بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اخترت لكم هذا الموضوع للارباط الوثيق بينه وبين تحقيق المعجزة والكرامة وهوه
الدعاء
حالتان للدعاء
هناك حالتان يدعو الانسان فيهما ربه:
1-الانقطاع الاضطراري : وهو ذلك الدعاء الذي يتوسله الانسان اذا ما ابتلى بالمصائب والمحن ، واوصدت في وجهه الابواب وانقطعت به العلل والاسباب .حيث انه يتوجه تلقائيا وغريزيا الى الله وهذا النوع من التوجه لا يعتبر كمال انسانيا.
2-الانقطاع الاختياري: وهو الدعاء في حالة رخاء الحال واطمئنان البال . حيت يدعو الانسان ربه شاكرا الطافة وخيراته ؛ اذ يعلم انه هوالذي انعم عليه بهذه النعم ومن بها عليه فيدعوه شاكرا لما سبق من انعمه سائلا ان يديمهما عليه ويزيده من فضله ، ان يبعده عن غضبه ويقربه من طاعته ليؤدي حق شكره.
وهذا التسامي النفسي وهو الذي يعتبر كمالا لهذا العبد الشكور.
شروط الدعاء:
ان الدعاء مجموعة شروط لا بد من توفرها :
1- ان يدعو الله بكله ، بحيت يتحول بكامل وجوده الى صورة احتياج وطلب ؛ اذ ما لم يتحد قلب الانسان مع لسانه في انسجام تام فلن يكون الدعاء دعاء حقيقيا ، وما لم تكن كل جوارحه وجوانحه داعية وطالبة من الله فلا يكون الدعاء حقيقيا.
(امن يجب المضطر اذا دعاه ويكتشف السوء )
2- ان يدعو مع الاعتقاد الجازم بان ربه باب الرحمة الالهية الواسع لا يغلق ابدا ، كما جاء في الحديث :
* اذا دعوت فظن حاجتك بالباب *
وكما ورد في دعاء الامام زين العابدين (ع)
( اللهم اني اجد سبل المطالب اليك مشرعة ، ومناهل الرجاء لديك مترعة ، والاستعانة بفضلك لمن املك مباحة وابواب الدعاء اليك للصارخين مفتوحة واعلم انك للراجين بموضع اجابة ، وللملهوفين بمرصد اغاثة ...)
3-ان لا يكون دعاؤه على خلاف سنة التكوين ولا مخالفا للشرع ؛ اذا الدعاء هو طلب العون للوصول الى اهداف اقرتها سنة الكون والشريعة الالهية ، فلو طلب من الله الخلود في الدنيا فلن يستجيب له ، لان دعاؤه هذا ليس مصداقا حقيقيا للدعاء.
4- ان تكون اعمال الداعي غير مخالفة للشريعة ، فعليه ان يكون نظيف القلب نقيه ، بحيث يكون في فعله وقوله منسجما مع ما يقوم به من الدعاء ، ففي الحديث عن الصادق (ع)
* من سره ان يستجاب له : فليطلب مسكبه ، وليخرج من مظالم الناس ، وان الله لا يرفع اليه دعاء عبد وفي بطنه حرام او عنده مظلمة لاْحد من خلقه *
5- ان لا يكون هو المسبب للحالة التي يدعو الله ان يخلصه منها ، بان تكون هذه الحالة نتيجة منطقية وطبيعية لآثامه ومخالفته ، فتسلط الاشرار على مقدرات المجتمع مثلا نتيجة منطقبة لتقصير الناس بوظيفتهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اللهم الا اذا ازال الناس اسباب هذه المشكلة ، فتابوا وعادوا للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، عندها ستعود اليهم الحالة الطبيعية في المجتمع.
( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم)
6-ان يدعو الله ، وفي نفس الوقت يسعى في حاجاته ، فان الدعاء والعمل مكملان لبعضهما
عن امير المؤمنين (ع)
*الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر*
فلا بد من الاستفادة من الوسائل التي هيأها الله للانسان، ووفرها له لكي يقضي بها حوائجه ، ومن هنا جعل من الذين لا تستجاب لهم دعوة:..رجل جالس في بيته يقول : اللهم ارزقني ، فبقال له الم امرك بالطلب ؟! ،وهكذا بقية الامور التي يكون الانسان نفسه قادرا على حل مشكلتها بيده بالعمل والتدبر ، لكنه يقصر عن ذلك فلا يعمل ابدا ويلجأ الى الدعاء لا يقوم مقام العمل وانما هو مكمل للعمل ومتمم له.
استغلال فرص العمل
هناك فرص ونفحات خاصة بالدعاء ، ولذا تميزت بهذه الصفة ، وكانها موسم العرض الخاص ، وذلك كجوف الليل ويوم عرفه وليالي القدر ، وهي تمر مر السحاب فلا بد من استغلالها على اتم وجه .
(* ...لكم في رسول الله اسوة حسنة*)
حيث كان اذا حل الثلث الاخير من شهر رمضان ، يامر بالا يفرش له فراش نومه الى اخر الشهر ؛ اذ كان يعتكف في المسجد وينشغل بالدعاء ومناجاة الخالق.
اعتراض البعض على الدعاء
يعترض البعض على الدعاء مرة بانه يتنافى والاعتقاد بالقضاء والقدر الالهي ، وانه ما اثر الدعاء طالما كل شيء في الكون يحصل بقضاء وقدر الهي ؟
واخرى بانه يتنافى مع الاعتقاد بالحكمة الالهية ، وان الدعاء طلب لتغيير ما اقتضته الحكمة الالهية من الواقع.
وثالثة بان الدعاء يتنافى مع الرضا والتسليم بمشيئة الله المطلوبان من الانسان لا سيما المؤمن
وفي الواقع ان كل هذه التساؤلات ناشئة من توهم كون الدعاء امرا خارجا عن نطاق قضاء الله وقدره ، وانه علي خلاف حكمته جل وعلا ، والغفلة عن انه عين التسليم بمشيئة سبحانه ؛ كيف لا والمصلحة الالهية البالغة هي التي اقتضته وامرت به.
*ادعوني استجب لكم*
وقد حث البالاي عليه مؤكدا انه قريب من المؤمن الذي يدعوه.
(واذا سالك عبادي عني فاني قريب ، اجيب دعوة الداعي اذا دعان ، فليستجيبوا لي..........)
مراتب المؤمنين ولذة الدعاء:
المؤمنون على المراتب
أ- المؤمن الذي يعتقد بوجود الله سبحانه ، ويعرفه معرفة كاملة ، لكنه لا يمتلك حس رؤية الطاف الله وعنايته التي يفيضها في حياته الخاصة واليومية ، وهذه المرحلة تسمى بمرحلة "علم اليقين"
ب- المؤمن الذي فضلا عن معرفته واعتقاده ، فانه يشاهد اثر توحيده وتوكله واعتماده على الله دون غيره، حيث يستشعر استجابة دعائه ويجد اثر التوكل والاعتماد على الله في حياته الخاصة ، وهذا المؤمن يكون في مرحلة "عين اليقين"
ج- المؤمن الذي يرى نفسه في ارتباط مباشر مع الله ، بل لا يرى نفسه شيئا ويذكر ، وهذا العبد يكون قد وصل الى مرحلة " حق اليقين"
وهذا المؤمن هو الذي يعيش حقيقية الدعاء ولذة الانقطاع الى الله ، فانه يمارس فنا في العبودية والايمان اسمى من فنون الطب والهندسة والرسم ، ويعيش لذة تفوق لذة رؤية مريضة الذي شفي ، او بنائه الذي شمخ، او لوحته التي تزهر ؛ فاثر الدعاء – لمن يتقنه – لطف الهي يغمر الانسان ، عزة تهز الشعور ، تسام روحي يستغرق الذات كلها ، وما يتقن الدعاء الا ذلك المؤمن الذي صار من اهل القلب النير السليم ، ومن الذين لم تمتلكهم وتغرهم هذه الاسباب الظاهرية ، فصاروا على ارتباط مباشر مع الله يعتمدون ويتوكلون عليه.
نسال الله الن يوفقنا الى ان ندعوه ونناجيه بتلك الحالة المعنوية السامية.
والحمد لله رب العالمين
منقول
اتمنى ان تكون ادعيتكم مستجابة
بكل الموده
المفضلات