محمود سعيد بن محمد ممدوح من علماء مصر ويعتبر ضمن المدرسة السلفية في مجال الحديث، وهو من المحدثين و يعترف جميع علماء الحديث بمكانته العلمية، وله كتب تباع في المملكة، وكتبه من الكتب العلمية في مجال الحديث، هذا العالم وقبل سنتين طبع كتاباً مهماً جداً وقد قدّم له مستشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة السيد علي الهاشم، والكتاب مطبوع من قبل مؤسسة الفقيه في أبو ظبي عام 1425هـ كتاب جميل ورائع، عنوانه: (غاية التبجيل وترك القطع في التفضيل)[29] ، يقع في حوالي ثلاثمائة صفحة أو أكثر، وكله مدعّم بالأدلة والنصوص. في هذا الكتاب يؤكد على حقائق كثيرة وهامة من أبرزها هذه الحقيقة، يقول في(ص36): ما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل أنه لم يُروَ في فضائل احد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب ، ويقرر أيضا حقيقة أخرى: أن الذين يرون أفضلية الخلفاء على الإمام علي فيه نقاش، فالتقدم في الخلافة تقدم زمني لا يدل على الأفضلية، يقول في (ص67): وفد يحتج أو يستأنس بعضهم على الأفضلية بترتيبهم في الخلافة، فيقال: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، كترتيبهم في الخلافة، وهذا التلازم فيه نظر، فبعد الاتفاق على أنه ظني، فإنه لا يصلح دليلاً على تفضيل متقدّم في الخلافة على متأخر، لأن الخلافة بعد انتقال النبي ، والناس لا يتفاضلون بالمناصب بل بكثرة الفضائل والخصائص.

ويأتي بآراء بعض الصحابة حول أفضلية علي بن أبي طالب على جميع الصحابة، ويذكر منها هذا الحديث ويصححه يقول سئل أبو ذر صاحب رسول الله ، الذي قال فيه : (ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر)[30] ، يقول في (ص129): جاء رجل أبا ذر وهو في مسجد الرسول فقال: يا أبا ذر ألا تخبرني بأحب الناس إليك، فإني أعرف أن أحبّهم إليك أحبهم إلى رسول الله ؟ قال: إي ورب الكعبة إن أحبهم إليَّ أحبّهم إلى رسول الله وهو ذاك الشيخ، وأشار بيده إلى علي وهو يصلي أمامه).

وذكر في (ص 135) عن عبدالله بن مسعود أنه قال: كنّا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب.

والجميل أن المؤلف أفرد في كتابه فصل حول فاطمة الزهراء تحت عنوان: تنوير الأفئدة الذكية بتفضيل البضعة النبوية في(ص95)، يقول فيه: ومنهم – أي العلماء – من يفضل فاطمة ابنة النبي على الجميع باعتبارها بضعته الشريفة المنيفة .

وذكر أن هذا مذهب أم المؤمنين عائشة، فقد صح عنها أنها قالت: ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها، ثم يذكر قول رسول الله : «فاطمة بضعة مني» ويقول: لا نعدل ببضعة رسول الله أحدا، ثم يذكر قول الألوسي: إن فاطمة من حيث البضعية لا يعدلها أحد، ويضيف في (ص96) أن الإمام مالك قال: لا أفضل على بضعة رسول الله أحدا.

نموذج ثانٍ نذكره لأحد علمائنا في المملكة وهو قاضٍ في المحكمة الكبرى بالقطيف الشيخ صالح الدرويش، فقد ألّف كتاباً حول الإمام الصادق، نعم قد نختلف معه في بعض الجوانب المذكورة في الكتاب باعتبار رؤيتنا وعقيدتنا حول الإمام ، بينما من حيث المجمل فإن الكتاب يتضمن الإشادة بالإمام والإقرار بأفضليته في زمانه، يقول: هو إمام أهل زمانه جعفر الملقب بالصادق وأبوه إمام أهل زمانه محمد بن علي الملقب بالباقر ابن إمام التابعين في زمانه علي بن الحسين زين العابدين[31] .

فواضح أن كل واحد منهم في زمانه هو إمام زمانه، وماذا يعني ذلك سوى أنه هو الأفضل في زمانه، ونقل نصوصاً كثيرة عن العلماء ومن التاريخ في فضل الإمام جعفر بن محمد الصادق .

وهناك قاضٍ آخر وهو الشيخ عبدالعزيز العمير في ذات المحكمة ألّف كتاباً تحت عنوان: نجي كربلاء عليه السلام. يعني الإمام زين العابدين وفي كتابه الكثير من التعظيم والتجليل في الإمام، يقول في مقدمته: اللهم إني أشهدك على محبتي لأهل بيت نبيك[32] .

أقول: هذا لا يعني أننا نتفق معه في كل ما ذكره في الكتاب من آراء، فمعروف أن هناك خلاف بين الشيعة وبين غيرهم في ما يرتبط في مقام أهل البيت ومكانتهم، ولكن نريد الإشارة إلى أن فضل أهل البيت وعظمتهم لا يستطيع أن ينكرها أحد.


المحور الثالث: مسؤولية التعريف بأهل البيت

في أزمنة سابقة كان هناك حظر على الحديث عن أهل البيت والإشادة بمكانتهم والتعريف بعلومهم للناس، ولذلك فإن قسماً كبيراً من الأمة لا يعرفون فضل أهل البيت ، ولم تصلهم معارفهم. ونحن الآن نعيش في عصر أصبح المجال مفتوحاً من أجل أن تتعرف الأمة أكثر على أهل البيت وهذه مسؤولية على عاتق كل عالم واعٍ من السنة أو الشيعة لأن التعريف بأهل البيت جزء من محبتهم و مودتهم المفروضة على كل مسلم بحكم القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن رسول الله .

وتختص الشيعة بمسؤولية أكبر وشاملة للتعريف بأهل البيت لأنهم أتباعهم، فعليهم أن يُصلوا صوت أهل البيت على مستوى العالم الإسلامي بل على مستوى العالم الإنساني.

والسؤال: كيف يُمكن لنا أن نقوم بواجبنا في التعريف بأهل البيت؟

في الروايات الواردة عن أهل البيت أن هناك ثلاث توجيهات أساسية في تحمل المسؤولية لنشر معارف أهل البيت والتعريف بهم:

أولاً- مسؤولية إيصال معارفهم كلامهم وحديثهم للناس.

ففي الرواية عن عبدالسلام بن صالح الهروي قال سمعت علي بن موسى الرضا أنه يقول: «رحم الله عبدا أحيى أمرنا. فقلت له: وكيف يحيى أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا الحديث»[33] ، وفي هذه الرواية أمر من الإمام أن نحيي أمرهم بإيصال معارفهم للناس، وعلينا أن نعترف بالتقصير على هذا الصعيد حيث إننا لم نولي هذا الجانب الاهتمام المطلوب، فعلى صعيد الطباعة والنشر، كم من النسخ نُشر من الصحيفة السجادية ونهج البلاغة، وإلى كم لغة تُرجما، وهذا أمرٌ في غاية السهولة، ناهيك عن الجوانب الأخرى التي ما زال العالم الشيعي متجاهلاً لها.

ثانياً- التحذير من تعريض أهل البيت للإساءة.

فنجد في روايات أهل البيت تحذيراً لشيعتهم من أن يرووا عنهم ما يسيء لهم. فقد ورد في عيون أخبار الرضا عن الإمام علي بن موسى الرضا أنه قال: «يا ابن أبي محمود أن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عز وجل :﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ - الأنعام، 108﴾»[34]

ثالثاً- الدعوة لأهل البيت بالسلوك الإيجابي.

أهل البيت كانوا يريدون من شيعتهم أن يكونوا بسلوكهم نموذجا في التعريف بأهل البيت، وقد ورد عن الإمام الصادق أن قال: «كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم»[35] .

وقال : «إن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره وقيل: هذا أدب جعفر»[36] .

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه أنه قال للمفضل: أي مفضل، قل لشيعتنا: «كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه ، وإتباع رضوان الله، فإنهم إذا كانوا كذلك، كان الناس إلينا مسارعين»[37] .

وعن سليمان بن مهران، قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) وعنده نفر من الشيعة وهو يقول: معاشر الشيعة، كونوا لنا زينا، ولا تكونوا لنا شينا، قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول، وقبيح القول[38] .

ورواية أخرى عن الأمام الصادق : «رحم الله عبدا استجر مودة الناس إلى نفسه وإلينا»[39] ، وجاء في حديث آخر: «حببونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم»[40] .
موقعية الإمام الحسين في الأمة

واضحٌ من خلال البحث كيف أن الأمة كانت تنظر إلى أهل البيت نظرة إجلال وتعظيم، والأمام الحسين بن علي كانت له موقعيته المميزة بين الأصحاب، حيث كانوا يجلونه ويحترمونه ويقدرونه، تقول كتب السير كما ورد في الإصابة عن الإمام الحسين أنه دخل مسجد جده رسول الله وهو صغير يقول : «أتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر: لم يكن لأبي منبر، وأخذني فأجلسني معه أقلب حصى بيدي فلما نزل انطلق بي إلى منزله، فقال لي: من علمك؟ قلت: والله ما علمني أحد»[41] .

وأيضا في الإصابة[42] أن عمر قال للإمام الحسين : إنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم.

وفي التاريخ فاضل الخليفة عمر بين الناس في العطاء، لكنه أعطى الحسن والحسين مثل عطاء أهل بدر مع أنهم لم يشهدوا بدراً فسئل عن ذلك، فأجاب لمكانتهما من رسول الله .

وهذا ابن عباس يزجر مدرك بن زياد أو ابن عمارة بسبب لومه إياه على مسكه الركاب وتسويته الثياب للحسن والحسين،قائلاً له: يا لكع أو تدري مَن هذان؟ هذان ابنا رسول الله ، أو ليس مما أنعم الله به علي أن أمسك لهما الركاب وأسوي عليهما الثياب[43] .

وها هو عبد الله بن عمرو بن العاص يُخبر أصحابه لما اجتاز عليهم الحسين في مسجد جده قائلاً: ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟

بلى.

هذا الماشي – وأشار إلى الحسين –[44] .

وهذا أبو هريرة يحتفي بالإمام الحسين، كما جاء عن أبي المهزم، قال: كنا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة فجئ بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة فصلى عليهما فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه فقال الحسين: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا ؟ قال أبو هريرة: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم [45] .

نعم.. لقد رأت الصحابة أن الإمام الحسين هو بقية الله في أرضه والمثل الأعلى لجده، فأولته المزيد من حبها وتقديرها، وراحت تتسابق للتشرف بخدمته وزيارته، فسلام الله على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.