النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: هل نتقدم بالأعتذار ؟

  1. #1
    عضو ذهبي الصورة الرمزية صدفة البحر
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    حيث سعادتي
    المشاركات
    1,253
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    368

    هل نتقدم بالأعتذار ؟


    إن الاعتذار فنٌ مميزٌ من فنون الأدب , يحتاج كل إنسان أن يتعلم طريقة إلقائه أو تقديمه للمُعتذر منه لكي يقبل الاعتذار من المسيء أو المُخطئ , فليس كل من قدم اعتذاراً قُبل منه ! فربما يكون المسيء أو الخاطئ قد ندم حقاً على فعله الشنيع أو عمله القبيح , وجاء ليصحح خطأه باعتذارٍ يطرحه على من يرجو عفوه ويرغب برضاه.

    فلابد للمعتذر قبل أن يقدم اعتذاره بأن يُنسق هذا الاعتذار بأسلوب لائق بليغ بعيداً عن الهمجية والجفاء والقسوة والشدة , وعليه أن يظهر الندم من فعله الذي عمله فإن لم يفعل , لم يُقبل اعتذاره ! ولو كان صادقاً.

    ولقد كان في زمن الجاهلية الأولى وقبل ظهور الإسلام , يعتبر الاعتذار من سمات الضعفاء والعبيد والفقراء الذين لا قوة لهم تحميهم , ويعتبر الاعتذار أيضاً في ذلك الزمن وصمة عار لمن قدمه.

    ولكن رسول الله (ص) عندما جاء بالرسالة الإلهية أكد على من يُسيء فعليه الاعتذار وتصحيح خطأه, وهذا الاعتذار لا ينقص من مروءة الشخص بل يزيده إجلالاً واحتراماً لدى الناس , كذلك أوصى أئمة أهل البيت (ع) شيعتهم بذلك.

    وعلّم رسول الله (ص) أصحابه كيفية الاعتذار لكي يُقبل منهم ولا يُرد عليهم , ويكون الاعتذار لمن فعل القبيح أو عمل المنكر , فعليه الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه , قال الرسول (ص) : ( الاعتراف بالذنب فضيلة ) (1) وليس لمن لم يفعل شيئاً اعتذار , فإذا اُتهِم إنسان بفعل منكر وهو لم يقم به وسارع للاعتذار فذلك مما يُؤكد أنه فعل المنكر , كما قال أمير المؤمنين u : ( المُعتذر من غير ذنب يُوجب على نفسه الذنب ).(2)

    فكثير من الناس يرتكبون الأخطاء سواء عن قصدٍ منهم أو بدون قصد , ويندمون على ذلك ولكنهم لا يعرفون كيف يعتذرون إلى الذين أساؤوا إليهم , فلهذا كتب الكثير من العلماء في العذر وكيفية تقديمه.
    مفهوم الاعتذار
    إن لمفهوم الاعتذار تعريفان يختلفان عن بعضهما اختلاف الليل والنهار ولكلِ تعريف مفهومه الخاص وأمثلته وقصصه , وينحصر هذان التعريفان في :
    1. المعنى اللغوي : هو الحجة التي يُعتذَر بها إلى الشخص المسيء له والجمع أعذار .(1)
    2. المعنى الأدبي : هو درء الشاعر التهمة عنه , والترفق في الاحتجاج على براءته منها , واستمالة قلب المعتذر إليه واستعطافه عليه.(2)

    نلاحظ إن التعريفين يختلفان عن بعضهما , فالأول وهو المعنى اللغوي يُفهم منه أن المُعتذر قد فعل القبيح أو عمل المنكر أو ارتكب خطأ وجاء ليُقدم اعتذاره لمن يرجو عفوه وهو نادم على هذا الفعل, أما الثاني وهو المعنى الأدبي فيُفهم من تعريفه بأن الأديب أو الشاعر قد وُجهت إليه تهمةً هو لم يرتكبها بل اُفتري عليه بكلامٍ قاله أو عملٍ فعله وجاء ليُبرئ ساحته من تلك التهم الموجه عليه.

    وذكرنا سابقاً أن الاعتذار لا يضر بالمرء بل يزيده احتراماً وتقديراً لدى الغير وإجلالاً في أعين الناس , ولا ينقص من مروءة الإنسان ولا بأس من اعتذار الكبير للصغير وكذلك اعتذار المعلم من الطالب إذا رأى أن هذا الاعتذار يزرع في نفس الصغير أو الطالب صفة التواضع وعدم التكبر , وإليك مثالاً على ذلك :
    كان العلامة السيد بحر العلوم صاحب الكرامات والمكاشفات العجيبة تلميذ عظيم الشأن هو السيد جواد مؤلف كتاب ( مفتاح الكرامة ) في الفقة وفي إحدى الليالي , يطرق خادم السيد بحر العلوم باب دار السيد جواد فيفتحه له ويقول : إن السيد بحر العلوم يريد رؤيتك وهو بانتظارك الآن.
    فيدخل السيد جواد إلى دار السيد بحر العلوم فيجده جالساً في غرفته وقد تملكه الغضب الشديد وأمامه صحن العشاء وبجانبه كيس مليء بالنقود. فبادره بالقول : يا سيد جواد , ويلٌ لك أو تدري بأن لك جاراً اسمه الشيخ محمد ؟
    فأجابه : كلا يا سيدي.
    فقال له السيد بحر العلوم : إن جارك هذا قد مضى عليه أسبوع وهو لا يملك قرشاً واحداً وكل يوم يقترض من البقال الذي بجواره حفنة من التمر اليابس فيقتات بها , وعندما ذهب إليه اليوم امتنع البقال من إعطائه التمرات المعدودات.
    فقال السيد جواد : والله لا علم لي بحاله.
    فقال السيد بحر العلوم : إنني أعلم بأنك لا تعرف من أحواله شيئاً وإن كنت تعلم فأنت يهودي أو أسوأ من يهودي , إنني اعتذر منك واعترض عليك وأسألك كيف لا تعلم عن أحوال جارك وهو في ضنك وضيق من أمره طيلة أسبوع كامل ؟
    ثم قال : خذ هذا الصحن من الطعام وكيس النقود واذهب مع الخادم إلى جارك واجلس معه وكُلا هذا الطعام معاً ثم أعطه النقود , أما أنا فإنني لن أتعشى الليلة.
    فخرج السيد جواد ومعه الخادم يحمل صينية الطعام حتى وصلا إلى دار الشيخ محمد فطرق الباب وقال له : إنني أرغب الليلة أن أتعشى معك من هذا الطعام.
    فنظر الجار إلى صفحة الطعام فعلم أنها ليست من نوع الأطعمة التي يأكلها السيد جواد , فسأله : ما الحكاية ؟ وأضاف : إنني لن آكل من هذا الطعام حتى تروي لي القصة. وكلما حاول السيد جواد التملص والمراوغة لم يستطع واضطر في النهاية إلى توضيح الأمر بأن الطعام والنقود هما من السيد بحر العلوم . وقبل الجار الهدية وقال : يشهد الله بأن لا أحد يعلم بحالي ولم أشرح أوضاعي لأي كان.(1)

    كيفية الاعتذار
    ينبغي أن يكون للاعتذار أسلوب لائق ومميز عند تقديمه كي يُقبل العذر ! فما هو الأسلوب الأنسب للاعتذار ؟ إن كثيراً من الناس لم يتعودوا على الاعتذار حتى لو فعل خطأً معيناً فإنه يُكابر ويصر على خطأه ويرفض الاعتذار بأي شكل من الأشكال فيكون في نظر الناس مخطئ من ناحية ارتكاب المنكر ومصر ومتمسك بهذا الخطأ فيعتبره الناس قليل الأدب عديم التربية.

    أما لو أنه بادر إلى تصحيح خطأه هذا واعتذر ولو بقول ( أنا آسف على ما فعلت وأعدك بأنه لن يتكرر مرة أخرى ) لقبل اعتذاره , وإن كان يخجل من قول ذلك ويخشى مواجهة الشخص والاعتذار إليه , فهناك أسلوب آخر وهو أن يكتب رسالة تتضمن الخطأ الذي ارتكبه ويقدم فيها اعتذاره , ويوجد في التاريخ الكثير من رسائل الاعتذار بين العلماء والأدباء والشعراء والحكام فمن أرادها فليطلبها من مصادرها.

    ولقد ذكر الشعراء في أشعارهم الاعتذار تارةً بالوصف وتارةً بالمدح لعلمهم أنه مما أشاد به رسول الله (ص) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب u وذلك بقوله: ( أعقل الناس أعذرهم للناس ) (2)

    اقبل معاذير من يأتيك مُعتذرا
    إن برَّ عندك فيما قال أو فجرا
    لقد أطاعك من يرضيك ظاهره
    وقد أجلك من يعصيك مستترا




    وفي الختام نريد التأكيد على أن الاعتذار يزيد المرء علواً وكمالاً واحتراماً وإجلالاً في أعين الناس , وليس كما يتصوره البعض من أنه بنقص من الرجولة ويحط من المروءة ويجلب العار للمُعتذر , ويجب أن يُقدم العُذر بصدق وعدم تكرار الفعل , وعلينا تعليم أولادنا الاعتذار إذا اقترفوا خطأً وألا يصروا عليه ويتمسكوا به , وكما قال جوناثان سويفت ( لا تجعل العُذر كذبة مزخرفة ).

    رُبَّ ذنبٍ محوته باعتذاري
    وحملتُ الورى على إكباري
    وإذا قيست الفضائل فاقت
    كرم العفو جُرأةُ الإقـرار












    منقووووووووووووووووووول
    (1) روائع الحكمة : ص 90

    (2) روائع الحكمة : ص 90

    (1) لسان العرب : ج 6 ص 142

    (2) جواهر الأدب : ج 2 ص 26

    (1) المظالم : ص 50

    (2) روائع الحكمة : ص91
    التعديل الأخير تم بواسطة عماد علي ; 05-11-2007 الساعة 06:55 PM
    يسلمووو يا أحلى كبريآإء على التوقيع الجوناااااااااااان

  2. #2
    مشرف سابق يستحق التقدير الصورة الرمزية عماد علي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الدولة
    القطيف/ الشويكة
    المشاركات
    6,411
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    358

    رد: هل نتقدم بالأعتذار ؟

    ونعم النقل أخي بارك الله فيك
    موضوع متكامل عن الاعتذار
    الله يعطيك الف عافية
    وتسلم الايادي...

  3. #3
    عضو ذهبي الصورة الرمزية وعود
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    في أرض الله الواسعة
    المشاركات
    1,906
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    264

    رد: هل نتقدم بالأعتذار ؟

    الله يعطيكِ العافيه على الموضوع الرائع ..
    لَا تَمَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ فَـأنـِّي لَا أَمَلُّ مِنَ الْإجَابَةِ

  4. #4
    مشرفة منتدى المكياج والأزياء والديكور الصورة الرمزية همسات وله
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    البحرين دار الزين
    المشاركات
    7,224
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    375

    رد: هل نتقدم بالأعتذار ؟

    الله يعطيكِ العافيه على الموضوع الرائع
    كل الشكر لك اخي
    تحياتي لك

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رقم مميز وتقدم ساحق
    بواسطة ملاك الورد ..~ في المنتدى منتدى الترحيب والتهاني
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 11-22-2007, 04:38 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •