وقفت أتأمل جمال الكون.. و طبيعته الخلابة، و بديع صنع الله
متحاشية قدر الإمكان النظر في أي شيء يعكر صفو هذه اللحظة، خصوصا وجوه البشر
و بالأخص من النوع ذوي الأنوف المعقوفة، أو العيون الزرقاء !
أمضينا وقتا، سأعترف بأنه كان ممتعا ، مع الكثير من الشوائب !
و كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة و النصف ليلا حين قررنا العودة إلى المزرعة..
وليد يقود سيارته و سامر إلى جانبه، و أنا خلفه ، و الحسناء إلى جانبي..
أكاد أعصب عينيها بعصابة سوداء داكنة سميكة جدا، لأمنعها من النظر إلى وليد عبر المرآة !
في اليوم التالي، لم يعمل وليد في المزرعة إلا لوقت قصير، و قضى بقية النهار معنا ..
و في العصر، قبيل مغادرة سامر، خرجنا جميعا إلى المزرعة نتجول مثنى مثنى !
و ليد و الحسناء في المقدمة، نتبعهما أنا و سامر على بعد عدة أمتار، يتبعنا العجوز
و أم أروى على مبعدة... و سيري خلفهما جعلني أعود لممارسة جولات عيني الاستطلاعية
بل التدقيقية التفتيشية على أقل حركة تصدر من أي منهما...
عادت البغيضة لتشبيك ذراعيهما ببعضهما البعض !
يا إلهي ! هل أركض نحوهما و أقف جدارا بينهما؟
قلت مخاطبة سامر :
" دعنا نسرع "
قال متعجبا :
" لم ؟ "
اخترعت أي سبب ، و لا سبب !
" أريد أن أعطي شيئا لأروى "
" أي شيء ؟؟ "
نظرت من حولي، فوجدت مجموعة من الزهور الجميلة الملونة، أسرعت باقتطاف بعضها و قلت :
" هذه ، فهي ملونة مثلها و تصلح طوقا على شعرها الذهبي ! "
و ناديتها مباشرة !
التفت كل من وليد و أروى استجابة لندائي
فحثثت السير إليهما حتى إذا ما بلغتهما قلت و أنا أرسم ابتسامة مفتعلة على شفتي :
" انظري يا أروى ! هذه الورود تشبهك ! "
أروى بدت مستغربة من مقولتي، ثم ابتسمت و شكرتني بعفوية !
قلت :
" اصنعي منها تاجا لشعرك ! ستبدين لوحة مذهلة ! "
أورى ابتسمت ثانية، و كررت شكرها و إن علاها بعض الشك !
التفت إلى وليد و قلت :
" أليس كذلك يا وليد ؟؟ "
وليد قال :
" بلى ، بالتأكيد "
بالتأكيد ؟؟ بالتأكيد يا وليد ؟؟
أنا بالتأكيد سأفقأ عينيك !
أخذت أورى بعض الورود، و تركت في يدي البعض الآخر...ثم استدارا ليتابعا طريقهما...
وقفت أنا على الجمر المتقد.. ازداد اشتعالا و احتراقا..
و أرمقهما بنظرات حادة خطره و هما يبتعدان...
و ربما ذبلت الورود التي في يدي من شدة حرارتي !
شعرت بشيء يلمس كتفي فاستدرت بسرعة ، كان سامر...
سامر أوقف يده معلقة في الهواء.. لا أعرف لماذا ؟ ربما لأنها احترقت من ملامستي ؟؟
لكني لمحت عينيه تركزان في الساعة...
قال :
" يجب أن أذهب الآن.."
أعدت النظر إليهما ، ثم إليه.. ثم إلى الثنائي الأخير الذي يقترب منا، العجوز و أخته...
ثم عدت أنظر إلى سامر :
" الآن ؟ "
" نعم ، قبل حلول الظلام "
نظرت بيأس نحو الورود التي بين يدي.. و لأنها أصبحت تمثّل أروى في نظري
فكدت أرميها و أدوسها من الغيظ.. إلا أن سامر أخذها من بين أصابعي و قال :
" هذه تصلح لك أنت ِ .. أنت فقط "
رفعت بصري إليه و أبديت استيائي من جملته، و لما رأى هو ذلك قال :