حينما نقرأ التاريخ نجد أن بني أميّة كانوا يريدون التعتيم على هذه الحادثة، لينسى الناس ما حصل على أهل البيت في كربلاء، ومن أجل ذلك كانوا يعلنون ذلك اليوم عيدًا ويوم فرح وسرور، وهذا ما نجد الإشارة إليه في إحدى فقرات الزيارة الواردة عن الإمام الباقر ، حيث يقول فيها: «... اللهم إن هذا يوم تبرّكت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد».
وورد في كتب التاريخ ـ كما ينقل أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية، «فأما بنو أمية، فقد لبسوا فيه ما تجدد، وتزيّنوا، واكتحلوا، وعيّدوا، وأقاموا الولائم والضيافات، وأطعموا الحلاوات والطيبات، وجرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم، وبقي فيهم بعد زواله عنهم.
وأما الشيعة فإنهم ينوحون ويبكون، أسفاً لقتل سيد الشهداء فيه»[6] .
ورووا في ذلك أحاديث وروايات موضوعة ومجعولة، كما يشير ابن تيمية، فيقول: «.. وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه، هو من البدع المحدثة، المقابلة للرافضة»، وأضاف ابن تيمية، «.. وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه، من الاغتسال والاكتحال الخ..» وقال: « .. وأحدث فيه بعض الناس أشياء، مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها مثل فضل الاغتسال فيه، أو التكحل، أو المصافحة[7] .
ومن أمثلة هذه الروايات الموضوعة ما رووه عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ ـ سورة طه: آية 59ـ قوله: يوم الزينة يوم عاشوراء[8] .
وزعم البعض أن الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة[9] .
ولكنّنا نجد في قبال هذه الأحاديث الموضوعة أحاديثَ صحيحة في مصادر المسلمين باختلاف مذاهبهم تبيّن اهتمام رسول الله وإعلانه لحزنه وألمه لما يحدث من بعده لسبطه الإمام الحسين يوم عاشوراء، وهذا مروي في المصادر الصحيحة المعتمدة عند أهل السنة وبأسناد صحيحة عندهم.
من ذلك ما يذكره الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين عن أم الفضل بنت الحارث ـ وهي لبابة زوج العباس بن عبد المطلب أول امرأة أسلمت في مكّة بعد أم المؤمنين خديجة ـ تقول أنها دخلت يوماً على رسول الله فقالت: يا رسول الله، إني رأيت حلماً منكراً الليلة، قال: «ما هو؟»، قالت: إنه شديد، قال: «ما هو؟»، قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول الله : «رأيت خيراً، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك» فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري، كما قال رسول الله ، فدخلت يوماً إلى رسول الله فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله تهريقان من الدموع، قالت: فقلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما لك؟ قال: «أتاني جبرئيل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا. فقلت: هذا! فقال: «نعم» وأتاني بتربة من تربته حمراء».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه[10] .
وأورد المحدث الشيخ محمد ناصرالدين الألباني الحديث السابق في سلسلة أحاديثه الصحيحة تحت رقم 821 وعلّق عليه بقوله: له شواهد عديدة تشهد لصحته، منها ما عند أحمد بن حنبل (6/294) حدثنا وكيع قال: حدثني عبدالله ابن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة، أن النبي قال لإحداهما: «لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء». قال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال الهيثمي (9/187) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح[11] .
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، حديث رقم 648، بسنده عن عبدالله بن نجي، عن أبيه، أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: اصبر أبا عبدالله، اصبر أبا عبدالله، بشط الفرات، قلت وماذا؟ قال : دخلت على النبي ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أأغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك إلى أن أُشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا[12] .
في هذه الأحاديث وأمثالها ما يدلُّ على أن رسول الله كان يهتمّ بيوم عاشوراء كواقعة، وهذا أمر كان بيِّنًا واضحًا لدى أمهات المؤمنين ولدى أصحابه وأهل بيته. وفي هذا يقول ابن عبّاس: ما كنّا نشكُّ وأهلُ البيت متوافرون أن الحسين يقتل بالطف[13] .
كل هذا يدلُّ على أهمية الواقعة التي كان رسول الله يذكّر بها أصحابه وأهل بيته.
ماذا تمثّل عاشوراء في ضمير المسلمين؟
عاشوراء كواقعة من أهم الأحداث التي وقعت في تاريخ الأمة الإسلامية تمثّل لنا أمرين مهمّين، هما:
(1) عظمة الموقف المبدئي الذي وقفه سيد الشهداء الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه ، إذ كانوا قلّة قليلة، ولكنهم ضربوا أروع الأمثلة في الصمود والثبات والالتزام بالقيم والدفاع عن المبادئ والاعتراض على الظلم والفساد والانحراف. ونحن حينما نتذكّر عاشوراء إنما نتذكّر هذه المواقف العظيمة السامية والرائعة.
(2) بشاعة الظلم الذي وقع على أهل البيت وعلى الانتهاك لحرمات الله في ذلك اليوم.
فالإمام الحسين لم يكن رجلاً عاديًّا، وإنما له شخصيته ومكانته وموقعيته التي لا يجهلها أحد من المسلمين. كما أنه لم يمضِ وقت طويل على وفاة رسول الله ، الذي كان المسلمون يسمعون منه ويرون مواقفه التي يعبّر فيها عن حبّه للحسين وانشداده له.
لقد قال رسول الله على مرأى من الصحابة ومسمع منهم: «الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا».
وفي موضع آخر سمعوا منه قوله: «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما».
وروى عبدالله بن شداد عن أبيه قال: سجد رسول الله سجدة أطالها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليه، فسألناه عن ذلك، فقال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته..»[14] .
وغيرها من الأحاديث التي يتذكّرها المسلمون ويروونها لبعضهم ويتناقلونها فيما بينهم.
لذلك لا يمكن اعتبار ما حصل يوم العاشر من المحرّم من انتهاك للحرمات حدثًا عاديًّا، بل يجب التأمّل فيه جيدًا، والوقوف عند محطّات هذه الحادثة للاستفادة من أحداثها والدروس العظيمة التي تجلّت فيها
المفضلات