أنا كنت أقوم بعمل مضاعف و بأقصى ما أمكنني ، و لساعات أطول..
و رسمت بعض الخطط لتطوير المزرعة و الاستعانة ببعض العماّل الثابتين..
رغد بدأت تتأقلم مع العائلة و تشعر بالانتماء إليها بعد فترة من الزمن..
و صارت تساهم في بعض أعمال المنزل البسيطة، و التي لم أكن أنا أريد تحميلها عبئها
لولا أن الظروف قضت بذلك..
تعذّر علينا زيارة سامر نهاية الأسبوع الأول، ألا أننا زرناه في الأسبوع التالي، و في الواقع..
خرجت من تلك الزيارة متضايقا لما أثارته في قلبي من الذكرى الأليمة .. ذكرى والدي ّ..
سامر لم يبد أنه خرج من الأزمة بعد.. بل كان غارقا في الحزن..
و حتى زيارتنا له لم تحرز تقدما معه..
أما دانة ، فاتصلت بها مرات ثلاث خلال الأسبوعين
و أعطتني الانطباع بأنها امتصت الصدمة و في طور النقاهة..
عدا عن ذلك ، فهي سعيدة و مرتاحة مع زوجها و عائلته في تلك البلد..
أوضاع بلادنا لم تتحسن، بل بقيت بين كر و فر..مد و جزر.. أمدا طويلا..
الشيء الذي بدأ يقلقني هو الملاحظة التي أبدتها لي أروى إذ قالت :
" يبدو أن رغد تعاني اضطرابا نفسيا يا وليد.. إنها لا تنام بسهولة..
بل تبقى لما لا يقل عن الساعة تتقلب في الفراش، و أحيانا تجلس..
و تنهض.. و تذرع الغرفة جيئة و ذهابا في توتر.. و في أحيان أخرى، أسمعها تتحدّث أثناء النوم..
أو تصحو و تبكي و تنادي أمها ! أعتقد أن وفاة والدتها قد أثرت عليها كثيرا .. "
سألتها يومها :
" هل يتكرر ذلك كثيرا ؟؟ "
" تقريبا كل ليلة ! كما و أنها تصر على إبقاء مصباح النوم مضاء ً
بينما أنزعج أنا من النوم مع وجود النور ! "
هذه الأمور لاحظتها أروى التي تشارك رغد في الغرفة
و التي يبدو أنها تعاني منها منذ فترة دون أن يلحظها أحد...
و هذه الأمور جعلتني أقلق بشأنها.. و أفكر في طريقة تجعلها تنام بطمأنينة و نوما هادئا..
و هداني الله إلى هذه الفكرة...
عندما كانت صغيرة ، رغد كانت تعشق سماع القصص..
و تطالبني بها كل ليلة حتى تنام بهدوء و قرّة عين..
و لأنها كبرت الآن، فلم يعد هناك مجال لتك القصص! و لكن..
لدينا كتاب هو أجل و أعظم من أي كتاب، و بذكر ما فيه تطمئن القلوب.. إنه القرآن.
في كل ليلةقبيل نومهما أبقى مع رغد و أروى في غرفتهما و أتلو ما تيسر من آيات الذكر الحكيم ..
و تظل رغد منصتة إلي، إلى أن يغلبها النعاس فتنام بهدوء و سكينة..
في إحدى الليالي، و بعدما نامت رغد، خرجنا أنا و أروى من الغرفة ..
لم نكن نشعر بالنعاس وقتها، فطلبت مني أروى القيام بجولة قصيرة معها في المزرعة ..
" لكن.. رغد تمانع خروجي و هي بالداخل، أو دخولي و هي بالخارج.. "
" لكنها نائمة الآن "
" نعم و لكن .. "
" هيا يا وليد ! إننا لم نتحدّث مع بعضنا منذ حضورها ! لم تفارقك ساعة واحدة إلا للنوم ! "
استأت من كلام أروى و قلت :
" أرجو ألا يكون وجودها قد أزعجك بشيء ؟ "
" لا لا ، لا تسىء فهمي، أقصد أنني أريد التحدث معك حديثا خاصا بنا أنا و أنت ! كأي خطيبين.. "
و أمسكت بيدي و حثّتني على السير معها إلى الخارج...
حديثنا كان في بعض شؤوننا الخاصة.. و كانت أروى تتكلم بسرور ..
بل كانت في قمّة السعادة.. و أخذنا الحديث لساعة من الزمن..
فجأة ، سمعت صوت رغد يناديني ...
" وليــــــــــد "
سحبت يدي من يد أروى و ركضت مسرعا نحو المنزل ...
رغد كانت تقف في الساحة الأمامية تتلفت يمنة و يسرة..
" أنا هنا رغد "
و لوّحت بيدي، و أنا راكض باتجاهها...
لما رأتني رغد... وضعت يدها على صدرها و تنهدّت بقوة...
و حين صرت أمامها مباشرة، أمكنني رؤية علامات الفزع على وجهها و الذعر المنطلق من عينيها...
" صغيرتي ماذا حصل ؟؟ "
" إلى أين ذهبت ؟؟ "
" هنا في المزرعة، أتمشى قليلا "






رد مع اقتباس
المفضلات