النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: هواجس طفلة من الماضي

مشاهدة المواضيع

  1. #1
    عضو فعال الصورة الرمزية احمد السهلاني
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    المشاركات
    95
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    230

    هواجس طفلة من الماضي

    (هواجس طفلة من الماضي)
    قصة قصيرة

    كانت في بطن امها حينما سمعت صراخ النساء وصراخ اخوتها الذين لم ترهم بعد, تسائلت هل حانت ساعة ولادتي لتبكي امي ومن حولها ! اذن لماذا يبكون
    بحرقة شديدة !!! ولماذا يلطمون ! هذا هاجسها الذي لم تتذكره بعد ,مر احد عشر يوما بعدها خرجت الى الدنيا لتستفسر عن ابويها , كان من المفروض ان تراهم سوية فرحين بقدومها, بكت كما يبكي الاطفال
    عادة لتجد امها المخضبة بالسواد التي لم يسمح لها ضيمها ان تبتسم بوجهها البريئ ,وجهها الذي سترسم عليه تسائلات كثيرة تسئل المجهول عن السبب , لم يفوتها ان تعرف انها يتيمة منذ يوم ولادتها اي قبل اثنى عشر يوما من ولادتها حيث قتل ابوها في الحرب ,نعم

    عرفت انها يتيمة لذا لم تتدلع لابيها كما تفعل البنات, حيث كبتت بكائها راضية بأي سرير وغاضة نظرها عن كل ما يتمناه الصغار سامحةَ لامها ان تبكي على زوجها عسى ان تسترد عَبرَتها امل الحياة .
    كان رأسها الصغير يعج في الافكار كان لها كبرياء كبير وطهارة في القلب انعكس طهرها على شكلها الجميل وعلى وجهها الوديع, وكأن يد الله كانت اول الماسحين على راسها المتيتم .كانت تقنع نفسها بان اباها موجود ولكن ليس مثل كل الآباء كان متخفيا تراه كلما اقبل عليهم الزائرون لتٌفتًح غرفة الضيوف (الديوانية ) حيث علقت صورة اباها , كانت تنظر بعيون ابيها
    تحسبه يبادلها النظرات تتكلم من داخلها معه, تعاتبه بدمعتها الصغيرة عن غيابه وعن فراق حنانه , هي لم تره

    رأي العين,
    ولكن بقلبها ملتصق, مذعنا كبريائها: ان لها اباً لم يعش, لان سفاحا اراد ان تكون هنالك حرب, ليكون هنالك موت يسحق الاباء ويسحق قلوب ابنائهمُ اليتامى .

    كانت تفكر بصوت مكبوت , صوت لم يسمعه احد , وكأنها
    ممنوعة عن السؤال , او مبتعدة عن الجواب, ام انها لا تعرف ان هنالك من يجيب او ان فكرة السؤال لم تخطر
    على بالها ..
    كانت تفكر ليلا كباقي اليتامى ماذا لو كان لي ابا ؟ هل يجلب لي ابي دشداشة العيد الملونة ؟ , كما جلب ابو شيماء لابنته ! ام ان ابي له ذوق اخر ؟ فيجلب لي ..... كانت تقاطع افكارها مرة بعد مرة كي لا تنهي تسائلاتها فليالي الشتاء طويلة لا تريد ان تفسد نشوة التفكير بعالمها الابوي .
    كانت ايام الحرب الطويلة تشهد انتظارٌ للآباء ولحظات استقبال للأطفال وشوق وخوف وحنين للزوجات , كانت اياما لا تنسى ثمان سنوات من الموت اعتصرت الارض ضحايا البشر واختنق التراب بموتاه.
    كان كلما جاء جندي في اجازة بعد اشهر من غياب يتجمع

    الجيران والاقارب ويركض الابناء لابيهم فتكون هناك لحظة عاطفية تنزل فيها دموع الحاضرين فرحا بالقدوم , اما هي فدمعتها لم تكن ذا مذاق فرح او اشتياق , بل ان دمعتها تنزل انزلاقا بحالتها الصلبة , دمعة تتصلب الما قبل نزولها ,كانت تنأى منكسرة على احد الاسيجة القريبة او اي شئ يصلح للاستناد لتتابع المشهد , خالقةً لنفسها ذات الكبرياء خصوصية لمساحتها المرئية لتنعزل للحظة عن ما يحيطها لتريح نفسها بدمعة صغيرة وتنهيدة .
    كانت هذه البنت في قرية ريفية صغيرة تتناثر بيوتها على
    جنبات الطريق الترابي كانت تجمعهم افراحهم واحزانهم وكانت هنالك فسحة يلعب بها الصغار تشرف على الطريق , كان الاطفال الحفاة يرون القادم من بعيد فأذا قدم احد فانك سترى احد الاطفال يركض مسرعا الى بيته لينتعل خفيه كي لا يراه اباه.
    كانت تراقب حركات الاطفال وخاصة ما يتعلق بآبائهم ، كانت تنتعل خفيها كل الوقت كي لا تخطف ببصرها عن ابيها اذا ظهر, ليشاهد ابنته التي لا تريد ان يراها وهي حافية القدمين , كانت تراقب قدميها بين لحظة ولحظة كي تتأكد من قيافتها لترجع اخر النهار بقدمين صغيرين متعرقتين يحملان جسدا صغير مثقلا بما فقد !! .

    كانت لهذه المواقف خصوصية في تفكيرها الليلي , وهي ملتصقة بأمها , كانت عيناها الصغيرتين اللامعتين في الظلام ترمشان, بينما هي تستذكر احداث اليوم , هي تعرف بفطرتها انها لم تكن اليتيمة الوحيدة , متيقنة ان اليتم خنجرها الذي يرقد بين احشائها لتشعر بالالم في كل حركة من حياتها .
    السنين تمضي لتكبر مع عالمها الذي ارهقته معاناتها لتنمو مع الزمن افكارها وقناعاتها لتصل الى عمر تستطيع ان تتخلى عن حاجتها لما تسميه بالابوة , وايقنت بعدها ان شعور اليتم ترك في داخلها فجوة لم تمتلئ بعد حتى وان اصبحت ام لاولادها , فهي لازالت تنظرالى الطريق عسى ان ترى ما لم تره في طفولتها .



    بقلم:احمد عبد الكريم السهلاني
    التعديل الأخير تم بواسطة احمد السهلاني ; 04-29-2008 الساعة 10:55 PM
    السهلاني

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. شبح الماضي . .ّ!
    بواسطة عاشقة المستحييل في المنتدى منتدى القصص والروايات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-12-2009, 07:53 PM
  2. هواجس روح
    بواسطة *زهرة البنفسج* في المنتدى منتدى الشعر والنثر
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 04-05-2009, 10:10 PM
  3. هواجس الأشــــــواق
    بواسطة عذاب المشاعر في المنتدى منتدى الشعر والنثر
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 04-09-2008, 08:27 PM
  4. ذكريات الماضي
    بواسطة Sweet Magic في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-18-2008, 12:44 AM
  5. :. هواجس عالمي .:
    بواسطة سوبر ستار العشق في المنتدى منتدى الشعر والنثر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-16-2007, 11:23 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •