مشكوره على المتابعه

الحلقةالواحدةوالثلاثون
~ ابتعدي عن حبيبي ~

رغم أنني كنت نعسى في البداية، ألا أن النوم خاصمني ذلك الصباح..
وليد جلس في الصالة يقرأ القرآن، و جلست أنا على مقربة أنصت إليه..
إلى أن عاد الرجل العجوز بعد طلوع الشمس.. فختم وليد قراءته و راح يتحدّث معه..
كانا يتحدثان بشأن المزرعة و ما سيفعلانه هذا اليوم..
و كنت أستمع إليهما ببلاهة ! فأنا لا أفقه كثيرا مما يذكرون !
وليد التفت إلى الآن و قال :
" سوف أخرج للمزرعة الآن، أتأتين معي ؟؟ "
وقفت من فوري و تقدّمت ناحيته.. قال متما عبارته السابقة ببطء :
" أم تفضلين العودة للنوم ؟ "
" سآتي معك.."
و خرجت معه إلى المزرعة..
الهواء كان باردا و كنت أرتدي العباءة فوق ملابس النوم، لذا شعرت بالبرودة تخترق عظامي
قال وليد :
" سنبدأ بجولة تفقدية "
حذائي كان عالي الكعب و لا يصلح للسير على الرمال
لذلك طلب مني وليد ارتداء أحد الأحذية المطاطية الموجودة عند مدخل المنزل...
سرنا في اتجاه شروق الشمس.. و كم كان منظرا جميلا لم أر مثله منذ زمن...
الرياح كانت في مواجهتنا، تغزو أنفي رغما عني ، و تزيد من شعوري بالبرد..
أخذت أفرك يدي بتكرار.. أما وليد فكان يسير بثبات في وجه الريح ، و لا يبدو على جسمه أنه يتأثر بها !
كالجبل تماما !
قال لي:
" الجو بارد.. أتفضلين العودة للمنزل ؟ "
" ماذا عنك ؟ "
قال :
" سأبدأ حرث منطقة معينة هنا، سنقوم بزرع بذور حولية جديدة فيها.. "
و أشار إلى المنطقة المقصودة...
قلت :
" أنت تحرثها ؟؟ "
و يبدو أن سؤالي هذا ضايقه أو أحرجه.. نظر إلي برهة صامتا ثم قال و هو يحدّق في تلك المنطقة :
" نعم أنا يا رغد.. فهذا هو عملي هنا.. و من هذا العمل أعيش و أعيل نفسي.. و صغيرتي .."
ثم التفت إلي و قال :
" فهل يصيبك هذا بخيبة أمل أو .. اشمئزاز ؟ "
قلت بسرعة :
" لا ! لم أٌقصد ذلك.. "
" إذن ؟ "
" تعرف يا وليد.. فخلال التسع سنين الماضية كنت أعتقد أنك... "
و بترت جملتي.. فقد أحسست أن هذا يؤلمه.. و إذا تألم وليد قلبي فأنا أموت ..
قلت :
" لكن ، ألا يمكنك مواصلة الدراسة الآن ؟؟ "
قال :
" إنني أدرس الآن في معهد محلي
و إن تخرجت منه بشهادة معتبرة فستكون لدي فرص أفضل للعمل
لكن إلى ذلك الوقت سأظل مزارعا "
لم يعجبني ذلك، فأنا لا أريد لوليد أن يغمر يديه في التراب ..
بل أن يعلو السحابلكني لم أشأ إحراجه، فقلت :
" أتمنى لك التوفيق "
ابتسم وليد ابتسامة رضا، و تابعنا الطريق...
بقيت أراقبه و هو يعمل، تارة شاعره بإعجاب به ، و تارة شاعرة بشفقة عليه
و تارة بغضب من الأقدار التي أوصلت ابن عمّي إلى هذا المستوى..
ليتني أستطيع منحه ثمان سنين من عمري، تعويضا عما خسر..
بل ليتني أهديه عمري كله.. و كل ما أملك..