الاخوة والاخوات .. في هذه الحلقة نستكمل حديثنا عما قاله التاريخ .. حيث نستكمل الاقوال التي قيلت بعد اندلاع معارك اكتوبر 1973 ـ رمضان 1393 :
قال امنون كابليوك الكاتب الاسرائيلي : لم يتصور احد في اسرائيل ان المصريين يمكنهم القيام بمثل هذه العملية العسكرية ، ولا يسعنا الان سوى ان نصاب بالذهول والوجوم لأننا جميعا وقعنا في هذا الوهم الهش الذي كان بعيدا كل البعد عن الواقع .
وفي العاشر من شهر اكتوبر1973 قالت جريدة الجمهورية المصرية : اسرائيل تعترف : الموقف عصيب جدا .
وايضا : جيش اسرائيل اصيب بافدح الخسائر في الارواح والمعدات ويواجه الان اعنف معركة في التاريخ .
وفي الحادي عشر من شهر اكتوبرقال ارنولد بورشيجريف المراسل الصحفي الامريكي : في الليلة السابقة للاعتداء تسللت فرقة من رجال الضفادع البشرية المصريين الي القناة علي بعد 500 ياردة من موقع حصين اسرائيلي عرف باسم ( الجباسات ) ويقع علي بعد 2 ميل شمال بورتوفيق في الطرف الجنوبي من الممر المائي ، وسبح رجال الضفادع تحت المياه لمسافة 150 ياردة وهم يحملون عبوات ناسفة في اكياس من البلاستيك ، وكانت مهمتهم هي تثبيت العبوات بطريقة خاصة لنسف فجوة في السور العالي الذي يبلغ ارتفاعه 60 قدما ، وفي نفس اليوم وضعت عبوات مماثلة علي الجانب المصري من القناة بينما نقلت القوارب الصغيرة اثناء ظلام الليل الي الاماكن التي سيتم نسف الثغرة فيها ثم غطيت بقماش اصفر اللون للتعمية ، واتفق علي ساعة الصفر لتكون الساعة 14 بالتوقيت المحلي في عيد ( كيبور ) وفجأة في لحظة لم يتوقعها الاسرائيليون فتح المصريين سيلا من المدفعية علي الجباسات التي كان بحراستها حوالي 50 اسرائيليا ، وحينما اسرع الاسرائيليون للاحتماء انفجرت عبوات الديناميت علي جانبي القناة علي بعد 500 ياردة منهم ، ويبدو ان الاسرائيليين اعتقدوا ان الانفجارين كانا جزءا من سيل المدفعية ، وقبل ان يهدأ الدخان قفز احد قادة الفرقة ومعه فرقته المكونة من مائة رجل وهرعوا نحو ذوارقهم واستقلوها واسرعوا عبر القناة مستعينين بمحركات صغيرة وحمل الرجال مدافع ( بازوكا ) وقاذفات لهب صغيرة مثبتة في فنطاس في مؤخرة الزورق و بنادق غير مرتدة و قنابل يدوية و اسلحة اتوماتيكية ، وعند وصولهم للشاطئ الاخر جري المصريين علي الضفة الشرقية تحميهم قنابل الدخان التي اطلقت ما بين الثغرة المنسوفة و الموقع المحصن الاسرائيلي ، وقد تم تحويط الاسرائيليين تماما قبل ان يشعروا باي شئ ، و استمرت الدانات و القنابل و تتساقط علي الموقع بينما المهاجمون المصريون علي بعد 50 ياردة وقاموا بنسف المخرج الشرقي للموقع .. ثم بواسطة قاذفات اللهب و القنابل اليدوية اغلقوا الممرات التي تؤدي الي مداخل الخنادق الارضية ، وبعد ثلاثين دقيقة من بداية الهجوم تمكن المصريين من نقل الدبابات الي الضفة الاخري و استمر الانتصار ، و بعكس حربي 1956 ، 1967 كانت الاحذية الاسرائيلية هي التي انتشرت مبعثرة في كل مكان .. لقد انتزعت مصر في الحقيقة ورقات كتاب اسرائيل التي سطرته سنة 1967 .
و في الثاني عشر نت شهر اكتوبر قالت وكالة اليونايتدبرس: ان معارك الدبابات الجارية في الشرق الاوسط تجاوزت في بعض الحالات اكبر معارك الدبابات علي الاطلاق التي وقعت في شمال افريقيا وامام ستاليننجراد خلال الحرب العالمية الثانية .
وقال الجنرال بوفر رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية الفرنسية : ان العرب استطاعوا بعد معارك 1967 ان تصبح لهم روح معنوية عالية ، وان اسرائيل عانت من داء المنتصرين الذين يظنون ان الاقدار في صفهم .
وقال الاسرائيلي يهودا شيجف رئيس عرفاء و ضابط تتبع للمفقودين : يوم السبت السادس من اكتوبر 1973 اتصلوا بي و طلبوا مني التوجه لقيادة شبيبة الطلائع المحاربة ففوجئت خاصة انه تم تسريحي قبل اسبوع فقط ، وفي المرحلة الاولي ساعدت المجندين ، وعندما ادركوا ان هناك ضحايا ومئات المفقودين واننا لا نسيطر علي الامور عينوني ضابط تتبع للمفقودين بالقيادة ، وعملت لمدة اسبوع في ذلك وكان اصعب اسبوع في حياتي ، وكان اصعب شئ عندما وجدت في موقع تجميع القتلى زميلي بالدراسة قتيلا فعدت الي القيادة وقلت : انني غير مستعد للاستمرار في التتبع واريد ان اكون في المقدمة مع المقاتلين ، وتقرر تشكيل كتيبة من طلائع الشبيبة وتطوعت لاكون مساعد قائد الكتيبة ، وعلي ضفاف القناة ساعدت القائد وقابلت هناك عقيد يبحث يائسا عن ابنه الذي كان داخل دبابة وسقطت المياه ، تجولت مع الاب لمدة 48 ساعة ولم استطع مساعدته ، وقابلت كثيرا جدا من الرجال المذهولين ورأيت قائدة بوجوه هزيلة وجنودا فقدوا ابصارهم .
وقال عاموس ملخا مساعد اسرائيلي : عندما بدأت الحرب كنت في ايلات ثم انتقلت الي منطقة مضايق الجدي ومتلا ووسط سيناء ، وبعد 24 ساعة من القتال اتضح لمتخذي القرار ان هنالك خسائر فادحة ومعظم الضحايا من الضباط .
وقال يعقوب عميدور ضابط مخابرات : عندما خرجت من الخندق بعد ظهر يوم الاحد السابع من اكتوبر 1973 وجدت طابور من جثث القتلى فسارعت للدخول وورائي قائد الكتيبة ـ لفيدوت ـ وعندما كنت في جبل جنيفة تم قتل ضابط الانذار الذي كان يعمل معي واصابة شولومو بنائي .
وقال شولومو بنائي قائد سرية مدرعات : مساء السبت السادس من اكتوبر وصلنا الي القنطرة وواجهنا مساء السبت قوات من سلاح المشاة المصري ، وبدأنا المعركة وتفرقت الكتيبة واصبحنا ازواجا وفرادى ، وتقلص عدد الدبابات بدرجة كبيرة حيث ان الكتيبة التي ذهبت للحرب ترافقها 44 دبابة ولم يبق منها الا 14 دبابة ، وفي الثامن من اكتوبر واثناء الهجوم المضاد الذي انتهى بالفشل اصبت بصاروخ اخترق برج الدبابة واصبت بكثير من الشظايا في ظهري ونقلوني الي المستشفي في بئر سبع وبقيت ثلاثة ايام في المستشفي ، وعدت مرة اخري الي المعركة في منطقة القناة ، وجهزوا لي دبابة لصد الهجوم المصري ، ولكن من سوء حظي اخترق صاروخ مصري مخزن الذخيرة في الدبابة وشاهدت كرة اللهب ولم استطع الهروب حيث انفجرت الدانات مع 400 لتر من الوقود ، واحترقت الدبابة بالكامل وقتل طاقمها ونجحت في القفز الي الخارج والنار تمسك ملابسي واطفأت نفسي في الرمال بينما يطلق المصريون علينا نيران اسلحتهم الخفيفة ، وبقيت ملقي علي الارض لمدة 18 ساعة الي ان اخذوني واجريت لي 14 عمليةة جراحية .. ان حرب اكتوبر اكبر واخطر حرب شاركت فيها ، والجندي المصري بالفعل اقوي جنود الله .
وقال العميد نتكانير قائد كتيبة اسرائيلية : في اللواء الذي كنا تحت قيادته قتل اكثر من 120 شخصا فضلا عن اصابة اكثر من 300 فقد تفوق الجيش المصري في الروح القتالية ، فقد رأيت جنود مصريين قفزت علينا من كل مكان فاصبت بالخوف الشديد وهرب الكثير من الجنود والقادة الاسرائيليين من اول ايام الحرب .
وقال موشيه عيفرى سوكفيك قائد سرية اسرائيلية : انتقلت مع قواتي الي منطقة المزرعة الصينية فوجدت الكثير من الجرحى ويجب اخلائهم ، كان المنظر في غاية البشاعة وعندما تقدمنا وجدنا انفسنا في مواجهة مئات الجنود المصريين الذين دمروا جميع الدبابات في احدى الفصائل التابعة لي واشعلت فيها النيران ، واذكر ان ملازما معي تلقى دانة وطار من الدبابة وتم اصابة جميع دبابات السرية ، كان الشعور الذي يساورنا مريرا للغاية حيث كنت في عمق المنطقة ولا توجد الا دبابتي ونفذت الذخيرة ونجحت في التقهقر والهروب .
وفي الرابع عشر من اكتوبر قال موشي ديان : ان اسرائيل تخوض الان حربا لم تحارب مثلها من قبل ، وهي حرب صعبة ومعارك المدرعات فيها قاسية ، والمعارك الجوية مريرة وهي حرب ثقيلة بايامها وثقيلة بدمائها .
وفي نفس اليوم قالت جريدة الديلي تلجراف : ان حرب الشرق الاوسط حطمت اسطورة ان الجيش الاسرائيلي لا يمكن مقاومته ، وان الارض التي احتلتها اسرائيل عام 1967 تشكل ضمانا لأمنها .
وقال ارييل شارون : اخذ المصريون زمام المبادرة واستطاعوا ان يلحقوا افدح الخسائر بالجيش الاسرائيلي ، وكان القتال يمكن ان يتوقف في اية لحظة وموقفنا في غاية السوء ، وهذا سيكون كارثة بالنسبة لاسرائيل وسمعتها ، ومن اجل ذلك كان لابد من عمل شئ فألححت علي القيادة لتوافق علي تنفيذ خطتي بالعبور الي الغرب في الدفرسوار ، وساعدتنا امريكا فاخبرتنا ان هناك فراغا بين الجيشين الثاني والثالث المصريين ، وشارت علينا بالعبور الي الغرب ، ولكنني شعرت في الايام الاولي لهذه العملية ان اقامة الجسور الي الغرب كان خطئا عسكريا فقد كان القصف المصري بالغ العنف ، وفشلنا تماما في حصار الجيش الثالث المصري ، وانتهزنا اقرب فرصة لتعود ادراجنا الي الشرق .
وقال ايضا : حتي السادس عشر من اكتوبر 1973 لم يسلم جندي واحد من وحدتي من طلقات الجنود المصريين ، ولم يبق من قواتي سوى كتيبتين ، وانا شخصيا نجوت من الموت باعجوبة .
وفي السادس عشر من شهر اكتوبر قالت جريدة التايمز البريطانية : برهن المصريون علي مقدرة جنودهم علي القتال وقدرة ضباطهم علي القيادة وقدرتهم علي استخدام احدث الاسلحة .
وفي الثامن عشر قالت جريدة ليموند الفرنسية : نفقات الحرب في ثلاثين يوما تعادل في المتوسط ميزانية اسرائيل خلال سنة .
وفي نفس اليوم قال هوار دكلاري وزير الجيش الامريكي : ان عملية العبور التي قامت بها القوات المصرية في قناة السويس ، ومواجهة القوات الجوية الاسرائيلية عالية التفوق والتطور وعلامة مميزة في الحرب الحديثة وستغير من الاستراتيجية العسكرية .. ما رأيت بعيني وبحق شئ مذهل قام به الجنود المصريين .
ومن رسالة سطرها ( اموس ) الضابط الاسرائيلي الي زوجته ليلة الثامن عشر من اكتوبر 1973 نذكر : اذا كانت قد كتبت لي النجاة في تلك الليلة فان ماحدث كان معجزة ، ذلك ان القذائف المصرية لم تكف عن تدمير تجمعاتنا ومواقعنا طوال الليل ، انني لا استطيع ان افهم كيف نجوت مع بعض الجنود من هذا الجحيم .
وفي الحلقة القادمة نستكمل حديث التاريخ .. فحتي نلتقي احييكم باجمل تحية .
__________________
- من كتاب : قال التاريخ
للكاتب : ابراهيم خليل ابراهيم