" نعم ؟ "
ارتبكت ُ و تعثرتْ الكلمات على لساني...
" أأأ... إممم ... هل أنت ِ نائمة ؟ أعني مستيقظة ؟ "
" نعم "
" هل... استطيع التحدث معك ؟ "
لم تجب رغد...فحدقتُ النظر إلى الموضع الذي يصدر منه صوتها
عبر الباب مفتشا عن كلامها!
أعرف... لن تصدقوني !
لكنني رأيتُه أيضا ...
" ماذا تريد ؟؟ "
أجبت ُ بصوت ٍ أجش :
" أن أتحدّث معكِ... قليلا فقط "
و لم ترد... قلتُ :
" أرجوكِ رغد... قليلا فقط "
و لم تجبْ... فكررتُ بنبرة شديدة الرجاء و اللطف :
" أرجوكِ... "
بعد ثوان انفتح الباب ببطء...
كانتْ صغيرتي تنظرُ إلى الأرض و تتحاشى عيني ّ...
أما أنا فكنتُ أفتش عن أشياء كثيرة في عينيها...
عن أجوبة لعشرات الأسئلة التي تنخُر دماغي منذ الأمس...
عن شيء ٍ يطمئنني و يسكّن التهيّج في صدري...
و يمحو كلماتها القاسية ( أكرهك يا بليد ) من أذني ّ ....
" أنا آسف صغيرتي و لكن... أود الاطمئنان عليكِ "
ألقتْ رغد عليّ نظرة خاطفة و عادتْ تخبـّئ بصرها تحت الأرض...
" هل أنت ِ بخير ؟ "
أومأت ْ إيجابا... فشعرت ُ ببعض ٍ من راحة ٍ ... ما كان أحوجني إليها...
" هل... يمكننا الجلوس و التحدث قليلا ؟ "
رفعت ْ نظرها إليّ مستغربة، فهو ليس بالوقت المناسب للحديث ...
و كنت ُ أدرك ذلك، لكنني كنت ُ غاية في الأرق
و انشغال البال و لن يجد النوم لعيني ّ سبيلا قبل أن أتحدث معها...
" أرجوك...فأنا متعب... و أريد أن أرتاح قليلا... أرجوكِ "
ربما خرج رجائي عميقا أقرب إلى التوسل...
كما خرج صوتي ضعيفا أقرب إلى الهمس...
و تفهّمتْ رغد ذلك و فسحتْ لي المجال للدخول...
توجهت ُ مباشرة إلى الكرسي عند المكتب و جلست ُ عليه... و أشرتُ إليها :
" اجلسي رغد "
فجلستْ هي على طرف السرير...
حاولتُ تنظيم أفكاري و انتقاء الكلمات و الجمل المناسبة
و لكن حالتي تلك الساعة لم تكن كأي حالة...
لمحت ُ قارورة الماء نصف فارغة موضوعة على المكتب إلى جواري...
" رغد... ألا تشعرين بالجوع ؟ "
سرعان ما نظرتْ إلي تعلوها الدهشة !
فهو ليس بالموضوع الذي يتوقع المرء أن يدور نقاشٌ طارئ ٌ في منتصف الليل حوله!
قلت ُ بحنان :
" يجب أن تأكلي شيئا قبل أن تنامي... "
عقــّبتْ هي باندهاش :
" أهذا كل شيء ؟؟ "
تأوهت ُ و قلت ُ:
" لا و لكن... أنت ِ لم تأكلي شيئا منذ ليلتين و أخشى أن يصيبك الإعياء يا رغد "
لم تتجاوب معي... فأدرت ُ الحديث إلى جهة أخرى...
" رغد... مهما كان ما قالته أروى... أو مهما كان شعوركِ نحوها...
أو حتى نحوي... لا تجعلي ذلك يزعزع من ثقتك... بأن ّ... بأن ّ... "
و تعلقت ْ الكلمات على طرف لساني برهة شعرتُ فيها بالشلل...
ثم أتممت ُ جملتي بصوت أجش...
" بأنكِ... كما كنت ِ... و كما ستظلين دائما... صغيرتي التي... التي... "