وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدا ، يعرف ذلك كل من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم . لقد نصت رواياتهم على أنه كان لعلي ( عليه السلام ) من الذكور ثلاثة أولاد : حسن ، وحسين ، ومحسن أو محسن أو محسن ، وكان رسولالله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد سمى هؤلاء بهذه الأسامي تشبيها بأسماء أولاد هارون : شبر شبير ومشبر ، وهذا موجود في : مسند أحمد، وموجود في المستدرك وقد صححه الحاكم .المسألة الثالثة : إسقاط جنينها ( عليها السلام )
فيبقى السؤال : هل كان لعلي ولد بهذا الاسم أو لا ؟ قالوا : كان له ولد بهذا الاسم . . . فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثم يختلفون ، أتريدون أن يصرحوا تصريحا واضحا لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟ ! إنه في القضايا الجزئية البسيطة
يتلاعبون بالأخبار والأحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث ، وسنرى في المباحث الآتية ، وفي مثل هذه القضية تتوقعون أن يصرحوا ؟ نعم ، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا ، وتحملوا ما تحملوا .
أحدهم : ابن أبي دارم المتوفى سنة 352 ه . قال الذهبي بترجمته : الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي [ أصبح شيعيا ! ! ] محدث الكوفة ، حدث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابنمردويه ، ويحيى بن إبراهيم المزكي ، وأبو الحسن ابن الحمامي ، والقاضي أبو بكر الجيلي ، وآخرون . كان موصوفا بالحفظ والمعرفة ، إلا أنه يترفض [ لماذا يترفض ؟ ] قد ألف في الحط على بعض الصحابة ( 1 ) . لا يقول أكثر من هذا : ألف في الحط على بعض الصحابة ، فهو إذن يترفض.
ولو راجعتم كتابه الآخر ميزان الاعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له ، وينقل عن الحافظ محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي ( 1 ) فيقول : قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ - بعد أن أرخ موته - كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن ( 2 ) . كان مستقيم الأمر عامة دهره ، لكنه في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، فهو - إذن - خارج عن الاستقامة ! ! أتذكر أن أحد الصحابة وهو عمران بن حصين - هذا الرجل كان من كبار الصحابة ، يثنون عليه غاية الثناء ، ويكتبون بترجمته إن الملائكة كانت تحدثه ، لعظمة قدره وجلالة شأنه - هذا الشخص عندما دنا أجله
أرسل إلى أحد أصحابه ، وحدثه عن رسول الله بمتعة الحج - التي حرمها عمر بن الخطاب وأنكر عليه تحريمها - ثم شرط عليه أنه إن عاش فلا ينقل ما حدثه به ، وإن مات فليحدث. نعم ، كان هذا الرجل مستقيم الأمر عامة دهره ، لا ينقل مثل هذه القضايا ، اقتضت ظروفه أن لا ينقل ، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره ! ! ثم في آخر أيامه عندما دنا أجله وقرب موته ، حينئذ جعل يقرأ له المثالب ومنها هذا: دخلت عليه ورجل يقرأ فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضا ، اتفق أن دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلا يقرأ له هذا الخبر ، وذلك في أواخر حياته ، حتى إذا مات ، أو حتى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب ، فقد عاش في هذه الدنيا وعمر عمره .
ورجل آخر هو : النظام ، إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي المتوفى سنة 231 ه . هذا أيضا ينص على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها ، وهذا الرجل كان رجلا جليلا ، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون ، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلامية ، تذكر في الكتب ، وربما خالف فيها المشهور بين العلماء ، وكانت أقواله شاذة ، إلا أنه من كبار العلماء ، ذكروا عنه أنه كان يقول : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح عمر : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين .
وممن نقل عنه هذا : الشهرستاني في الملل والنحل ، والصفدي في الوافي بالوفيات ( 1 ) ، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين . وممن عثرنا عليه : ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف ، لكن لو تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة ، الكتاب محرف .
ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ه ينقل عن كتاب المعارف قوله : إن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي ( 2 ) . أما في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق ! ! فلفظه : أما محسن بن علي فهلك وهو صغير ( 3 ) . وتجدون في كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي يقول :
مات طفلا ( 1 ) . لكن البعض الآخر منهم - وهو الحافظ محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين ، وله كتب منها نزل الأبرار فيما صح من مناقب أهل البيت الأطهار ، يقول بأنه مات صغيرا ( 2 ) .
وعندما نراجع ابن أبي الحديد ، نراه ينقل عن شيخه - حيث حدثه قضية هبار بن الأسود ، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر ، وأن هذا الرجل روع زينب بنت رسول الله فألقت ما في بطنها - قال شيخه : لما ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول الله دم هبار لأنه روع زينب فألقت ما في بطنها ، فكان لا بد أنه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها ، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك .
هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد . فيقول له ابن أبي الحديد : أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أن فاطمة روعت فألقت محسنا ؟ فقال : لا تروه عني ولا ترو عني بطلانه. نعم لا يروون ، وإذا رووا يحرفون ، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتهمون




رد مع اقتباس
المفضلات