" نعم .. طبعا "
و لا أدري إن كان ردي هذا أراحه أم أزعجه ، لأن التعبيرات التي كست وجهه كانت غريبة و غامضة ...
سمعنا الآن صوت ضحكات قادمة من ناحية وليد و أروى، و الذين كانا وسط الحقل، فالتفتنا إليهما..
شعرت أنا بالغيظ، و لا شعوريا قلت :
" تبا "
ثم انتبهت إلى أن سامر يقف قربي...
خجلت من نفسي، و لأبدد الخجل رحت أنادي :
" وليـــــــد، تعال... حضر سامر "
التفت وليد إلينا، و لما رأى سامر تهلل وجهه
و ترك المعول من يده و جاء مسرعا ، و صافحه و عانقه ...
أروى أيضا جاءت ، و هي تضبط وشاحها الملوّن حول رأسها ...
لم تكن أروى تخرج من المنزل إلا محجبة..
حتى أثناء العمل الشاق في المزرعة ! لكنها في الداخل، تتصرف بحرية و ترتدي ما تشاء و تتزين كيفما تشاء..
و يزداد حنقي كلما رأيتها تفعل ذلك، فيما أنا ملفوفة بالسواد من رأسي إلى قدمي كإصبع بسكويت مغطى بالشيكولا !
حالما صارت قربنا ألقت التحية على سامر
ثم ذهبنا نحن الأربعة إلى المقاعد الموجودة حول طاولة على مقربة
و جلسنا سوية نتبادل الأحاديث...
أنا عملت هذه الساعة كبرج مراقبة ، أراقب الجميع ابتداء من أروى الحسناء
و انتهاء بسامر المشوّه !
كل حركة، كل كلمة ، أو حتى كحة تصدر من أي من الثلاثة ألتقطها بعيني و أذني و قلبي أيضا...
و أستطيع أن أخبركم، بأن أروى كانت مسرورة، و وليد فرح جدا، و سامر..
حزين و مكتئب ، رغم كل الضحكات و الابتسامات التي يتبادلونها...
أروى، حسابي معها سأصفيه لاحقا، الآن ..
سأنصب جل اهتمامي على سامر إذ أن حدسي ينبئني بأنه يخفي شيئا..
شيئا يجعل صدره متكدرا كما هو واضح أمام عيني ...
وجود سامر اعتبر مناسبة تستحق الاحتفال ! و لذا
صنعت أروى و أمها أطعمة خاصة من أجله على العشاء، و لأنني لا أجيد الطهو
و لا أجيد أعمال المزرعة، كما لا أجيد أعمال المنزل، و واقعا لا أجيد شيئا غير الرسم
فقد ساعدت فقط في الأكل، و تنظيف بعض الصحون !
ألحت العائلة على سامر لقضاء الليلة معنا، رغم اعتراضه ألا أن إصرارنا أحرجه فقبل أخيرا...
و تعرفون أين سينام !
طبعا في الغرفة الخارجية تلك !
بعد العشاء، اقترحت أروى أن نذهب جميعا للتنزه عند الكورنيش ...
بالنسبة لي كانت فكرة جميلة، فأيدتها
ألا أنني ندمت على ذلك حينما وجدتها أروى فرصة ذهبية للاختلاء بوليد بعيدا عني
ذهبا يسيران معا، و تركاني و سامر وحدنا...
الأمر في أعين الجميع يبدو طبيعيا.. إذ أنهما خطيبان، و نحن خطيبان
ألا أنني اشتططت غضبا و صرت أراقبهما بعين ملؤها الشرر ...
سامر كان يتحدّث معي، ألا أنني لم أكن مركّزة معه، بل على ذينك اللئيمين..
و سوف ترى أروى ما سأفعل انتقاما لهذه اللحظات...
" هل تسمعينني ؟؟ "
التفت إلى سامر.. فوجدته يحدّق بي بحزن .. لم أكن قد انتبهت لآخر جملة قالها قلت :
" عفوا.. ماذا قلت سامر ؟ "
سامر رمقني بنظرة ذات معنى ، شديدة الكآبة ثم قال :
" لا، لا شيء"
" أرجوك سامر..أعد ما قلت فقد كنت..."
أتم هو الجملة :
" كنت ِ تراقبينهما بشغف "
خجلت من نفسي، و نظرت إلى البساط الذي كنا نجلس فوقه..
سامر قال :
" ألا زلت ِ تفكرين به ؟ "
تسارعت ضربات قلبي و توترت، و لم أجرؤ على رفع بصري إليه كما لم أقدر على التفوه بأي كلمة...
قال سامر :
" تؤذين نفسك يا رغد، و تهذرين مشاعرك... ألا ترين أنه رجل مرتبط و لديه زوجة..
و زوجة حسناء تغنيه عن التفكير بأي امرأة أخرى "
بانفعال و بدون تفكير قلت بسرعة :