" سأشكرهم و أودعهم ... "
نحن الثلاثة أقبلنا إلى إليهم فوقفوا... و بدأ وليد يكرر عبارات الشكر و الامتنان
و هم يعبرون عن سرورهم باستضافتنا بل و يصرون على بقائنا بعد..
قال أروى :
" إذن لن تبقى معنا ؟؟ أ لن تعود إلينا ؟ "
و كان ظاهرا على وجهها الأسف...
وليد قال :
" بلى.. سأعود حالما اطمئن على سير الأمور كما يجب.. "
ثم أضاف :
" أنتم عائلتي و هنا عملي "
أروى ابتسمت بسرور... أما أنا فشعرت بغصة في حلقي ...
قالت :
" مكانك محجوز لك و غرفتك جاهزة فأهلا بك في أي وقت "
شكرها وليد .. ثم استدار نحونا و قال :
" أ ننطلق ؟ "
قال أروى :
" لحظة "
و ذهبت إلى المنزل و عادت تحمل كيسا قدمته إلى وليد و قالت :
" ملابسكم .. نظيفة و مطوية "
فتناول وليد الكيس من يدها و كرر شكرها ..
كل هذا أمام عيني .. و يشعرني بالغضب !
واضح أنها معتادة على وليد و تخاطبه و كأنه أحد أقاربها ، لا رجلا غريبا...
لا يعجبني ذلك أبدا ...
بعد وداع العائلة ، ذهبنا إلى شقة قريبة قضينا فيها ليلتنا تلك
و من الصباح الباكر غادرنا المدينة متجهين إلى مقر سامر...
طول تلك الفترة و أنا في حالة من الذهول... لم استفق منها بعد..
و وليد لم يكن يكلمني.. بل أنه كان يتحاشاني عن عمد.. و كأن شيئا لم يكن...
استأجر سامر شقة متوسطة الحجم في نفس المبنى الذي كان يقطنه ..
شقة جمعتنا نحن الأربعة تحت سقف واحد ..
والداي كانا يتصلان مرة أو مرتين في اليوم بنا ليطمئنا على أحوالنا
و الحظر عن دخول المسافرين الى البلد استمر عدة أسابيع...
شفي الجرح الذي في قدمي شيئا فشيئا..
و قد كان سامر يصطحبني كل يوم إلى المستشفى من أجل تطهيره..
كنت على اتصال مستمر بعائلة خالتي ، و التي بقيت في المدينة تعيش على ما تبقى من حطامها..
في أحد الأيام ، جاءنا نوّار خطيب دانة، يطلب أخذ دانة معه إلى الخارج..
حيث سيستقر هو و عائلته عدة أشهر إلى أن تهدأ الأوضاع ..
نوار كان قد تحدّث بهذا الشأن إلى والدي و الذي يبدو أنه أيد الفكرة من باب إبعاد دانة عن البلدة ..
كما أيدها سامر و تحمّست لها دانة كثيرا ، ألا أن وليد كان معارضا
" كيف يا دانة ؟ دون زفاف ؟ دون عرس ؟؟ دون وجود والدي ّ ؟؟ "
" و هل تعتقد أنني سأعيد شراء كل ما احترق من جديد ؟
دعونا نقيم حفلة بسيطة خاصة بنا.. أنا أريد أن أغادر هذه البلدة و التعاسة المخيمة عليها "
" و والداي ؟؟ "
" إنهما يؤيدان الفكرة .. و سوف نذهب إليهما أولا ثم نغادر "
" كلا.. سننتظر حتى يسمح لهما بالعودة ، ثم نقيم حفلة عرس متواضعة..
لن ننقص من قدرك أمام ذلك المغرور "
حينما قال وليد ذلك، اغتاظت دانة و قالت بحدة :
" من هو المغرور ؟ "
لزم وليد الصمت ، فقالت :
" لا أسمح لك بإهانة خطيبي ! أي قدْر هذا الذي تتحدّث عنه ؟؟
أ بعْد حطّتي في القدر باكتشاف حقيقة مخجلة مخزية عنك ، تجرؤ على الحديث عن القدر ! "
نشبت مشاحنة حادة بين الاثنين ، و أنا و سامر نتفرج بصمت..