مشكورين على المتابعه

الحلقة الثانية و الأربعون
~ إلا رغد ! ~

و أنا على وشك الخروج للعمل صباحا تلقيتُ اتصالاً من رقم هاتفٍ غريب
و عرفتُ بعدها أنه صديقي وليد شاكر!
أخبرني وليد بأنّ قريبته قد أُصيبتْ إصابة بالغة في رِجلها و يدها
و أنّه تمّ إدخالها إلى المستشفى و إجراء عمليّة طارئة لها آخر الليل...
و رجاني أن أصطحِب زوجته و والدتها إلى المستشفى...
صديقي وليد كان منهاراً و هو يتحدّث إليّ عبر الهاتف وكان صوته حزيناً
و أقرب إلى النحيب. و لأنني صديقه الأوّل
فقد كان وليد يلجأ إليّ كلما ألمّتْ به ضائقة أو أصابته كربة...
و كان يضعف قليلا لكنّه سرعان ما يستعيد قواه و يقف صامداً دون انحناء...
أمّا هذه الأزمة فقد دهورتْ نفسيته بشكل سريع و شديد للغاية
ممّا أدى إلى انحدار صحّته و قدرته على العمل تباعا.
يعاني وليد من قرحة مزمنة في المعدة و هي تنشط و تتفاقم مع الضغوط النفسية.
و قد كان الأطباء ينصحونه بالاسترخاء و النقاهة كلما تهيّجتْ و بالإقلاع عن التدخين
و أظنّه أقلع عن السجائر و لكنّه أهمل علاج قرحته
في هذه الفترة إلى أن تطوّر وضعها للأسوأ كما ستعرفون لاحقاً.
وليد متعلّق بشدّة بابنة عمّه المصابة هذهِ و أخالهُ يخبل لو ألّم بها شيء!
و قد كانت ابنة عمّه ترافقه كالظلّ عندما كنّا صغارا في سني المدارس
و كان يحبّها جدا و كثيرا ما اصطحبها معه في زياراته لي و في تجوالنا سوياً...
و قد افترق عنها سنوات حبسه في السجن... و رحلتْ مع عائلته بعيدا عن المدينة...
ثمّ دارتْ الأيام لتعيد جمعه بها من جديد... و تجعله وصياً شرعيا عليها
و مسؤولا أولا عن رعايتها...
عندما وصلنا دخلت ْ السيدتان إلى غرفة المريضة و رأيتُ وليد يخرج إليّ بعد ذلك...
و كما توقـّعت ُ بدا الرجل متعباً جداً... و كأنّه قضى الليلة الماضية في عملٍ بدني شاق...
سألته عن أحواله و أحوال قريبته فردّ ببعض الجمل المبتورة و تمتم بعبارات الشكر
" لا داعي لهذا يا عزيزي ! إننا أخوَان و صديقان منذ الطفولة ! "
ابتسم وليد ابتسامة شاحبةً جداً ثم قال:
" عليّ أن أسرع "
قلتُ مقاطعا :
" لا تبدو بحالةٍ جيدةٍ يا وليد ! دعني أقلّك بسيارتي... ذهاباً و عودةً "
و أعاد الابتسام و لكن هذه المرة بامتنان...
أوصلتُ وليد إلى منزله حيث قضى حوالي العشرين دقيقة
رتّب خلالها أموره و شربنا سوية بعض الشاي على عجل...
الرجل كان مشغول البال جداً و مخطوف الفكر... و قد حاولتُ مواساته
و تشجيعه لكنه كان قد تعدّى مستوى المساواة بكثير
و بما أنني أعرفه فأنا لا استغرب حالته هذه...
إنه مهووس بقريبته و قد باح لي برغبته في الزواج منها رغم أي ظروف !
و قبل أن أركن السيارة في مواقف المستشفى الخاصة رأيته يفتح الباب و يكاد يقفز خارجاً
" على مهلكَ يا رجل ! هوّن عليك ! "
قال و هو يمسك بالباب المفتوح قليلا :
" أخشى أن تستفيق ثم لا تجدني و تصاب بالفزع...
إنها متعبة للغاية يا سيف و إن أصابها شيء بها فسأجن "
ألم أقل لكم ؟؟
رددتُ عليه بتهوّر :
" أنت مجنون مسبقاً يا وليد "
و انتبهتُ لجملتي الحمقاء بعد فوات الأوان. التفتَ وليد إليّ
و قد تجلّى الانزعاج على وجهه ممزوجاً بالأسى...فاعتذرتُ منه مباشرةً :
" آسِف يا وليد ! لم أقصد شيئاً "
تنهّد وليد و لم يعلّق... ثم شكرني و غادر السيارة... هتفتُ
و أنا ألوّح له من النافذة و هو يهرول مبتعداً :
" اتصل بي و طمئني إن جدّ شيء "
و توليتُ بنفسي إبلاغ السيّد أسامة المنذر- نائب المدير- أن وليد سيتغيب عن العمل
و أوجزتُ له الأسباب.
السيّد أسامة كان نائباً للمدير السابق عاطف - أبي عمّار - البحري رحمهما الله
و كان على علاقة وطيدة بآل بحري، و على معرفة جيّدة بنا أنا و والدي
و فور اكتشافه بأن وليد هو ذاته قاتل عمّار، قدّم استقالته
و رفض التعاون مع وليد و العمل تحت إدارته. و لكن...
بتوصية منّي و من والدي، و بعد محاولات متكررة نجحنا في تحسين صورة وليد في نظره
و أفلحنا في إقناعه بالعودة للعمل خصوصا و أن وجوده كان ضروريّا جدا بحكم