" تفضلي.."
كانت دورة المياه النسائية في الطرف الآخر..على مقربة من الباب توقّف وليد..
و تركني أمشي وحدي..
التفت إليه.. قال :
" سأنتظر هنا "
لم أشعر بالطمأنينة.. تراجعت .. قلت:
" لنعد "
قال :
" هيا رغد ! سأبقى واقفا في مكاني.. "
" لا.."
وليد نظر إلى ما حولنا ثم قال :
" حسنا، سأقترب أكثر"
و مشى معي حتى بلغنا الباب...
نظرت إليه بشيء من التردد، ألا أنه قال :
" لا تتأخري رجاء ً "
و أنا أفتح الباب قلت :
" إياك أن تبتعد ! "
قال مطمئنا :
" لا تقلقي.. "
و عندما خرجت وجدته واقفا بالضبط عند نفس النقطة !
عدنا إلى تلك الكابينة و طلب لي وليد وجبة كبيرة، مليئة بالبطاطا المقلية !
لا أعرف أي شهية تلك التي تفجرت في جوفي، و التهمتها تقريبا كاملة..!
و لو كان طلب طبقا آخر بعد ، لربما التهمته أيضا عن آخره.. يكفي أن يكون وليد قريبا مني
حتى أشعر برغبة في التهام الدنيا كلها...
بعد العشاء.. قام وليد بجولة في المنطقة، بين المزارع.. و أراني بعض معالم المدينة
و كذلك المعهد الذي يدرس فيه، و السوق الذي تباع فيه الخضراوات...
منذ زمن.. و أنا حبيسة الشقة و المستشفى، لا أرى الشمس و لا أتنفس الهواء النقي..
لذلك فإن الجولة السريعة هذه روحت عن نفسي كثيرا...
كان كلما تحدّث عن أو أشار إلى شيء، أصغيت له باهتمام.. ودققت بتمعن
و كأنه درس علي حفظه قبل الامتحان!
قبيل وصولنا إلى المزرعة، سألني :
" أتودين بعض البوضا..؟"
و كان ينظر إلي عبر المرآة ...
قلت منفعلة مباشرة :
" ماذا !؟ البوضا مجددا ! كلا أرجوك ! أنا يتيمة بلا مأوى الآن !؟؟ "
و ليد، حدق بي برهة ، ثم انفجر ضاحكا !
أنا كذلك، لم أقو على كبت الضحكة في صدري، فأطلقتها بعفوية...
نعم ! فلن تغريني البوضا مرة أخرى و لن أنخدع بها!
عندما وصلنا إلى المزرعة كانت الساعة تقريبا التاسعة مساءا...
مباشرة توجهنا إلى المنزل، و قرع وليد الجرس، ففتح العجوز الباب...
تهلل وجهه لدى رؤية وليد و صافحه و عانقه، ثم رحب بي ترحيبا كريما...
قال وليد :
" ابنة عمي .. تحت وصايتي الآن.. و إن لم يكن في ذلك أي إزعاج.. فهي ستبقى معي هنا حتى نجد حلا آخر.."
شعرت أنا بالحرج، ألا أن ترحيب العجوز خفف علي ذلك، قال :
" عظم الله أجرك يا بنيتي، على الرحب و السعة، و إن لم تتسع المزرعة لكما نحملكما على رؤوسنا.."
ابتسمت للعجوز و شكرته..






رد مع اقتباس
المفضلات