" إنها لا تستحق الرؤية ... دعك منها "
وسّعت ابتسامتي و قلت بإصرار أكبر و بفضول أشد :
" أريد رؤيتها... هاتيها "
و مددت يدي نحوها... و لما لم تتحرك قلت :
" هيا رغد "
و تحركت يدها بتردد و أخيرا سلمت الكراسة إلي...
تعرفون كم تحب صغيرتي الرسم و كم هي ماهرة فيه...
و كنت دائما أطلع على رسماتها و أتابع جديدها من حين لآخر... و يزداد إعجابي...
أخذت أتصفح الكراسة صفحة صفحة و أتأمل الرسمات...
رسمات جميلة لأشياء مختلفة... من يد فنانة !
و رغد كانت تراقبني باضطراب ملحوظ...
شيء يثير فضولي لأقصى حد ماذا تخبئين ؟؟!
و أخيرا وصلت إلى آخر رسمة...
و هي الصفحة التي كانت رغد ترسم عليها قبل وصولي بالتأكيد...
نظرت إلى الرسمة و فوجئت !
ثم نظرت إلى رغد ... و تلقائيا أطلقت ُ آهة استنكارية !
أتدرون ما كان مرسوما ؟؟
صورة لأروى...و هي ترتدي مريلة المطبخ
و قد امتد شعرها الأشقر الحريري الطويل حتى لامس الأرض و كنسها
رغد سحبت الكراسة فجأة و أخفتها خلف ظهرها...
أما أنا فهززت رأسي اعتراضا و استنكارا...
و يبدو أن رغد أحست بالخجل من رسمها هذا و نزعت الورقة من الكراسة
و جعّدتها و ألقت بها في سلة المهملات... ثم قالت دون أن تنظر إلي :
" آسفة "
قلت رغبة منّي في تخفيف الحرج :
" أنت موهبة خطيرة ! "
و لم تعلق رغد بل شرعت في جمع كتبها و أشياءها المبعثرة و من ثم هربت نحو الباب...
قلت :
" الشاي ! "
مشيرا إلى كوب الشاي الذي تركته على الطاولة... فالتفتت إلي و قالت :
" تركت ُ لها كل شيء... أنا آسفة "
و ولت مسرعة !
جلست أنا على نفس المقعد الذي رجحت أن رغد كانت تجلس عليه
و في داخلي مزيج غير متجانس من الراحة و الانزعاج... و الضحك و الغضب !
بعد قليل أقبلت أروى تحمل وعاء يحوي بعض الخضار المقشرة
و كيسا يحوي قشورها...
و الظاهر أنها عملت في تقشير الخضار في مكان ما خارج المطبخ قبل أن تأتي إلي ّ في غرفة المعيشة...
وضعت أروى الوعاء على الطاولة و ابتسمت و هي تقول :
" أخيرا ! ألم تطب لها الدراسة هذا اليوم إلا هنا ؟؟ "
ابتسمت ُ... و لم أعلّق...
و توجهت ْ أروى حاملة كيس القشور نحو سلة المهملات...
كنت ُ أراقب الدخان المتصاعد من كأس شاي رغد...
و لا أعرف لم تملكتني رغبة عجيبة في احتسائه !
و ضعت يدي عليه و حالما أوشكت على تحريكه أوقفني صوت أروى :
" ما هذا ؟ "
تراجعت بسرعة... و في اعتقادي أنها تستنكر رغبتي العجيبة هذه !
ما الذي يدعوني لشرب شاي تركته رغد !؟؟
التفت نحوها ببعض الخجل..
لكنها لم تكن تراقب الشاي...
كانت تمسك بورقة مجعّدة مفتوحة بين يديها... و تحملق فيها بغضب...
وقفت و اقتربت منها... فأخذت تحدّق بي ... ثم مدّت الورقة إلي و قالت :
" انظر... مذاكرة ابنة عمّك "
حقيقة لم أعرف كيف أتصرف حيال الموقف...
حاولت التظاهر بالمرح و جعل الأمر يبدو دعابة بسيطة لكن أروى كانت غاضبة جدا...
" هذه إهانة متعمّدة يا وليد... لن أسكت عنها "
" لا أعتقد أن رغد تقصد شيئا ... إنها دعابة لا أكثر ! "






رد مع اقتباس
المفضلات