مازلنا مع صفحات كتاب ( وطني حبيبي ) وفي هذه الحلقة سوف نتعرف علي :
البطل/ المشير ( محمد عبد الغني الجمسي )
_________________________________
البطل المشير ( محمد عبد الغني الجمسي ) وزير الدفاع الاسبق ..
احد رموز العسكرية المصرية ومفكريها العظام .. خدم بالقوات المسلحة لمدة اربعين سنة تقريبا ، وعاصر كل المعارك التي خاضتها مصر ضد اسرائيل ، ونظرياته تدرس في الاكاديميات العالمية ، وقد قال عنه الرئيس السادات : ( انه رجل عسكي يصلح لمائة عام من الخدمة العسكرية ) ووصفته الصحف الاسرائيلية بــ ( الجنرال النحيف المخيف ) نظرا لضآلة جسمه وكفاءته العالية في العمل العسكري طوال مدة خدمته بالقوات المسلحة المصرية ، ووصفته الصحف الامريكية بأنه ( من اعظم 50 شخصيةعسكرية عرفها القرن العشرين ) .
ولد البطل ( محمد عبد الغني الجمسي ) في عام 1921 بالبتانون مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية ، وتلقى تعليمه الثانوي بها .
في شهر نوفمبر عام 1939 تخرج في الكلية الحربية ليبدأ حياته العسكرية ضابطا بسلاح المدرعات ، وتولى خلال مشواره العسكري مناصب عدة فقد تولي قيادة تشكيلات المدرعات ، ثم رئاسة حرب سلاح المدرعات ، وقاد اللواء الثاني مدرع بالفتاة ، بعدها التحق باكاديمية مزونزا بالاتحاد السوفيتي ، وعاد في نهاية عام 1961 م ليتولي قيادة احدث مدرسة مصرية للمدرعات ، وتولي بعد ذلك رئاسة فرع المدرعات بهيئة التدريب ، والتحق باكاديمية ناصر العسكرية العليا ، وفي شهر يوليو عام 1966 م اسند اليه اللواء ( احمد اسماعيل ) رئيس اركان القوات البرية .. رئاسة عمليات هذه القوات .
واعجب البطل ( محمد عبد الغني الجمسي ) بالقادة العسكريين الانجليز والالمان والبارزين في الحرب العالمية الثانية ، واسترشد بآرائهم في المواقف والعمليات العسكرية التي قاموا بها منذ ان كان ضابطا بالقوات المسلحة المصرية .
شغل العديد من المناصب القيادية بالقوات المسلحة المصرية وكان رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة في حرب اكتوبر 1973 م .
وعن حرب يونيو 1967 م قال : ( اتخذت القيادة السياسية قرارات سياسية دون ان تكون القوات المسلحة مستعدة لتنفيذها ، والقيادة العامة للقوات المسلحة كانت تلعب دورا سياسيا اكبر من الدور العسكري ، ولم يكن هناك فاصل بين السياسة والعسكرية ، وكانت القرارات السياسية والعسكرية خاطئة تماما ، وبالتالي وقعت هزيمة يونيو عام 1967 م المرة ، فالمشير عبد الحكيم عامر وزملائه لم يكونوا مستعدين للحرب ومع ذلك دخلوها ، وحشد الرئيس جمال عبد الناصر القوات المصرية في سيناء دون مبرر قوي ، وقد قال انه حشدها لان سوريا مهددة من اسرائيل وان مصر سوف تقدم لها العون .. كما قام بابعاد قوات الطوارئ الدولية التي كانت تفصل بين مصر واسرائيل مما ترتب عليه ان اصبحت دول كثيرة معادية لمصر ، والخطأ الاكثر خطورة هو ان اسرائيل اعلنت انه لو اغلق مضيق تيران ( العقبة ) في اتجاه ايلات فان ذلك يعد بمثابت اعلان للحرب مع اسرائيل ، ورغم ذلك قام الرئيس جمال عبد الناصر باغلاقه فاصبحت الحرب مؤكدة )
وبعد هزيمة يونيو عام 1967 م تقدم البطل اللواء محمد عبد الغني الجمسي بالاستقالة نظرا للهزيمة المريرة بالاضافة الي اخلاء الطريق امام قيادات جديدة للقوات المسلحة تستطيع ان تسترد سيناء بعد احتلالها ، ولكن رفضت الاستقالة وتم تعيينه رئيسا لاركان جبهة قناة السويس مع الفريق اول احمد اسماعيل قائد منطقة السويس اثناء معارك الاستنزاف ، واستمر البطل محمد عبد الغني الجمسي في موقعه حتي حرب اكتوبر 1973 م .
مرت القوات المسلحة المصرية بست سنوات عجاف من يونيو عام 1967 م وحتي عام 1973 م ورفض الشعب والجيش مرارة الهزيمة ، وبعد اقل من شهر بعد نكسة 1967 م تمكن عدد محدود من جنود الصاعقة صد هجوم بعض الدبابات الاسرائيلية وانتهى القتال الذي دام اياما بايقاف تقدم القوات الاسرائيلية نحو جنوب بورسعيد ، ولم تعاود القوات الاسرائيلية الهجوم عليها ابدا ، وظلت رأس العش المنطقة الوحيدة التي لم تدنس بالاحتلال والقوات الاسرائيلية ، وفي يومي الرابع عشر والخامس عشر من شهر يوليو عام 1967 م قامت القوات الجوية المصرية بطائراتها المتبقية بغارة ضد المواقع الاسرائيلية قرب القنطرة وفجرت ودمرت تشوينات الاسلحة والذخيرة التي جمعتها اسرائيل من سيناء ، ولاحت بوادر استرداد الثقة حينما تمكنت لنشات الصواريخ المصرية قرب بورسعيد في الحادي والعشرين من شهر اكتوبر عام 1967 م من اغراق المدمرة الاسرائيلية ـ ايلات ـ والتي كانت تعادل ثلث المدمرات الاسرائيلية الموجودة بالبحر .
وتوالت قصفات المدفعية المصرية علي طول مواجهة قناة السويس حتي عشرين كيلو مترا داخل سيناء .
وفي عام 1968 م اصدر الرئيس جمال عبد الناصر القانون رقم 4 الذي نظم وضع القوات المسلحة ضمن الاطار العام لاجهزة الدولة وحدد بمقتضاه سلطات فعالة لرئيس الجمهورية بوصفه القائد الاعلي ، واختصاصات وزير الحربية ورئيس الاركان ، وتم اعادة تنظيم المناطق العسكرية لتغطي ارض مصر كلها ، وتم علي اساس هذا التنظيم تحويل تنظيم قيادة المنطقة العسكرية الشرقية التي كانت تخضع لها من قبل وحتي عام 1967 م القوات الموجودة في سيناء ، ومنطقة القناة بقيادتين ميدانيتين اقتسمتا الجبهة بالتساوي وهما : الجيش الثاني الذي كلف بالقطاع الشمالي من الجبهة ، والجيش الثالث الذي كلف بالقطاع الجنوبي ، وانشئت ايضا قيادة قوات الدفاع الجوي واصبحت مع اوائل عام 1968 م بمثابة القوة الرئيسية الرابعة في القوات المسلحة .
والقوات الجوية شهدت منذ تولي البطل محمد حسني مبارك قيادة الكلية الجوية ثم رئاسة اركان القوات الجوية ثم قائدها عملية بناء غير مسبوقة شملت تخرج 12 دفعة من الطيارين ، 10 دفعات من الملاحين ، وتجهيز هندسي لمختلف المطارات والقواعد الجوية وانشاء مطارات جديدة في كل انحاء مصر ، وتعددت صور الانشاءات بين دشم محصنة ، ودشم ذخيرة ، ومراكز قيادة ، وبلغ حجم الانشاءات في القوات الجوية ثمانية اضعاف الهرم الاكبر ، وتضاعفت ساعات الطيران للطيارين مرتين ونصف ، وتضاعفت طلعات رمي الطيارين بالقنابل والصواريخ مابين 18 الي 20 مرة .
وكانت عملية اعادة بناء قوات الدفاع الجوي تمثل في حد ذاتها قصة بطولة بمفردها حيث كان لدينا فقط بضعة مدافع ورشاشات مضادة للطائرات ، وعدد ضئيل من بطاريات الصواريخ ، وقليل من اجهزة الرادار .
وقد حاولت اسرائيل تدمير ارادة مصر فقامت بغارات جوية وصل عددها من يوليو حتي سبتمبر عام 1969 حوالي 1000 غارة في العمق ضد بعض الاهداف المدنية لتوسيع رقعة القتال.
و اتخذ الرئيس جمال عبد الناصر قرارا ببناء مواقع محصنة لصواريخ الدفاع الجوي ثم اتخذ قرارا باقامة حائط الصواريخ علي امتداد الجبهة الغربية لقناة السويس ، ووصل حجم الاعمال الهندسية في حائط الصواريخ 12 مليون متر مكعب اعمال ترابية ، و مليون و نصف مليون متر مكعب من الخرسانة العادية ، ومليونين خرسانة مسلحة ، 800 كيلو كتر طرق اسفلت ، 3000 كيلو متر طرق ترابية ، و قدرت تكاليف حائط الصواريخ بحوالي 76 مليون جنية ، وبعد عملية اعادة البناء تم تنفيذ العديد من العمليات القتالية كبرفة طبق الاصل لعملية العبور ففي سبتمبر عام 1968 قامت المدفعية المصرية بتدمير بطاريات الصواريخ ارض / ارض قصيرة المدى التي اقامتها اسرائيل في مواجهة مدينتي الاسماعيلية و السويس و بقية القرى بمنطقة القناة ، ورغم محاولات اسرائيل التدخل بقواتها الجوية ضد المدفعية المصرية فان عمليات القصف المدفعي تواصل جنبا الي جنب مع عمليات العبور و التي تزايدت بشكل كبير منذ يونيو 1969 .
وفي يوليو 1969 قامت قوة مصرية بعملية عبور من منطقة بور توفيق و اقتحمت موقعا اسرائيليا و قتلت و جرحت نحو 40 جندي و استمرت في الموقع لمدة ساعة بعد ان دمرت 5 دبابات اسرائيلية و مركز مراقبة و عادت باول اسير اسرائيلي ، و في التاسع من ديسمبر عام 1969 قامت طارة ميج 21 مصرية باسقاط اول طائرة فانتوم اسرائيلية .
و في يوليو 1970 تمكنت صواريخ الدفاع الجوي في اسبوع واحد من اسقاط 17 طائرة اسرائيلية فيما عرف باسبوع تساقط الطائرات الفانتوم الاسرائيلية .
و خلال معارك الاستنزاف خسرت اسرائيل ثلاثة امثال ما لحقها من خسائر بشرية خلال حرب 1967 ، و فقدت خلالها 40 طيارا ، 27 طائرة قتال ، و مدمرة ، و 7 زوارق و سفن انزال ، و119 مجنزرة ، 72 دبابة ، 81 مدفع ميدان و هاون ، و مقتل 827 جنديا و ضابطا و اصابة 2141 فردا .
و شمل الاعداد لحرب اكتوبر 1973 ايضا انهاء خدمة المستشارين و الخبراء السوفيت بالقوات المسلحة في يوليو 1972 و تغيير القيادة العسكرية بالقوات المسلحة في اكتوبر من نفس العام ، و حرصت القيادة السياسية علي الاقتراب من مشكلات القوات المسلحة ، و تركزت خطة الاعداد للحرب علي ركائز هي :
- مراجعة الخطة الدفاعية و التي كانت منفذة في ذلك الوقت و معالجة اوجه النقص فيها .
- تعويض النقص في الاسلحة .
- التركيز علي تنمية الطاقات الفكرية و المعنوية .
وقام المهندسون العسكريون منذ عام 1972 باجراء 300 تجربة لفتح الثغرات في الساتر الترابي ، و تقرر ان يكون اسلوب التجريف بالمياة هو الاسلوب الامثل فتم شراء 300 مضخة مياة انجليزية المانية في اوائل عام 1973 علي ان تخصص 3 مضخات انجليزية و مضختان المانياتان لكل ثغرة بعد ان ثبت انه من الممكن ازاحة 1500 متر مكعب من الرمال و الاتربة خلال ساعتين بعدد من الافراد يتراوح ما بين 10 : 25 فردا ، و بعد التغلب علي مشكلة الساتر الترابي كان التحدي الثاني الذي يواجه المهندسين العسكريين و هو توفير مستلزمات عبور قناة السويس ، و منذ عام 1968 و حتي 1973 تم انتاج الكباري و تصنيع 2500 قارب لعبور قوات المشاه في المرحلة الاولي لعملية العبور ، وتم وضع خطة الهجوم علي اساس ان تكن بخمس فرق مشاه اثنتان من الجيش الثالث ، و ثلاثة من الجيش الثاني علي طول مواجهة قناة السويس علي خط يمتد 160 كيلو مترا من بور سعيد شمالا حتي السويس جنوبا لارغام القوات الاسرائيلية علي توزيع ضرباتها الجوية المضادة علي قواتنا و بعثرة و تشتيت القوات الاسرائيلية المدرعة عند قيامها بشن هجماتها المضادة ، ثم ان اتساع المواجهة وقوة رؤوس الكباري لن تمكن القوات الاسرائيلية من اكتشاف المجهود الرئيسي لقواتنا مما سيجعل رد فعلها متاخرا في الهجوم المضاد .. فالرئيس جمال عبد الناصر اعاد بناء القوات المسلحة ، و عندما تولي الرئيس محمد انور السادات الحكم قام بتجهيز القوات المسلحة و اتخذ قرار الحرب و اشرف علي تنفيذه .
و بعد ان البطل محمد عبد الغني الجمسي رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية اجتمع مع العقول المفكرة في الهيئة اختيار ساعة الصفر .. ففي اوائل عام 1973 كانت خطوط القوات المسلحة جاهزة ، وكانت الخطة تدرس بين مصر و سوريا .
وفى ابريل تم اعداد دراسة عميقة فى هيئة العمليات لتحديد التوقيت المناسب خلال عام 1973 والذى يحقق لمصر افضل الظروف لعبور قناة السويس وتم التوصل الى ان يوم ( كيبور ) احد الاعياد الاسرائيلية هو اليوم الوحيد الذى تتوقف فيه الاذاعة والتليفزيون فى اسرائيل وهما الوسيلتان الرئيسيتان لاعلان التعبئة بالطرق السريعة فساعد ذلك على اختيار هذا اليوم للحرب .. هذا بالاضافة الى ان هضبة الجولان السورية ينزل عليها الجليد فى شهر نوفمبر فلابد من الحرب قبل ذلك كما ان الكنيست الاسرائيلى يجرى انتخاباته فى اواخر شهر اكتوبر والكل يكون مشغول بها والجيش الاحتياطى الاسرائيلى هو الذى يكون موجود فقط فى الخدمة العسكرية .. وتم عرض هذه المعلومات على الرئيس محمد انور السادات فانبهر بها واتصل بالرئيس السورى حافظ الاسد وقابله فى شهر ابريل عام 1973 وعرض عليه الخطة وتم الاتفاق بين مصر وسوريا على تحديد يوم السادس من اكتوبر موعدا للحرب وذلك فى اجتماع عقدته القيادة العسكرية المصرية والسورية فى الاسكندرية يومى 22 و 23 من اغسطس عام 1973 .
وعن تحديد ساعة القتال ذكر البطل محمد عبد الغنى الجمسى : جرت العادة على ان الهجوم مع وجود قناة السويس المانع المائى الصعب يحتاج الى وقت طويل ولذلك كان الوضع الطبيعى ان نبدأ الهجوم مع اول ضوء فى النهار بحيث نستفيد باليوم كله او فى اخر ضوء بحيث نستغل الليل كله .. لكننا لم نتخير اول ضوء ولا اخر ضوء وانما اخترنا الساعة الثانية و 5 دقائق بعد الظهر وهذا توقيت غير منتظر من جانب اسرائيل ولكنه التوقيت المناسب لمصر وسوريا .. وهكذا كان عنصر المفاجأة .. وقد قمنا بعمل مناورة حددنا لها تاريخا من الاول الى السابع من اكتوبر عام 1973 وتحت ستارها قمنا باحتلال مراكز القيادة بالجيش والبحرية والطيران والدفاع الجوى واعلنت حالة الطوارىء بالقوات المسلحة وتم استدعاء اعداد كبيرة من قوات الاحتباط .. وبعد ثلاثة ايام من المناورة قمنا بتسريح الالاف وبدأ الجميع يقولون ان المناورة انتهت .. وفى التوقيت المناسب نزعنا خرائط التدريب وعلقنا خرائط الحرب .. وكانت لدينا مدمرات سوف تتجه الى باب المندب من اجل اغلاقه ضد السفن الاسرائيلية او السفن المتجهه الى ميناء ايلات ومن المفروض ان تقوم المدمرات المصرية باغلاق المضيق من الساعة الثانية يوم السادس من اكتوبر .. وتحركت المدمرات من البحر الاحمر حتى وصلت الى السودان ثم ذهبت الى عدن باليمن .. واعلنا عن العمرة التى تنظمها القوات المسلحة فى شهر رمضان وحجز فيها عدد كبير من الضباط والقادة والجنود وتعمدنا نشر خبرها فى جريدة الاهرام التى توزع اعدادا كبيرة فى دول اوروبا .. وكما يحصلون على جرائدنا نحصل ايضا على جرائدهم فكانت هذه رسالة عن طريق الصحافة المصرية اننا لانعلن حربا وان الضباط يتجهون لاداء العمرة والمراكب تقوم باصلاحها والمناورة التى كنا نقوم بها انتهت .
والبطل المشير محمد عبد الغنى الجمسى كان يسجل العديد من الملاحظات والمعلومات والارقام فى نوته زرقاء لاتفارقه .. وقد اطلق عليها الرئيس السادات اسم ( كشكول الجمسى )
وعن التوجه الاستراتيجى الذى حدده الرئيس السادات قال المشير محمد عبد الغنى الجمسى: اننا قمنا بالحرب تحديا لنظرية الامن لالحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر بالقوات الاسرائيلية واقناع اسرائيل بان مواصلة احتلالها لاراضينا تفرض عليها ثمنا لاتستطيع دفعه وبالتالى فان نظريتها فى الامن على اساس التخويف النفسى والسياسى والعسكرى ليست درعا من الفولاذ يحميها الان او فى المستقبل .. ثم يقول : حسب امكانات القوات فان قدرتنا تصل الى المضايق فقط وليس الى 15 كيلو مترا وهذا مالم يتم .. واثيرت مسألة تحرير سيناء فى ايام الاستعداد للحرب لكن ذلك يحتاج الى قوات كثيرة جدا ولم تكن عندنا القوات القادرة على تحريرها بعملية عسكرية واحدة وبناء عليه قامت القوات المسلحة بالحرب بما لديها بناء على قرار الرئيس السادات فى اجتماعه بالمجلس الاعلى للقوات المسلحة فى اكتوبر 1973 وعندما بدات ساعة الصفر كان الاداء على اعلى مستوى ونجحت الخطة المصرية بصورة ممتازة وكان يوم الاثنين الثامن من اكتوبر 1973 _ الثانى عشر رمضان 1393 هو يوم انتصار فرعى للقوات المسلحة واسماه موشى ديان وزير الدفاع الاسرائيلى ( يوم الفشل العام ) واطلق عليه عساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع الاسرائيلى اسم ( الاثنين الحزين ) لانه وقع اسيرا فى ايدى القوات المصرية ومعه مجموعة من الاسرى .. ففى ذلك اليوم قامت اسرائيل بالهجوم على امل تدمير القوات التى عبرت الضفة الشرقية وكان الهجوم ضد الفرقة الثانية مشاه بقيادة اللواء حسن ابو سعده واستطاعت هذه الفرقة صد الهجوم الاسرائيلى وتدمير اللواء خلال نصف ساعة فقط .
وعن ثغرة الدفرسوار قال البطل محمد عبد الغنى الجمسى : فى حرب اكتوبر 1973 وقعت 50 معركة فزنا فى 49 وفازت اسرائيل فى واحدة فقط هى الثغرة فلقد تحدد يوم الثالث عشر من اكتوبر 1973 موعدا لتطوير الهجوم فاخرجنا الفرقة المدرعة 21 التى عبرت من الضفة الغربية الى الضفة الشرقية وهى تحوى اكثر من 250 دبابة وعندما عبرت هذه القوة جاءت طائرتا استطلاع امريكيتان من البحر المتوسط الى بور سعيد والاسماعيلية ثم سفاجا ثم قنا ثم الدلتا ثم رجعتا وهى تتابعنا وتطير بارتفاع اكثر من 25 كيلومترا اى : اعلى من مدى اى صواريخ عندنا كما ان الصواريخ المضادة للطائرات لاتستطيع الوصول اليهما فسرعتهما اكثر من ثلاثة اضعاف سرعة الصوت وليس لدينا المقاتلات التى تستطيع ان تلاحقهما .. ونقلت امريكا المعلومات الى الجانب الاسرائيلى بالتفصيل ثم قامت القوات الاسرائيلية بالهجوم من منطقة الدفرسوار .. ومن اجل ذلك سميت بمعركة الدفرسوار لانها مكان مشهور بقناة السويس وفى ذلك اليوم لم ينجح هجومنا وفقدنا الكثير من الدبابات وغيرها من الاسلحة وخلال الفترة من الثامن عشر وحتى الثامن و العشرين من شهر اكتوبر 1973 بعد ثغرة الدفرسوار جرى 1500 اشتباك بالنيران تم خلالها تدمير 28 طيارة اسرائيلية و 41 دبابة و عربة مدرعة و قتل 178 ، وبعد ذلك تم حشد التشكيلات المصرية و اعيد توازن القوات شرق و غرب القناة بينما كان لاسرائيل غرب القناة 3 فرق مدرعة و لواء مشاه ، و كان للقوات المصرية التي خططت لعملية تضييق ثغرة الدفرسوار فرقتان مدرعتان ، و 3 فرق مشاه حتي ان القوات الاسرائيلية حفرت خنادق مضادة للدبابات علي معظم المواجهة بعرض 7 امتار و بعمق 5 امتار خوفا من هجوم القوات المصرية ، وكان من نتائج حرب اكتوبر 1973: تحرير سيناء .. فلولا حرب اكتوبر لكان من المستحيل استعادة سيناء فلم يحدث ان احتلت اسرائيل ارضا عربية ثم انسحبت منها .
و عن مفاوضات الكيلو 101 قال البطل المشير محمد عبد الغني الجمسي في المقابلة التي اجريتها معه قبل رحيله بعامين : جاء هنري كيسنجر الي مصر بصفته وزير خارجية امريكا و مستشار الامن القومي الامريكي بالمراسلات و الاتفاقات ، وكان ذلك بالتحديد يوم السادس من شهر نوفمبر 1973 و في هذه المفاوضات كنت رئيس الوفد المصري ، وكان هناك وفد يمثل الجاني الاسرائيلي ، وتقابلنا في الكيلو 101 قبل عمل الخيام الموجودة هناك و كان التفاوض يتم علي الانسحاب من الضفة الغربية الي الضفة الشرقية و في الوقت نفسه تنسحب القوات من الضفة الشرقية و تترك سيناء ( الارض المصرية ) و جرت مفاوضات عسكرية قمت بها مع الجنرال ياريث من اسرائيل ولم يكن لها طابع سياسي ، و رايت ضرورة فض الاشتباك و ابعاد القوات المصرية عن الالتحام العسكري مع القوات الاسرائيلية بحيث تكون قوات الطوارئ الدولية في المنطقة الوسطى مما يضمن عدم احتكاك الطرفين ، و هنا تبدا المفاوضات السياسية ، ومع مجيئ الدكتور هنري كيسنجر اصبح الموقف سياسيا لانه كان يتفاوض مع الرئيس السادات ووزير الخارجية المصري علي السلام بيننا و بين اسرائيل وكان من بين الموضوعات المطروحة تقليل عدد القوات المصرية في الضفة الشرقية للقناة بعد فض الاشتباك استعدادا للانسحاب من سيناء لكي يكون هناك نوع من التامين للقوات الاسرائيلية التي امامنا في الناحية الاخري ، فرفضت هذا الكلام و خرجت و بكيت فعلا بشدة بعيدا عن اعين الحاضرين لانني تذكرت دماء الشهداء و التضحيات الكبيرة التي بذلت لنقل قواتنا الي شرق القناة .
و في شهر ديسمبر 1973 تولي البطل محمد عبد الغني الجمسي رئاسة اركان حرب القوات المسلحة ، و في العشرين من ديسمبر 1974 عين الفريق اول محمد عبد الغني الجمسي وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة ، و في عام 1977 تم تغيير اسم وزارة الخارجية ليصبح وزارة الدفاع ليكون البطل المشير محمد عبد الغني الجمسي اخر وزير للحربية في مصر ، وفي اكتوبر عام 1978 عين مستشارا عسكريا للرئيس السادات .
وعن استقالته قال البطل المشير محمد عبد الغني الجمسي : قدمت استقالتي بعد ان عينني الرئيس السادات مستشارا عسكريا له ، وبعد ان تركت وزارة ممدوح سالم في ذلك الوقت ، وكنت فيها نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للحربية ، وجاء الدكتور مصطفي خليل رئيسا للوزراء ، وتم تغيير الوزارة ولذلك اسند لي هذا المنصب فقدمت استقالتي بعد ان حصلت علي المناصب ولم اكن في حاجة الي وظيفة شرفية ، وقد سجلت في استقالتي ( ان الاوان لكي اترك القوات المسلحة بعد اربعين عاما من الخدمة المتوالية ) .. وقد حصل البطل المشير محمد عبد الغني الجمسي علي العديد من الاوسمة والميداليات والنياشين ونذكر منها : نوط التدريب من الطبقة الاولي ، ونوط الخدمة الممتازة ، ووسام النيلين من الطبقة الاولي بالاضافة الي العديد من الاوسمة من الدول العربية والاجنبية
وختاما نؤكد على ان قصة الحرب والنصر امتدت حتى رفعت مصر اعلامها خفاقة فوق طابا متضمنة عدة تواريخ لها كثير من الدلالات واهمها :
_ توقيع اتفاق الكليو 101 فى الحادى عشر من شهر نوفمبر 1973 على طريق مصر / السويس بين الجانبين المصرى والاسرائيلى بوقف الحرب وتحديد مواقع القوات .
_ الاتفاق على فض الاشتباك الاول بين القوات المصرية والاسرائيلية فى السابع عشر من شهر يناير 1974 وانسحبت بمقتضاه القوات الاسرائيلية من غرب القناة .
_ صدور القرار الجمهورى رقم 811 فى التاسع والعشرين من مايو 1974 باعتبار سيناء وحدة من وحدات الحكم المحلى وتعيين اللواء محمد عبد المنعم القرمانى محافظا لها.
_ توقيع اتفاق فض الاشتباك الثانى فى السابع من شهر سبتمبر 1975.
_ رفع العلم المصرى على مدينة العريش وانسحاب اسرائيل من خط العريش ورأس محمد فى السادس والعشرين من شهر مايو 1979 وبدء تنفيذ اتفاقية السلام .
_ بدأت المرحلة الثانية من الانسحاب الاسرائيلى من مساحة 6000 كيلو متر مربع من ابو زنيمة حتى ابو خربة فى السادس والعشرين من شهر يوليو 1979.
_ انسحاب اسرائيل من مساحة 7000 كيلو متر مربع فى الخامس والعشرين من سبتمبر 1979.
_ تسليم وثيقة تولى محافظ جنوب سيناء من القوات المسلحة المصرية .. والانسحاب الاسرائيلى من سانت كاترين ووادى الطور فى السادس عشر من شهر نوفمبر 1979.
_ رفع العلم المصرى على حدود مصر الشرقية بمدينة رفح بشمال سيناء .. وشرم الشيخ بجنوب سيناء .. واستكمال الانسحاب الاسرائيلى من سيناء فى الخامس والعشرين من شهر ابريل عام 1982.
_ صدور حكم التحكيم بحق مصر التاريخى والقانونى فى طابا فى التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1988 ورفع العلم المصرى فوق طابا .
وفى يوم السبت السابع من شهر يونيه عام 2003 _ السابع من شهر ربيع الاخر 1414 اعلنت عقارب الساعة رحيل البطل المشير ( محمد عبد الغنى الجمسى ) الى الدار الاخرة وشيعت جنازته من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر عقب صلاة ظهر يوم الاحد الثامن من شهر يونيه .. فرحمة الله عليه .
_____________
_ من كتاب : وطنى حبيبى .
_ للكاتب : ابراهيم خليل ابراهيم
المفضلات