كنت ذاهبة لأتحدث معه وأطلب منه بل أتوسل إليه... أن يصطحبني معه إلى الوطن... كنت سأبوح له بمشاعري... ورغبتي في البقاء معه هو... أينما كان.. لم أكن لآبه بالشقراء... لن يهمني وجودها ما دمت مع وليد... لن أكترث للخطر... لن أكترث للحرب... لن أكترث للرعب... كنت مستعدة للتنازل عن أي شيء... والرضا بأي شيء... وفعل أي شيء... مقابل أن أظل برفقة وليد... أنعم برعايته وأحظى برؤيته... وأستسقي من فيض حنانه وعطفه اللذين لطالما غمرني بهما منذ الطفولة...
ولما اقتربت من غرفته... سمعته يتحدث ويضحك... كان الباب مفتوحا... وكان في الداخل يتكلم مع شخص ما... توقفت وهممت بالانصراف... فإذا بي أسمع صوته يقول:
("أضحكتني يا سامر! ماذا دهاك!؟ أنا أفكر في رغد هكذا!؟ هل سمعت عن أب يتمنى الزواج من ابنته!! أي سخافة هذه!!")
كان يسخر من مشاعري... ويستخف بحبي...
سمعته يضحك... ويذكر اسمي... ويقول بأنني كابنته تماما...
وليد قلبي... يسخر مني...!
بعد كل ذلك الحب الكبير... المشاعر الصادقة الخالصة.. التي أكننتها له كل ذلك الوقت.. بعد كل أحلامي وآمالي المتعلقة به هو.. هو وهو فقط... ألقاع يضحك ساخرا مني!
أنا يا وليد تفعل هذا بي...؟؟؟
أحسست بإهانة كبيرة... وحرج شديد غائر... وخذلان هائل... من أقرب وأحب الناس إلي...
جرحني ما سمعت الجرح الأكبر والأعمق والأشد عنفا وإيلاما في حياتي...
لم أستطع بعد سماع ذلك مقاومة فضولي... وبقيت أنصت إلى ضحكات وليد قلبي... الساخرة مني... وقلبي ينصفع... ويتزلزل... وينهار... والدهشة تسلبني المقدرة على الانسحاب...
كم كنت ملهوفة عليه... لكن... بعد موقفه الساخر مني... وبعد تنازله عني بهذه البساطة وكأنني قطعة أثاث بالية... لم أعد أرغب في رؤية وجهه... وسوف لن أتحدث معه ثانية... ولن أسمح له بالدخول مهما طرق...
لن أذهب معه... لن أودعه... لن أكترث به... ولن أفكر فيه بعد الآن...
لن أسامحك يا وليد... أبدا... أبدا...


-------------------------------------------------------------------------



أخيرا توقف الطرق... انصرف وليد... ولم أعد أشعر بوجوده خلف الباب... أشحت بوجهي إلى الناحية الأخرى...
لمحت اللوحة التي قضيت الساعات الطويلة... في الأيام الماضية... أُودِعُها كل طاقاتي ومواهبي لأرسمها مطابقة للواقع... لوجه وليد... حبيبي وليد... وهو ينظر إلي ويلوح بيده...
لم أطق رؤيتها والنظر إلى عينيه... ضحكاته لا تزال ترن في رأسي... قمت إلى اللوحة... ولطختها باللون الأسود... حتى جعلتها قطعة من الليل الذي لا ينتهي... وأوقعتها أرضا...
وبعثرت كل اللوحات التي رسمتها لوليد ولأبي ولأمي... ورميت بالصور الفوتوغرافية بعيدا وصفعت لوح الألوان بالجدار... ثم ارتميت على سريري أخلط بكائي بسعالي... وأنفاسي بآهاتي... وكلماتي بصرخاتي...
أنا... من اليوم فصاعدا...
"أكرهك يا وليد!"



**********