استدارتْ أروى و قالتْ بلهجة أقرب للسخرية:
" لا تقلق بشأني ! فأنا لا أخاف البقاء منفردة و ليستْ لديّ عقدة من الوحدة ! "
آنذاك... لم أشأ أن أطيل النقاش حرفا زائدا...
و غادرتُ غرفتها و ذهبتُ إلى غرفة المعيشة الرئيسية
حيث كانتْ رغد و الخالة ليندا تجلسان... قلت ُ :
" هيا بنا "
الخالة ليندا سألتْ:
" أين أروى ؟ "
تنهّدتُ و قلتُ:
" لا تريد الذهاب "
تمتمتْ الخالة بعبارات الاحتجاج ثم قالتْ أخيرا:
" إذن... اذهبا أنتما فأنا لن أتركها وحدها "
نهاية الأمر التفتُ إلى الصغيرة و سألت ُ:
" إذن... أتذهبين ؟ "
و لعلي لن أفلح في وصف التعبيرات التي كانتْ تملأ وجهها و هي تجيبُ :
" نعم ! بالتأكيد "
~~~~~~~~~~
" نعم بالتأكيد ! "
و هل أضيع فرصة رائعة كهذه ؟؟
أنا و وليد نخرج في نزهة ليلية ! نتجول في شوارع المدينة...
نتناول الطعام من أحد المطاعم...
و نحلّي بكرات البوظة ! تماما كما كنا نفعل في الماضي !
يــــاه ! ما أسعدني !...
و تحقق الحلم الذي كان أبعد من الخيال!
و قضينا نحو ثلاث ساعات في نزهة رائعة أنا و وليد قلبي فقط و فقط !
أوقف وليد سيارته عند الموقف الجانبي
لأحد الجسور المؤدّية إلى جزيرة اصطناعية ترفيهية صغيرة يرتادها الناس للتنزه...
و وقفنا أنا و هو على الجسر... عند السياج نتأمل الجزيرة
و نراقب أمواج البحر و نتنفس عبقه المنعش...
و من حولنا الناس يستمتعون بالأجواء الرائعة ...
" منظر مدهش وليد ! ليتنا أحضرنا معنا آلة تصوير ! "
وليد ابتسم، و أخرج هاتفه المحمول من جيبه
و استخدم الكاميرا التابعة له و التقط بعض الصور...
ثم دفعه لي كي أتفرج عليها !
" عظيم ! ليتني اقتني هاتفا كهذا ! "
كرر وليد ابتسامته و قال:
" بكل سرور! أبقه معك لتصوري ما تودين الليلة!
مع أن الظلام لن يسمح بالكثير"
و مع ذلك التقطتُ بعض الصور الأخرى، و الأهم...
صورة مختلسة لوليد التقطتها بحذر دون أن يدري...
و قد أبقيتُ الهاتف معي طوال النزهة لئلا يراها!
و راودتني فكرة أن أنقلها إلى الحاسوب
ثم أقوم بطباعتها و من ثم أرسمها بيدي...
و أعيد إلى مجموعة لوحاتي صورة جديدة لوليد قلبي...
عوضا عن تلك التي احترقتْ في منزلنا المنكوب...
آه ! كم أنا سعيدة! و لأنني كنتُ في غمرة لا توصف من البهجة
فقد تخليتُ عن جزء من حذري و رحتُ أراقب وليد بلهفة
و تمعن و أرصد تحركاته و تعبيرات وجهه بدقة منقطعة النظير...
أتمنى فقط ألا يلحظ هو ذلك !
و نحن عند الجسر... و فيما أنا منغمسة في مراقبته...
مرت لحظة أغمض وليد فيها عينيه و أخذ يتنفس بعمق...
و يزفر الهواء مصحوبا بتنهيدات حزينة من صدره ...
كرر ذلك مرارا و كأنه يريد أن يغسل صدره من الهواء الراكد الكئيب فيه !
شعرتُ ببعض القلق فسألتُ :
" ما بك وليد ؟ "
التفتَ إليّ و هو يفتح عينيه و يبتسم و يجيب:
" لا شيء! أريد أن أملأ رئتيّ من هذا النقاء! جميل جدا...
كيف تفوّتْ أروى و الخالة شيئا كهذا؟"
إذن... ربما كان يفكّر في أروى ! خذلتني جملته بعض الشيء...
ففيما أنا مكرسة نظري و فكري فيه...
يشتغل باله بالتفكير بها هي؟؟
مرتْ بذاكرتي صورة أروى
و هي تشيح بوجهها عن وليد
و تخرج من غرفة مكتبه هذا اليوم...عند المغرب... بدتْ غاضبة...
وبدا وليد حينها منزعجا... و كأن بينهما خصام ما... الفضول تملّكني هذه اللحظة
و ربما كانتْ الغيرة هي الدافع، فسألت ُ: