ردّت رغد بجملة مضطربة :
" كنت ... أريد ...
أريد الهاتف ! "
و كررت بنبرة أكثر ثقة :
" أريد هاتفك لبعض الوقت ! هل تعيرني إياه ؟ "
كنت متشككا ، لكنني قلت :
" بكل تأكيد ! "
و أحضرت لها هاتفي المحمول ... و هو وسيلتنا الوحيدة للاتصال ...
تناولته رغد و شكرتني و انصرفت بسرعة ...
عندما استدرت ُ للخلف
و جدت ُ أروى و قد مدّت رجليها على السرير
و استندت على إحدى ذراعيها
بينما استخدمت الأخرى في العبث بخصلات شعرها الطويل الأملس !
" حان وقت النوم ! سأنهض غدا باكرا و أريد أن آخذ قسطا كافيا من الراحة "
قلت ذلك معلنا نهاية الجلسة ... فاسحا المجال لأروى للذهاب من حيث أتت.
ساعتان و نصف من التقلب على السرير ...
دون أن يجد النوم طريقه إلى إي من جفوني الأربعة ...
ليس ما يقلقني هو إجراءات الإرث تلك ... و لا خططي المستقبلية ...
و لا المفاجآت التي يمكن أن تخبئها القدر لي ...
بل هو مخلوق بشري عزيز على نفسي ... يحتل حجرات قلبي الأربعة ...
و يتدفق منها مع تدفق الدم ...
و يسري في عروقي مع سريانها و ينتشر في خلايا جسدي أجمع ...
ثم يعود ليقطن الحجرات الأربع من جديد ...
كائن صغير جدا ... و ضعيف جدا ... و خواف جدا !
و هو لا يشعر بالطمأنينة إذا ما ابتعد عني ... و جاء طلبا لبعض الأمان بقربي ...
لكنه اكتفى بأخذ هاتفي المحمول ...
و اختفى خلف هذا الجدار المشترك بين غرفتي و غرفته ...
إنني لو اخترقت الجدار ... سأجده نائما على السرير ... بأمان
أو ربما باكيا خلف الجدار ... في خوف ...
أو جاثيا على الأرض ... في حزن ...
أو ربما ذارعا الغرفة جيئة و ذهابا ... في ألم ...
إنني لا أستطيع أن أنام دون أن أطمئن عليها ! و ستبوء كل محاولاتي بالفشل حتما !
استسلم !
لا تكابر يا وليد !
تسللت من غرفتي بهدوء و أنا أتلفت ذات اليمين و ذات الشمال ...
مخافة أن يشعر بي أحد ... و وقفت عند باب غرفة صغيرتي و أمسكت بالمقبض !
كنت على وشك أن أفتحه لو أن عقلي لم يستيقظ و يزجرني بعنف ! أي جنون هذا ؟؟
من تظن نفسك يا وليد ؟؟ كيف تجرؤ ؟؟
عدت مسرعا ...أجر أذيال الخيبة ... و رميت بجسدي المثقل على مرارة الواقع ...
و استسلمت لحدود الله....
لم يكن الأمر بالصعوبة التي توقعتها لكنه لم يكن سهلا ! الكثير من الأوراق
و الوثائق و التواقيع استغرقت منا ساعات طويلة .
و كان يتوجب علي أخذ أروى إلى المحكمة ...
منتصف الظهيرة ، هو الوقت الذي عدت ُ فيه إلى المنزل بعد جهودي السابقة
و أنا أحمل وثائق في غاية الأهمية في يد ، و طعام الغذاء في اليد الأخرى !
كيف وجدت أروى و الخالة ؟
وجدتهما منهمكتين في تنظيف المطبخ !
" أوه ! لم تتعبان نفسيكما ! إنه مليء بالغبار ! "
ردّت الخالة :
" و نحن لا نحتمل الغبار و لا نحبه يا ولدي . اعتدنا الجو النقي في المزرعة .
على الأقل هكذا سيغدو أفضل "
وضعت كيس الطعام على المائدة المحتلة قلب المطبخ . و نظرت من حولي
كل شيء نظيف و مرتب ! كما كانت والدتي رحمها الله تفعل .
شعرت بامتنان شديد لأروى و الخالة و قلت :
" جزاكما الله خيرا . أحسنتما . أنتما بارعيتن ! "
أقبلت أروى نحوي و هي تبتسم و تقول :
" هذا لتعرف أي نوع من النساء قد تزوّجت ! "
فضحكت الخالة و ضحكنا معها ...
في هذه اللحظة دخلت رغد إلى المطبخ .
كان وجهها مكفهرا حزينا ... و بعض الشرر يتطاير من بؤبؤيها !