أحزن كلما ودعت عاما من عمري ولعل ذلك ما يجعل الناس تطفئ الشموع ولا توقدها فى أعياد ميلادها
ومعنى ذلك اننا ونحن نحتفل بأعياد ميلادنا نشعر فى داخلنا أننا نلقى أعوامنا فى ظلام سحيق لا عودة منه ابدا
يستطيع الانسان ان يسترد ماله اذا خسره فى بورصة الاوراق المالية
يستطيع ان يغير عمله وبيته ووطنه ولكنه لا يستطيع ان يضئ شمعة واحدة أطفأها وهو يودع عاما من عمره ليلة عيد ميلاده
لا املك ان استرد الامس ولو دفعت فيه اموال الدنيا كلها لا استطيع ان اعيد يوما واحدا سقط منى ومضى ولو حملت كل معجزات العلم والحضاره والتكنلوجيا
استطيع ان اراه فى شريط فيديو وان اعيشه مع شريط كاسيت ولكننى لا استطيع ان استرد لحظة واحدة عبرت من عمري
لذا احزن فى اعياد ميلادي وارفض ان احتفل بها لاننا لا ينبغى ان نتحفل بلحظات الوداع تكفينا احزاننا فيها
ولا ادري لماذا تغير طعم الزمن واصبحت دوراته اسرع مما كانت اليوم نحتفل برحيل عام ولا يمضي وقت طويل حتى نرى رفاقه وهم يتسابقون خلفه عاما بعد عام
وتقرأ شهادة ميلادك وتشعر بحزن شديد وانت ترى الارقام كأنها عداد تاكسي مزور وربما تسأل نفسك احيانا هل مضت كل هذه الاعوام
تجد نفسك فى العمل وقد مضى عليك ثلاثون عاما وفى الزواج ربع قرن واطفالك الصغار اصبحوا رجالا تزوج من تزوج وهاجر من هاجر وجافاك من جافاك
تجد الشعيرات البيض وهى تتسلل واحدة بعد اخري
ومن كان بالامس ضيفا اصبح اليوم مقيما فالشعيرات البيض وكما قال استاذنا العقاد ( تخفين فى السواد حينا ) ثم دارت الايام وتخفت الشعيرات السود فى البياض احيانا
وتراجعت كل الاشياء واصبح الانسان اكثر حرصا على السنوات الباقيه
وخلف هذا كله يتساقط رصيد الاحلام حتى يأتى وقت نقترض فيه على الكشوف ولا نجد احدا يقرضنا
ومن اجل هذا شعرت بحزن شديد وانا احتفل بعيد ميلادي فى صمت شديد شعرت ان الزمن سرقنا واخذ اجمل سنوات عمرنا
احسست ان السعادة ليست عملا خاصا او عملا فرديا
ما قيمة السعاده وانت تعيش فى زمن التعساء ما قيمة القصور وحولك خرابه ما قيمة الارصده فى البنوك وامامك الناس جوعى
ان الذين يتصورون ان السعاده ممكنه بعيده عن الاخرين واهمون اننا سعداء بمن حولنا واغنياء بمن نعيش بينهم
شعرت وانا اودع عاما ان اعواما كثيرة سقطت وان الحياة دخلت بنا مرحلة حرجه من الزمن اقل ما يقال عنها ان الانسان لن يعيش كما عاش لاننا نعيش زمن الاعمار القصيرة
ان الانسان يحزن احيانا وهو يودع اعوامه وليس هذا تشاؤما ولكنه حب الحياة وبقدر ما نحب الاشياء بقدر ما نحزن عليها
اننى احب الحياة ولذلك احزن كلما ودعت يوما واحدا فيها فما بالك والسنين تتناثر بين ايدينا كقطرات الماء ثم تتسرب منا شيئا فشيئا
المفضلات