هنا فتح باب الغرفة و ظهرت منه رغد ..
رغد وقفت تنظر إلي برهة في صمت ، ثم تنظر إلى الآنسة أروى بوجه جامد
الآنسة أروى ابتسمت و قالت :
" كيف حالك ألان يا رغد ؟؟ "
و لم يبد أن الصغيرة عازمة على الإجابة !
لكنها قالت أخيرا :
" بخير "
قالت أروى :
" المائدة جاهزة... أين أختك ؟ "
قالت رغد :
" دانة أخت وليد.. ابن عمي "
و لم أجد الرد مناسبا للسؤال ! قالت أروى :
" نعم أعرف ! و لكنها كانت تتحدث عنك بوصف أختي ! "
ظهرت دانة الآن من خلف رغد .. فحيتها أروى و كررت دعوتنا إلى المائدة..
ذهبنا إلى المنزل ، أنا و العم إلياس في المجلس ، و النسوة في غرفة المائدة
و تناولنا وجبة شهية مغذية بعد طول الجوع و العطش ..
بعد ذلك تحدثت و إلياس ساردا ما حصل لنا بشيء من التفصيل..
فأبدى تعاطفه الشديد و رحّب ببقائنا في ضيافته إلى أن نجد حلا آخر..
و أنا وعدته بأن أبدأ العمل في المزرعة منذ اليوم ...
و رغم اعتراضه ، ألا أنني أصررت على ذلك و نفذته
كان ذلك بعد الغذاء بثلاث ساعات.. تركت الفتاتين نائمتين في الغرفة
تعوّضان حرمانهما السابق من النوم ، و خرجت إلى ساحة المزرعة و باشرت العمل...
كانت هناك شتلات شجيرات صغيرة جديدة مطلوب غرسها في الأرض..
و توليت أنا هذه المهمة .. أحفر الأرض ، و أغرس الشجيرات ، و أسوي التراب ...
العم إلياس و كذلك أروى كانا أيضا يعملان من حولي..
كنت أشعر بالتعب و الإعياء فأنا لم أنل قسطي الوافي من النوم و الراحة بعد
ألا أنني لم أطق تأجيل العمل إلى الغد..
أروى كانت تساعدني .. و تتحدث معي من حين لآخر..
إنها فتاة جريئة بالفعل !
فيما أنا جاثيا على الأرض أغرس إحدى الشجيرات في الأرض و أهيل عليها التراب..
و أروى واقفة قربي و ممسكة بالطرف العلوي لتلك الشجيرة .. سمعتها تقول :
" أهلا رغد ! "
رفعت رأسي إليها فرأيتها تنظر في إتجاه معين ...
التفت إلى ذلك الاتجاه فرأيت رغد واقفة تنظر إلي.. و لم تكن تعبيرات وجهها مريحة... البتة
وقفت ببطء .. و نفضت يدي و ثيابي مما علق بها من التراب .. ثم قلت :
" أهلا صغيرتي .. "
النظرات التي رشقتني بها رغد جعلتني انصهر حرجا .. و أهرب ببصري بعيدا عنها..
كانت مذهولة مصعوقة.. تحدّق بي بدهشة لا تضاهيها دهشة..
آلمتني نظراتها و غرست في صدري ألف خنجر.. لم أجرؤ على إعادة بصري إليها من جديد ...
سألت بدهشة :
" وليد.. ماذا تفعل ؟؟ "
ماذا أفعل ؟؟ ماذا أفعل يا رغد؟؟
ألا ترين ؟؟
أزرع الأرض.. ألوث يدي و ملابسي و جسدي بالأتربة و السماد.. و الوحل أيضا..
نعم .. أجثو على الأرض ضئيلا منخفضا وضيع الشأن.. بسيط الحال ..
عوضا عن علو السماء و المركز و المنصب
احتقرت نفسي لحظتها أيما احتقار..
و تمنيت لو أنني دفنت نفسي عوضا عن الأشجار..
ماذا تظنين يا رغد ؟؟