الســـلام عليــكم ورحمــة الله وبــركــاتــه



(( فكر خارج الزجاجة )) إحدى أهم العبارات الشائعة أخيرا لتشجيع الناس على حل مشكلاتهم عندما يتعلق الأمر بالاضطرابات الانفعالية ، وهي طريقة انتهجها علماء الغرب لإعادة بناء حيوية الإنسان الطبيعية ، أو للتخلص من عادة سيئة مثل الإدمان ، أو لعلاج حالات الانهيار العاطفي الذي يكون غالبا نذيرا أكيدا بالاكتئاب .

وتقوم هذه القاعدة على عنصرين هما الزجاجة والإوزة ، فعندما يطلب من شخص إخراج إوزة سمينة من زجاجة عنقها ضيق جدا من دون أن يؤذيها أو أن يكسر الزجاجة ، فكيف يكون الحل ..؟؟

الإجابة هي أنه كما تخيل أن الإوزة السمينة داخل الزجاجة ، فبإمكانه تخيلها خارجها ، والقصد أن جزءا كبيرا جدا مما يشغلنا من مخاوف واعتقادات سلبية وقلق يومي ، يعد وهميا ومن صنع خيالاتنا ، كتلك الإوزة في داخل الزجاجة ... نحن دائما نتخيل المآزق وننميها ونجعل منها عدوا شرسا يصعب التغلب عليه أو التخلص منه ، في حين أنها ليست إلا اختلاقات من تصوراتنا ، والتي غالبا ما تكون نتاجا الإرهاق الجسدي والحسي والعصبي .

الإنسان في عالمنا اليوم ربما يشعر في أحيان كثيرة بأنه محطم من الداخل، مهشم الإرادة، ذليل تحت سطوة ظروف خارجة عن رغبته... ولو افترضنا أن الإوزة تلك ،هي مجمل مشكلاته أو بعض من شعوره بالحزن أو التشاؤم أو الفشل أو الخوف من المستقبل ، أو تأنيب الضمير أو الكتب ، أو نقص الحيوية والنشاط ، ولو حاولنا بناء هذا الإنسان من جديد ، فإن أهم خطوة يجب اتخاذها هي أن يصبح الوصول إلى عنق الزجاجة هدفا رئيسيا ، وهنا لن يعود من المهم كم شوطا قطعنا من المسافات ، وكم هو باق للوصول إلى الحرية ، بل المهم أننا وصلنا فعلا إلى عنق الزجاجة ، .... ربما تتكلل محاولاتنا للخروج من هذا السجن الانفرادي بالنجاح، فنتابع مسيرتنا نحو المزيد من النجاحات، وربما نفشل ببساطة فنقع في قعر الزجاجة !

علينا أن نؤمن ثانيا بأن سبب انتكاساتنا في الأساس مبني على نظرتنا تجاه الأمور ؛ فإذا صنفنا أمرا ما على أنه مشكلة ، لن يكون مشكلة بالفعل إلا إذا قيمناها نحن كذالك ...

ربما تسيطر على بعضنا فكرة ( ما بعد الزجاجة ) والتي يفترض أنها مرحلة تعيد الأمور إلى سياقها ، وترسم الغد بألوان براقة ، كمحاولة أولى للانخراط في الحياة بشكل طبيعي ، والهروب من الخوف المتورم في دواخلنا ، ولكن يبدو خيار الاستسلام وقبول البقاء في الزجاجة ، وعدم القيام بأي تصرف معاكس لذلك الوضع الخانق ، وهو الخيار الأسلم والأسهل أمام بعض الذين يصلون فعلا إلى عنق الزجاجة بعد جهد جهيد ، ولا يستطيعون المواصلة والخروج منها تماما ، فيتحرك الخوف فيهم ليقمع كل حركة إيجابية من شأنها القضاء عليه بغية الخلاص من رحى الاستعباد النفسي والذهني ، لأن التغير الايجابي ربما يأتي بمفاجآت قد تعكر نمط الحياة الروتينية التي أدمنتها أجسادهم ، وتروضت عليها جلودهم ، ويخرج بها من عنق الزجاجة حيث الذات المتحررة ، لذا يختارون الانكسار ة والسقوط في قعر الزجاجة في كل مرة ، مستغرقين وقتا يزداد امتدادا كلما زادت مرات الانكسار للنهوض ثانية والتفكير في الخروج من عنق الزجاجة ...

لو بدأنا نكتشف جوهر المأساة التي تسكننا...، لو أعدنا توظيف الذاكرة بفصلها عن الوهم، وانطلقنا نحو التغير... لو أعدنا بناء القناعات الإنسانية بعقلانية وموضوعية ... لاستطعنا جميعا الخروج من الزجاجة، ولكن بشرط واحد هو: لو أردنا فعلا...، فالتغيير سنة الحياة ، وهو أمر حتمي ، وفي المقابل فإن العجز عن التغير مرادف أساسي للاندثار ، وهو نتيجة للشعور بــــ ( فوبيا ) الخوف غير المبرر المخزن في ذاكرة الفرد ، والذي غالبا ما يواجه بالهرب من خطر وهمي ...

ولكــــن ...

ماذا لو لم يكن الاختيار في أيدينا ؟ ...

ماذا لو كانت الزجاجة نفسها مهددة بالانفجار بمن فيها ؟ ...

ما الخيار هنا ؟! ...


هذا مقال نقلته ايلكم من مجله بنت الخليج بقلم الكاتبه نوره السويدي
وقد اعجبني فاتمنى ان يعجبكم
مع خالص تحيباتي الريشه الناعمه