هزّت رأسها إيجابا ... فتنهّدت ُ بارتياح ... و قبّلت كتاب الله و وضعته جانبا ...
" الحمد لله "
قلتها مبتسما في وجه الصغيرة المذعورة ... فتنهّدت هي بدورها ...
" رغد ... أنا آسف يا صغيرتي ... أرجوك ِ اغفري لي هذه المرّة ...
و أعدك ... بل أقسم لك برب هذا الكتاب المقدّس ...
بألا أكررها ثانية ما امتدت بي الحياة ... "
رغد رفعت يدها اعتراضا و قالت :
" لا ... لا داع لأن تقسم على شيء ليس من واجبك القيام به ...
يجب أن ... تعيش حياتك الطبيعية ... "
و التفتت نحو أروى ثم إلي و أضافت :
" بعيدا عمّن لا يطاقون ... "
قلت مستغربا :
" رغد ؟؟ "
قالت :
" فقط ... أعدني إلى خالتي ... و سوف لن ... أزعجك بعد ذلك مطلقا ! "
استثارتني جملتها هذه و كدت ُ أثور ... إلا أنني تمالكت نفسي ...
فهي ليست باللحظة المناسبة على الإطلاق ...
قلت :
" اهدئي أنت الآن فقط ... و لا تفكّري في أي شيء ... "
نظرت إلي الآن برجاء و قالت :
" لا تتركني وحيدة يا وليد ... أرجوك "
قلت بسرعة :
" ثقي بأنني لن أكررها ... أنا معك صغيرتي فاطمئني "
ربّما الموقف كان غريبا ... ربما يحق لأروى نظرات الاستنكار التي رمقتني بها في صمت ...
لكن ... كيف كنتم تنتظرون منّي أن أتصرّف
و أنا أرى صغيرتي تصاب بنوبة ذعر ... بهذا الشكل ؟
إنني لا أعرف كم من الوقت ظلّت واقفة خلف الباب ... ترتجف في خوف ...
إلى أن فتحته أروى و اكتشفت وجودها ...
إن لم أكن لأقدّم مجرّد الشعور بالأمان لهذه اليتيمة المذعورة ...
في هذا البيت الموحش المليء بالذكريات المؤلمة ...
إن لم أستطع تقديم الأمان على الأقل ...
فما الجدوى من وجودي حيا على وجه الأرض ؟؟
و كطفلة صغيرة ... أعدت ُ صغيرتي إلى سريرها
و بقيت جالسا بالقرب منها أتلو المزيد من كلام الله ... حتى نامت...
تركت ُ باب غرفتها نصف مغلق و عدت ُ إلى غرفتي و تهالكت ُ على السرير ...
كانت أروى آنذاك جالسة على ذات المقعد المجاور للباب ...
و حينما رأتني أمدد أطرافي الأربعة نحو زوايا السرير بتأوّه أقبلت نحوي ...
" وليد "
كنت التفت إليها فرأت التعب ينبع من مقلتي ...
" إذن ... فهي مريضة بالفعل ... كما توقّعت ! "
أغمضت ُ عيني متألما لهذه الحقيقة ...
قالت أروى :
" لقد ... لاحظت ُ عليها بعض التصرفات الغريبة في المزرعة !
سبق و أن أخبرتك بذلك يا وليد ! لكنك لم تعلمني بأنها مريضة بالفعل "
قلت :
" لديها نوع من الرهبة... تنتابها حالات من الذعر إذا شعرت بالوحدة و الغربة ...
إنه مرض أصابها منذ الطفولة... لكني لم أعلم به إلا العام الماضي"
" يؤسفني ذلك يا وليد "
نظرت إلى عيني أروى فوجدت ُ فيهما الكثير من العطف و التعاطف ...
فبادلتها بنظرة ملؤها الرجاء و الأمل :
" أروى ... أرجوك ِ ... أوقفي دائرة الخلاف بينكما عن الاتساع "
لم تجب أروى مباشرة ... ثم قالت :
" أنا لا أتعمّد فعل شيء لكنها ... إنها ... "
قاطعتها قائلا :
" إنها وحيدة بيننا يا أروى ... أرجوك اكسبي صداقتها "
و أيضا صمتت برهة و كأنها تفكّر في أمر عالق بذهنها ثم قالت :
" ألا ترى ... أن عودتها إلى خالتها ستريحها يا وليد ؟ "
قلت بسرعة حدّة :