كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان ،
فقال أبو الدرداء : يا قوم ! ألا اُخبركم بأقلّ القوم مالاً ، وأكثرهم ورعاً ، وأشدّهم اجتهاداً في العبادة ،
قالوا : من ؟
قال : علي بن أبى طالب عليه السلام .
قال : فو الله إن كان في جماعة أهل المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه ، ثمّ انتدب له رجل من الأنصار فقال له : يا عويمر ! لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها .
فقال أبو الدرداء : يا قوم ، إنّي قائل ما رأيت ، وليقل كلّ قوم منكم ما رأوا ،
شهدت علي بن أبى طالب عليه السلام بشويحطات النجّار وقد اعتزل عن مواليه واختفي ممّن يليه ، واستتر بمغيلات النخل ، فافتقدته وبَعُدَ علىَّ مكانه ،
فقلت : لحق بمنزله ، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجيّ ، وهو
يقول : ( إلهي كم من موبقة حَمَلْتَ عنّى فقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك ، إلهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصحف ذنبي ; فما أنا مؤمّل غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك ) .
فشغلنى الصوت ، واقتفيت الأثر ، فإذا هو علىّ بن أبى طالب عليه السلام بعينه ، فاستترت له وأخملتُ الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثمّ فزع إلي الدعاء والبكاء والبثّ والشكوى . فكان ممّا ناجي به الله أن
قال :
( إلهي اُفكّر في عفوك ; فتهون علىَّ خطيئتي ، ثمّ أذكر العظيم من أخذك ; فتعظم عليَّ بليّتي ، ثمّ قال : آه إن أنا قرأت في الصحف سيّئة أنا ناسيها ، وأنت محصيها ، فتقول : خذوه ! ! فيا له من مأخوذ ، لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملأ إذا اُذن فيه بالنداء ، ثمّ قال : آه من نار تنضج الأكباد والكلى ، آه من نار نزّاعة للشوى ، آه من غمرة من ملهبات لظى ).
قال : ثمّ أنعم في البكاء ; فلم أسمع له حسّاً ولا حركة ،
فقلت : غلب عليه النوم لطول السهر ، اُوقظه لصلاة الفجر .
قال أبو الدرداء : فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحرّكته فلم يتحرّك ، وزويته فلم ينزوِ ،
فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مات والله علىّ بن أبى طالب عليه السلام !
قال : فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم ،
فقالت فاطمة عليها السلام : يا أبا الدرداء ، ما كان من شأنه ومِن قصّته ؟ فأخبرتها الخبر ،
فقالت : هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله ، ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ونظر إليَّ وأنا أبكي ،
فقال : ممّ بكاؤك يا أبا الدرداء ؟
فقلت : ممّا أراه تنزله بنفسك ،
فقال : يا أبا الدرداء ، فكيف لو رأيتَني ودُعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ ، وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار ، قد أسلمني الأحبّاء ، ورحمني أهل الدنيا ، لكنتَ أشدّ رحمة لي بين يدي من لا تخفي عليه خافية .
فقال أبو الدرداء : فو الله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.
عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام، أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله:( يا عليّ، أنت أمير المؤمنين، وإمام المتقين، يا عليّ،أنت سيّد الوصيّين، ووارث علم النّبيين، وخير الصدّيقين، وأفضل السابقين. يا عليّ أنت زوج سيـّدة نسـاء العـالـمـين، وخليفة خير المرسلين، يا عليّ، أنت مولى المؤمنين.يا عليّ، أنت الحجة بعدي على الخلق أجمعين، إستوجب الجنّة من توّلاك واستحق النّار من عاداك ).
( يا علـيّ، والذي بعـثني بالنبوة وإصطفاني على جميع البّرية، لو أن عبداً عبد الله ألـف عام، ما قبـل الله ذلك منه إلا بولايتك، وبـولاية الأئمـة من ولدك، وإن ولايتـك لا يقـبلها الله تعـالى إلا بالبرائة من أعدائك، وأعداء الأئمة من ولـدك،بذلك أخبرني جبريل عليه السلام (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ).
مائة منقبة لإبن شاذان المنقبة التاسعة، وبحار الأنوار ج27 ص199 ح66، وج38 ص134 ح88،وكنـز الفوائد للكراجكي ج2 ص12.
المفضلات