[align=center]نظرا لتكاليف حفر الآبار الباهظة لاستخراج النفط، تعمد شركات النفط للتأكد من وجود النفط قبل الشروع في عملية الحفر المكلفة. وقد ثبت من خلال التجربة أن جيولوجية الطبقات السطحية لا يمكن الاعتماد عليها كثيرا. فشركات النفط أمام خيارين لا ثالث لهم. إما أن يتم حفر آبارا كثيرة في أماكن مختلفة تعتمد على الحظ، قد يفشل معظمها، وهذه عملية بالتأكيد غير مربحة، بالإضافة لما تلحقه كثرة الآبار من أضرار وتخريب للطبيعة، وإما إيجاد طرق جديدة تساعد على تحديد المناطق التي يتواجد فيها النفط. فالإنسان بحاجة إلى عين تنظر إلى داخل الأرض. من هنا انطلق الإنسان واخترع أنواعا من العلوم قائمة بذاتها تساعده على تحديد أماكن استخراج الخيرات من باطن الأرض ومن أهم هذه العلوم الآتي:

- علم رسم الخرائط الجيولوجية.
- علم معالجة وتحليل الطبقات.
- علم المسح الاهتزازي للطبقات.


سنتحدث هنا باختصار عن المسح الاهتزازي محاولة منا لتسليط الضوء على بعض ما يجري في منطقة القطيف على الساحل الغربي من الخليج العربي، حيث يلاحظ منذ عدة شهور وجود الكثير من الأسلاك عبر الشوارع والحقول وبين البيوت. وما نراه هو تنفيذ لمشروع المسح الاهتزازي الثلاثي الأبعاد لحقل القطيف. وقد تم توقيع عقد لمدة 18 شهرا بين شركة ارامكو السعودية وشركة (وسترن جيوكو) على مسح منطقة مساحتها 1322كم مربع تغطي حقل القطيف. وقد بدأ العمل في هذا المشروع في بداية عام 2004م، ويعمل في هذا المشروع ما بين 500 إلى 600 شخص.

في السابق يستخدم المسح الاهتزازي لاكتشاف أماكن وجود النفط فقط، لكنه الآن يستخدم في المناطق المعروفة والمنتجة للنفط لما تقدمه هذه التقنية من معلومات جديدة ومهمة لتطوير الحقل وزيادة إنتاجه، وهذا ما يحدث لحقل القطيف الذي تم اكتشافه عام 1945م.

ويخضع كل حقل نفط في العالم إلى أربع مراحل وهي: الاكتشاف – التقييم – التطوير – الإنتاج، وكل مرحلة تحتاج إلى تكاليف كثيرة، لكن باستخدام تقنية المسح الاهتزازي يمكن توفير الكثير من الجهد والمال في كل مرحلة من هذه المراحل.


تقنية المسح الاهتزازي للطبقات:

باختصار شديد يمكن تعريف هذه التقنية بعمل زلزال خفيف للمنطقة التي يراد دراستها، ثم القيام بقياس هذا الزلزال المصطنع. ويتم هذا بارسال موجات تستطيع السفر الى باطن الأرض والتي تنعكس على الصخور المختلفة ليمكن تسجيلها على سطح الأرض. وهذه الموجات يمكن توليدها بطريقتين على اليابسة: الاولى بطريقة العربة الاهتزازية، والثانية عن طريق عمل تفجيرات بالديناميت. أما في البحر فيعمد إلى إطلاق هواء مظغوط بظغط عالي جدا في الماء لخلق الموجات المطلوبة. فقبل البدء بالتفجير وإرسال الموجات، يتم زرع كثير من المجسات في المنطقة المعينة موزعة بشكل خطوط على سطح الأرض وهي كالأذان تسمع الموجات المرتدة. وعندما يبدأ تفجير شحنات المواد المتفجرة والتي توضع في حفر صغيرة، يولد الانفجار موجات من الاهتزازات تنطلق وتسافر إلى طبقات الأرض وعندما تتغير طبيعة الصخور أو كثافتها ترتد بعض من هذه الموجات إلى السطح حيث تنتظرها المجسات المنتشرة هنا وهناك وتسجل المدة الزمنية التي سافرتها هذه الموجات عن طريق جهاز مقياس الاهتزازات (السيزموجراف). وكلما تغيرت نوعية الصخور ارتد جزء من الموجات إلى السطح.

والمجسات تستطيع قياس نوعين من الموجات المرتدة، موجات عمودية وموجات أفقية. ومعدل سرعة هذه الموجات يساوي 6000 مترا في الثانية. وبقياس الوقت الذي تستغرقه الموجات من السطح إلى الصخور ومن الصخور إلى المجسات يمكن معرفة نوعية الصخور وعمقها. إذ أن الموجات تنتقل عبر التكوينات الصخرية الصلبة بسرعة اكبر من انتقالها عبر التكوينات الهشة كالرمال والطين.



معالجة المعلومات:

بعد التفجير تستطيع المجسات سماع وتسجيل الملايين من القراءات للموجات المنعكسة، وعندما تجمع هذه المعلومات، يأتي دور الحاسوب السريع لمعالجة هذه الموجات ويحولها إلى خطوط (تسمى خطوط السيسمك) والتي تشبه إلى حد ما خطوط الموجات التي يحدثها القارب على سطح البحر. هذه الخطوط تجمع مع بعضها لتكون صورة على شكل خارطة للطبقات الأرضية. هذه الخرائط تساهم إلى حد كبير في تحديد المنطقة الجغرافية لحقول النفط. ولأن عدد النقاط التي يسجلها مقياس الاهتزازات قد يصل إلى مئات الملايين فقد تم تطوير برنامج متقدم للحسابات اللوغارتيمية لمعالجة هذه القراءات. إن تأثير الأصوات الدخيلة على المجسات تعتبر من أهم المشاكل التي تواجه تقنية المسح الاهتزازي. هذه الأصوات تأتي من أجهزة التسجيل ومن حركة الناس والسيارات. لكن بفضل الأنظمة الجديدة يتم حذف المؤثرات الصوتية بعد كل عملية تسجيل، وقد قدمت تقنية النظام الرقمي والحاسوب السريع وأجهزة تحسين وتصفية الصوت دعما كبيرا لنجاح تقنية المسح الاهتزازي. وباختصار شديد تتم معالجة المعلومات التي تم استقبالها عبر الخطوات التالية:

1. إبعاد وحذف كل التأثيرات الصوتية الدخيلة.

2. تجميع الموجات الصوتية السليمة المرتدة.

3. تحديد عمق النقاط التي انعكست عليها الموجات.

4. عمل تصحيح على الوقت التي استغرقته الموجات بالنسبة لأماكن المجسات.

5. تجميع النقاط لعمل مقطع.

6. تجميع المقاطع لعمل خارطة.


المسح الاهتزازي الثلاثي الأبعاد:

يطبق المسح الاهتزازي الثلاثي الأبعاد لحل المشاكل وتقليل اتخاذ القرارات الخاطئة في المناطق الجديدة والمناطق التي يتم تطويرها أو زيادة إنتاجها. هذا النوع من المسح يستخدم لوصف مكامن النفط تحت الأرض وصفا يساعد على وضع خطة سليمة لإنتاج النفط ويقدم تصورا اقرب إلى الواقع عن حركة السوائل تحت الأرض ويوفر رؤية حقيقية لمكامن النفط. وباستخدام الكم الهائل من المعلومات والنقاط التي يسجلها المسح الاهتزازي الثلاثي الأبعاد وبفضل وجود تقنية الحاسب الآلي السريعة والمتطورة، أمكن عرض هذه المعلومات على شاشات في غرف إذا دخلتها كأنك في وسط مكمن النفط، تستطيع أن ترى البناء الطبيعي لمصائد النفط وكل ما يحتاجه مهندس النفط من تركيبات المكمن وعمقه، وباستطاعة المهندسين فهم ما يحدث ومشاهدة تأثير أي قرار يتخذ رأي عين.

وإذا ما ادخل عامل الوقت على تقنية المسح الاهتزازي الثلاثي الأبعاد، أصبح عندنا ما يسمى الآن بالمسح الاهتزازي الرباعي الأبعاد، والذي يقدم صورة مستقبلية لحركة السوائل في المكمن، ويعد هذا خطوة متقدمة وحديثة في علم المسح الاهتزازي.

كما يقدم المسح الثلاثي الأبعاد تصور عام تفصيلي للطبقات الأرضية من انكسارات وطيات للصخور يمكن المهندسين من فهم البيئة الرسوبية القديمة ويمهد لوضع الأسس لاستقراء تاريخ عملية ترسب الصخور منذ ملايين السنين.



نتائج مذهلة:

تنفق الدول وشركات النفط أكثر من 20 بليون دولار سنويا على حفر الآبار. وعند حفر كل بئر تكون حياة الإنسان وجهاز الحفر العالي التكاليف عرضة لكثير من المخاطر. وأخطر هذه المخاطر هو حفر طبقات تحتوي على ضغط عالي غير متوقع. لكن في حالة معرفة مهندس الحفر بطبيعة الطبقات الأرضية يساعد كثيرا للاستعداد لأي طارئ.

خرائط المسح الاهتزازي تستخدمها شركات النفط لتحديد نوعية الصخور التي يتواجد فيها النفط أو الغاز وبناء عليها يتحدد مواقع حفر الآبار. وقد أثبتت هذه التقنية فعاليتها كأفضل الطرق للتنقيب عن النفط لما تقدمه من توضيح للبنية التركيبية للطبقات، خاصة بعد إدخال تقنية المجسات ذات البعد الثلاثي وتطوير أجهزة التنصت العالية الدقة، جاءت النتائج مذهلة مما أدى إلى زيادة ارتفاع معدلات النجاح عن التنقيب للنفط والغاز من 40% إلى 70%.

واستطاعت هذه التقنية من اكتشاف المصائد الصغيرة والغير واضحة للنفط. وهذا يعني توفير الملايين على شركات النفط مما يدعم في النهاية المحافظة على أسعار معقولة للنفط في الأسواق. إن تطوير المسح الثلاثي الأبعاد يعتبر من أهم المنعطفات التقنية في الصناعة الحديثة وخاصة صناعة النفط، إذ انه استطاع أن يجعل ما تحت الأرض ممثلا في مكعب في متناول اليد يحتوي على خطوط تمثل تصويرا مشابها تماما للواقع. فكما أن أشعة اكس تستطيع تصوير الهيكل العظمي للإنسان بدون أحداث أي جرح أو قطع لجسم الإنسان، كذلك المسح الاهتزازي يقدم لنا صورة للهيكل الصخري على شكل خرائط بدون حفر هذه الصخور.

علماء الأرض من جيولوجيين وجيوفيزيائيين يقدمون بهذه الخرائط معلومات وتفاصيل عن أماكن تواجد النفط والغاز، ولكن حفر الآبار يبقى هو الدليل القطعي على وجود النفط أو الغاز تحت الأرض.

المصادر:


1- Modern 3-D Seismic Interpretation, by Dorn, G. A., The leady
EDGE (Sep. 1998).


2- Insight Schlumberger, Project news, May 2004.


3- Seismic applications throughout the life of the reservoir,
by, Oilfield Review, summer 2002
.


المصدر : حسن الشيخ علي المرهون - « قطيفيات » - 27/08/2004م

ابو نوره[/align]