وليد أبي !
بابا وليد !
و شعرت برغبة مفاجئة في الضحك !
ألا أن هذه الرغبة تحوّلت إلى حرج شديد جدا..عندما أصدرت معدتي نداء الجوع !
مباشرة نظر وليد عبر المرآة فالتقت أنظارنا.. و أبعدت عيني بسرعة في خجل شديد...
تكلم وليد قائلا :
" لم تأكلي شيئا منذ الصباح..أليس كذلك؟ "
تحرجت من الرد عليه..و علتني حرة الخجل.. لم أكن في الآونة الأخيرة أتناول أكثر من وجبة واحدة في اليوم..
و كنت أجبر نفسي على أكلها فقط لأبقى حية..
أتذكر الآن.. الطبخات اللذيذة التي كانت أمي، و دانة تعدّانها..
آه أماه..
إنني مشتاقة لأي شيء من يديك.. حتى و لو كان السمك المشوي الذي تعدّينه
و اهرب أنا من المائدة كرها له...
كنت سأدخل متاهة الذكرى المؤلمة، ألا أن صوت وليد أغلق أبواب المتاهة حين سمعته يقول :
" سآخذك إلى مطعم جيد في المدينة الزراعية.. سيعجبك طعامه "
المشوار كان طويلا.. و الهدوء جعل النعاس يطغى علي.. فنمت لبعض الوقت..
صحوت من النوم على صوت وليد يهمس باسمي...
" رغد.. رغد صغيرتي.."
فتحت عيني.. فوجدته ملتفتا إلى الوراء يناديني.. و تلفت من حولي فرأيت السيارة واقفة ..
قال وليد:
" وصلنا "
قلت :
" المزرعة ؟ "
و أنا أطالع ما حولي.. باستغراب..
قال :
" المطعم "
قلت :
" ماذا ؟ "
" المطعم صغيرتي.. نتناول عشاءنا ثم نذهب إلى المزرعة "
و تذكرت أنني كنت جائعة ! كانت الوقت لا يزال باكرا..
وليد فتح بابه و خرج من السيارة، ثم فتح الباب لي..
هبطت و صافحتني أنسام الهواء الباردة.. فضممت ذراعي ّ إلى بعضهما البعض..
" أتشعرين بالبرد؟ "
" قليلا"
" المكان دافئ في الداخل.. هيا بنا "
سرنا جنبا إلى جنب، أنا بقامتي الصغيرة و رأسي المنحني للأسفل، و هو بجسده العملاق..
و رأسه العالي فوق هامته الطويلة! ثنائي عجيب متناقض ! دخلنا المطعم .. كان تصميم مدخله جميل..
و الكبائن متباعدة و متقنة الهندسة..
اختار وليد كبينة بعيدة، و جلسنا متقابلين، لكن ليس وجها لوجه!
شغلنا نفسينا بتقليب صفحات الكتيب الصغير، الحاوي لقوائم الأطعمة و المشروبات...
قال وليد :
" ماذا تودين ؟ "
في هذه اللحظة ، و أنا في توتري الشديد هذا، و الإحساس بقرب وليد يشويني.. قلت :
" دورة المياه "
" عفوا ! ؟ "
تركت الكتيب من يدي، قام وليد و قال :