[align=center][size=3][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

الطاعة
وأثرها على
الفرد والمجتمع

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين فرض الله تعالى على الخلق طاعتهم وموالاتهم ونصرتهم مهما تآمر المتآمرون ونكث الناكثون إلى قيام يوم الدين , وحذر المخالفين الروافض الذين رفضوا ما أوصى به سيد الخلق فضلوا وأضلوا عن سبيل الله , أولئك حزب اشيطان ساء ما يحكمون .

قال تعالى في محكم كتابه الكريم ( يُريدُ اللهُ بكُمُ اليُسر و لا يُريدُ بكُمُ العُسر )

وورد في الحديث القدسي : عبدي أطعني تكن مثلي إن قلت للشيىء كن فيكون .

وعن نبي الرحمة – ص - قال : أغلقُوا أبواب المعصية بالاستعاذة و افتحُوا أبواب الطاعة بالتسمية , الطاعةُ قُرةُ العين .

وعنه – ص - أنهُ قال : يا أبا ذر أصلُ الدين الورعُ و رأسُهُ الطاعةُ يا أبا ذر كُن ورعاً تكُن أعبد الناس و خيرُ دينكُمُ الورعُ .

وعنه – ص - قسم العقل على ثلاثة أجزاء فمن كانت فيه كمل عقله و من لم تكن فيه فلا عقل له , حسن المعرفة بالله عز و جل , وحسن الطاعة له , وحسن الصبر على أمره .

موضوع بحثنا هو الطاعة , ومفهوم الطاعة أنها حصيلة الإيمان , كالإيمان بالله سبحانه وتعالى وأنبياؤه ورسله أو الإيمان بعمل أو قول ما ... الخ , وعلى هذا الأساس فإن الإنسان العاقل هو الإنسان المطيع لكل ما آمن به أو صدقه , وبقدر إيمانه هذا ودرجة طاعته يعتبر عاقلاً , وإلا فإنه يسمى ( عاص ٍ ) والمعصية خلاف الطاعة .

فالشريعة المباركة التي أمر المولى تبارك وتعالى بها على لسان الصادق الأمين – ص- أمر الناس بملازمتها , بعد أن وضع لها الأحكام وشرع لها الأنظمة اللازمة لحياتهم الخاصة والعامة , وكذلك بر الوالدين وإطاعتهم , وأرباب العمل وما شابه ذلك , وقد بين ذلك في العديد من الآيات المباركة والأحاديث الشريفة المروية عن النبي وأهل بيته عليهم السلام وسأحاول أن اذكر بعض ما يشير إلى موضوعنا على وجه الإختصار .

وبعدها أصدر الأوامر , وشرع السبل , وبين أهميتها بالنسبة للمطيع , وخـَّير الإنسان بعد أن شهدت عليه الملائكة وأشهده على نفسه حيث قال تبارك وتعالى : أولست بربكم ؟ قالوا بلى ! لكن هذا الإنسان الذي حمل هذه الأمانة الكبرى كان ظلوما جهولاً , والأدلة لا تعد ولا تحصى , وإختصارا يصح القول أنه في الطاعة النجاح وتحقيق الأماني وفي المعصية الندم والهلاك وخيبة الأمل , وهذا الأمر ينطبق على طاعة الله ورسوله وأهل بيته أولي الأمر المعصومين عليهم السلام بالمطلق , وأما ما دون ذلك كالوالدين وأرباب العمل وما شابه ذلك فالطاعة هنا ليست مطلقة وإنما جزئية ويمكننا أن نقول أنه لا يجوز الإلتزام بها بشكل مطلق إلا حيث نجد رضا المولى تبارك وتعالى ودليل قوله تعالى فيما خص الوالدين في سورة لقمان الآية ( 15) قوله تعالى : { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ ثُمّ إِلَيّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}‏ , وبخلافهم فقد وردت العديد من الآيات المباركة منها في سورة الكهف الآية ( 28) قوله تعالى { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} , وكذلك أشار رسول الله – ص- إلى ذلك في قوله المشهور : لا إطاعة لمخلوق في معصية الخالق , وكما أن سيد البلغاء والحكماء وصي البشير النذير عليه السلام يحذر من أتباع الدنيا الذين يعتلون المناصب في العديد من الأحاديث الوارده عنه والخطب منها ما جاء في الخطبة 192 من النهج فقال عليه السلام : ألا الحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبراؤكم الذين تكبروا عن حسبهم وترفعوا فوق نسبهم .

إن عزم الإنسان على الطاعة هو الأصل الذي يسبق علاقة هذا الإنسان بما آمن , أكان هذا الإيمان بالشريعة أو أنه بعمل ما أو قول ما , وبقدر هذا الإيمان تصح الشريعة أو العمل أو القول , وهذا ما يؤثر على حياة الفرد والجماعة حيث تتكامل وتتعاظم وتستمر في تحقيق النجاح والأهداف المرجوة التي تجعل من الأمة أمة قوية متماسكة , ومن خلال التمسك في هذا الإيمان الفعلي يتسامى الفرد والمجتمع ليجاور الأنبياء والأولياء والصالحين ويشاركهم في الدعوة الإلهية ومصداق ذلك قوله تعالى في سورة ‏البقرة الآية ( 30) قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}‏ .

إذا فالإنسان جعله المولى تبارك وتعالى خليفته في الأرض وقد رسم له حدود ضمن أنظمة وقوانين تجعله خليفة بكل ما للكلمة من معنى إذا ما تعدى الحدود التي رسمها له هذا الدين الحنيف أو مبدأه الذي آمن به وقد تمثل ذلك في سيد الحكماء عليه السلام حيث اشار إلى قدسية الرسالة التي يحملها وحتى في أصعب الظروف أي أثناء الحرب فجاء في وصيته عليه السلام يوم البصرة حيث نادى في جنوده قائلاً : لا تَسْبُوا لَهُمْ ذُرِّيَّةً ولا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ ولا تَتْبَعُوا مُدْبِراً ومَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ وأَلْقَى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وأَمَّا السَّيْفُ الْمَغْمُودُ فَالسَّيْفُ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْقِصَاصُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والْعَيْنَ بِالْعَيْنِ فَسَلُّهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وحُكْمُهُ إِلَيْنَا فَهَذِهِ السُّيُوفُ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّداً – ص - فَمَنْ جَحَدَهَا أَوْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهَا أَوْ شَيْئاً مِنْ سِيَرِهَا وأَحْكَامِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ – ص - , بذلك تمنع الفوضى وتصان الكرامات وتحد الغرائز وتؤدب النفوس ويحد كل أمر مناف للإنسانية والمعتقد الذي يحمله هذا الشخص أو ذاك , وكل أمر مناف للإنسانية فإنما يدل على همجية المعتقد الذي يعتقده هذا الفرد أو ذاك المجتمع وهذا ما يتمثل في العدو الصهيوني ومؤيدوه عبر التاريخ ويكفي وصفهم أنهم قتله الأنبياء والرسل خير البشر , وقد سار على تلك الهمجية الكثير ممن ادعوا أنهم مسلمون وعمدوا إلى قتل الصالحين عبر التاريخ الذين تمثلوا في أهل بيت رسول الله الشهداء المظلومين ومواليهم سلام الله عليهم أجمعين , ولو تساءلنا عن السبب الرئيسي لمعصية هؤلاء لثبت لنا أن إصرارهم على المعصية وعدم الإمتثال لهؤلاء الرسل والصالحين عليهم السلام , وخروجهم هذا بديهي حيث إفساد المجتمع أينما حلوا وهذا التمرد المجنون الذي يخالف بديهيات الحياة الفطرة التي فطر الناس عليها والذي لا يقاوم من قبل مناهضيهم سيستمر إذا ما قوبل من قبل قيادة حكيمة صلبة وجماهير مؤمنة ولا يمكن أن نجد ذلك إلا حيث أمرنا الله ورسوله , وهو قوله تعالى في سورة النساء الآية ( 59) { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحسَنُ تَأْوِيلاً}, وهنا نلاحظ أنه تبارك وتعالى أدخل لزوم طاعة أولي الأمر كما هو لزوم طاعته ورسوله - ص – وهنا يظهر جليا أهمية دور أولي الأمر الذين لزموا نهج رسول الله وأهل بيته عليهم السلام حيث جعلهم المولى تبارك وتعالى في مراتب الشهداء والصالحين والصديقين وأهل اليقين الأمناء على الأمة وأشار سيدهم ومولاهم وأميرهم إلى أهمية وقدسية الطاعة من خلال قوله عليه السلام : إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك لكن وجدتك اهلاً للعبادة فعبدتك , والعبادة هنا تأتي التزاماً بأمره تعالى في سورة الذاريات الآية ( 56 ) ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .

إن الإيمان الحقيقي والتأسي بالأولياء والصالحين وأهل العلم والفضل والأخيار والأطهار في الولد والمنشأ , هو الذي يمكن أن يساعد ويعين على الطاعة , ولا يمكن لخلاف هؤلاء أن تخشع قلوبهم ويطيعون لأنهم لا يحملون في قناعاتهم إلا الكفر والإلحاد والمعصية وضياع الأنساب والغذاء المحرم وإيجاد المجتمع المنحرف , لذلك يفقدون القيم المحمودة ولا يهتمون بمكارم الأخلاق وقد أشار – ص – إلى هدف من أهداف رسالته المباركة وجعله ركنا أساسياً عندما قال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق , فالأخلاق هي ركن من أركان المجتمع والفرد على السواء , وبفقدان أو خلل هذا الركن الأساسي لا يمكن أن يقوم مجتمع صالح , ولا يمكن بناء شخصية صالحة تحمل أمانة الأمة أو تربي الأجيال على إطاعة الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام والصالحين عبر التاريخ , وبفقدان هذا الركن الأساس ستتعرض مجتمعاتنا كافة الصغيرة ( الأسرة ) والكبيرة ( التنظيمات والجمعيات والقرى والمدن) إلى ضربة قاضية حيث تفتقد الأخلاق وبفقدها لا بد لنا من أن نتذكر عصر الجاهلية ونترحم عليه حينئذٍ سيما إذا تمثل هذا الجهل فيمن يدعون أنهم مؤمنون , وأقول مؤمنون مؤكداً على أنهم أيضا سيسيرون في هذا النهج الشيطاني تحت شعار الإيمان , ودليل ذلك قوله تعالى في سورة ‏التحريم الآية ( 6) { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاّ يَعْصُونَ اللّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}‏ , ويظهر من خلال هذه الآية المباركة بأن من بين المؤمنين سالكين سبلاً تؤدي بهم إلى نار جهنم وغضب المولى تبارك وتعالى , ولذلك جاء التحذير لهم خاصا .

يقول المولى تبارك وتعالى في سورة ‏النساء الآية 64 : { ومآ أرسلنا من رسُولٍ إلا ليُطاع بإذن الله ولو أنهُم إذ ظلمُوا أنفُسهُم جآءُوك فاستغفرُوا الله واستغفر لهُمُ الرسُولُ لوجدُوا الله تواباً رحيماً } . ‏

فالنبي في العرف هو المؤدي عن الله تعالى بلا واسطة من البشر والرسول في أصل اللغة يفيد أن مرسلا أرسله بشرط تحمله الرسالة الذي يدل على حسن بعثة الأنبياء أنهم يؤدون إلينا ما هو مصلحة لنا في التكليف العقلي ولا يمتنع أن يعلم الله أن في أفعال المكلف ما إذا فعله دعاه إلى فعل الواجب العقلي أو صرفه عن القبيح العقلي وإذا فعله دعاه إلى فعل القبيح أو الإخلال بالواجب فيجب أن يعلمنا ذلك لأن الأول لطف والثاني مفسدة وإذا ثبت ذلك فالذي يدل على نبوة نبينا – ص - آيات عديدة من القرآن الكريم منها قوله تعالى في سورة البقرة ( إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ) وقوله تعالى ( الم اللهُ لا إله إلا هُو الحي القيومُ نزل عليك الكتاب بالحق مُصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبلُ هُدىً للناس وأنزل الفُرقان )

يتبع % [/align]