حملت رغد معها تذكارا من كل مكان و عن كل شخص..
حتى سامر...كما أخذت حليها و حلي دانة، بل و ما بقي من فستان زفافها المحروق أيضا !
" سأعطيه لأختي حين تعود ! كانت مهووسة به ..
و تعتبره كنزها الثمين ! مسكينة يا دانة ! "
خرجنا من ذلك الحطام الكئيب بعدما أغرقناه بالدموع و ملأناه بالألم...
إن كنت، الشخص الذي لم يعش في هذا المنزل فترة طويلة
و لم يحمل معه سوى القليل من الذكريات، و أنا أكاد أنصهر من حرارة ما بداخلي، فكيف برغد ...؟؟
ابتعدنا عنه و قلوبنا معلقة عنده، و أنظارنا متشبثة به حتى اللحظة الأخيرة...
و أخذنا معنا ما غلا مما نجا، و ما نجا مما غلا
لم تتوقف سيل الدموع حتى بعدما وصلنا إلى منزل أبي حسام
و كان الآخر محترقا ، ألا انه أحسن حالا من بيتنا المدمّر...
حين قرعنا الباب، فُتح و ظهر من خلفه أفراد العائلة أجمعون
و الذين كانوا في انتظارنا منذ ساعات...
ما إن رأت رغد خالتها حتى صرخت.. و انهارت في حضنها بحرارة ...
اللقاء كان من أقسى اللقاءات التي مررت بها في حياتي..
لا يضاهيه أي لقاء، عدا لقائي بأهلي بعد خروجي من السجن
مع فارق ضخم، هو أنه لا أهل أمامي لأعود إليهم و أعانقهم و أبكي فوق صدورهم...
استهلكنا كمية كبيرة من الدموع حتى أوشكنا على الجفاف
صعدت رغد بعد ذلك مع ابنة خالتها إلى الطابق العلوي، و ذهبت النساء إلى غرفة أخرى
و بقينا نحن الرجال في غرفة المعيشة نقلّب الأحزان و نتجرّع الآهات و نتبادل التعازي...
حينما حل الظلام، أردت أخذ عائلتي إلى فندق لقضاء الليلة قبل متابعة السير غدا
مع أنني لست واثقا من العثور على مكان مناسب، و طلبت من حسام استدعاء الثلاث...
ذهب حسام و عاد بعد قليل مع أمه و أروى و أمها ، فسألت عن رغد
فأخبرتني أم حسام أنها أرسلت ابنتها الصغرى لاستدعائها...
لحظات و إذا بالفتاة الصغيرة ( سارة ) تأتي نحونا و تقول :
" تقول رغد إنها ستبقى معنا و لن ترحل مع وليد و خطيبته الشقراء الدخيلة و أمها ! "
تبادلنا جميعا النظرات المتعجبة، و حملقنا في الفتاة الصغيرة ... ثم سألتها أمها :
" سارة ! هل هذا ما قالته ؟؟ و هل طلبت منك نقل هذا إلينا ؟؟ "
و هنا أقبلت الآنسة نهلة، و نظرت إلى أختها بغضب، ثم إلينا أنا و أروى و قالت :
" رغد ستبات معي الليلة "
شعرت بالضيق الشديد من ذلك، فقلت :
" أين هي ؟ أود ا لتحدّث معها فهلا ّ استدعيتها ؟ "
قالت :
" إنها لا تريد الخروج الآن... "
ضقت أكثر و قلت :
" أرجوك آنستي، هلا استدعيتها "
و ما كدت أنهي الجملة حتى طارت الصغيرة سارة لاستدعائها !
ثوان و إذا بها تعود قائلة :
" لن تذهب معك ! ارحل و اتركها و شأنها "
هتفت الآنسة نهلة :
" سارة ! تبا لك ! لا تتدخلي أنت و ابقي في مكانك "
قلت :
" هل أخبرتها بأنني أريد التحدّث معها ؟؟ "
موجها الخطاب إلى الفتاة الصغيرة، فابتسمت الأخيرة و قالت :
" نعم ! و قالت إنها لا تريد التحدث معك
و إن علي إخبارك بأنها لن تذهب معكم فارحلوا ! "
أم حسام ذهبت الآن إلى غرفة ابنتها و عادت بعد قليل قائلة :
" دعها تنام هنا الليلة ، إنها في حالة سيئة "
و عبارة ( حالة سيئة ) أزعجتني و أقلقتني أكثر...
" أرجوك يا سيدتي ، استدعيها لأتحدّث معها الآن "
و ما إن أنهيت جملتي هذه حتى رأيت رغد تظهر أمامي، ثم تقول :
" سأبقى هنا في بيت خالتي ! لن أرحل معكم "
اجتاحني الهلع، فقلت :
" تعنين الليلة ؟ "
قالت :
" بل كل ليلة ، سوف أعيش هنا بقية عمري "
نظرت إليها، و إلى جميع من حولي في عدم تصديق .. ثم سألتها :
" ماذا تعنين يا رغد ؟ لا يمكنك ذلك ! "
قالت بصوت متحد ٍ :
" بلى ، يمكنني "
" رغد ! مستحيل ! "
قالت بتحد أكبر :
" بلى يا وليد، سأبقى أنا مع عائلتي الحقيقية
و ارحل أنت مع عائلتك الجديدة.. و في أمان الله "

---------------------------
نهايه الحلقة الـ33
ترقبوا الحلقة الـ34